بعد إتاحة عملية نقل خدمات العمالة المنزلية بين الأفراد عبر منصة "مساند" اعتبارًا من 1 أغسطس/آب الماضي، شهدت المملكة العربية السعودية، على مدى شهرين، ارتفاعا ملحوظا بجودة الاستقدام وتنظيم العلاقة التعاقدية بين جميع الأطراف المعنية وتحقيق الرقابة على تكاليف النقل من صاحب عمل لآخر، ما ساهم في دعم موثوقية البيئة الاقتصادية في المملكة، حسب مراقبين.
فعملية الدفع تتم عبر قنوات دفع إلكترونية موثوقة من خلال المنصة ووفق سقوف الأسعار المحددة من الوزارة، ما يساهم في خلق بيئة ضامنة لحفظ حقوق صاحب العمل والعامل المنزلي عند النقل، من خلال إصدار عقد عمل مُحدد المدة يحتوي على بنود تحفظ حق الطرفين على أن يتم مشاركته مع الطرفين للموافقة، بحسب بيان صادر عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية.
وأنشأت الوزارة منصةَ "مساند" كإحدى المبادرات لتطوير قطاع الاستقدام في المملكة، لتوفر خدمات متعددة لتحسين وتسهيل رحلة الاستقدام وحلّ الشكاوى والخلافات التي قد تحدث بين أطراف التعاقد، إضافةً إلى ضمان حقوقهم.
ووفقاً لآخر إحصائيات صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء الحكومية، فقد بلغ عدد الأجانب المشتغلين 10.9 ملايين عامل، ما يمثل 75% من إجمالي المشتغلين في السعودية، فيما بلغ عدد المشتغلين السعوديين 3.69 ملايين عامل، وهو ما يمثل 25% من الإجمالي.
رقابة أعلى
يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن إتاحة نقل خدمات العمالة المنزلية تمثل واحدة من أدوات التحديث التي تقوم عليها الحكومة السعودية، ممثلة بوزارة الموارد البشرية، مشيرا إلى أن العمالة المنزلية قطاع كبير في السعودية، ومن شأن رفع جودة ومعايير استقدام هذه العمالة أن يؤدي إلى حفظ الحقوق، وتنظيم علاقات تعاقدية أكثر موثوقية بين الأطراف المعنية بها.
ويؤدي ذلك، حسب عايش، إلى درجة أعلى من الرقابة على العمالة المنزلية وعلى تكاليف النقل، ما سيؤدي بأطراف العلاقة التعاقدية ذات الصلة بالعمالة المنزلية إلى ثقة أكبر في عملية الاستقدام من جهة، وعدم استغلال العمالة من جهة ثانية، وتنظيم دخول العمالة إلى السعودية من جهة ثالثة، ما سينتقل ليشمل القطاعات الاقتصادية الأخرى.
فالسعودية هي "ورشة عمل اقتصادية هائلة"، بحسب توصيف عايش، مشيرا إلى أن المملكة تعتمد في ذلك على العمالة المحلية أو تلك المستقدمة من الخارج، وعلى هذا الأساس فإن تنظيم وجود هذه العمالة ودورها وكلفتها والطريقة الأنسب للتعرف على مهاراتها وتقنياتها، له أهمية كبيرة لتوظيفها في المشروعات التي يمكن أن تعمل بها.
تفادي الاتهامات
ومن شأن هذا التنظيم أن يضمن سقوفا سعرية لأجر العمالة، ما يقلل من الكلفة التي تدفعها الأسر للعمالة المنزلية، وهو ما ينعكس لاحقا على القطاعات الاقتصادية المتعلقة بهذه العمالة، وهو أمر في غاية الأهمية لمنع الهدر أو الفساد أو التحايل في استقدام العمالة للقطاعات الاقتصادية الأخرى، حسب عايش.
يخلص الخبير الاقتصادي إلى أن السعودية يهمها أن تستفيد من تجارب الدول الأخرى في ما يتعلق بتوظيف العمالة، وهي تنتقل إلى مرحلة عامة عالمية تكون فيها تحت الأضواء، خاصة بعد توجيه اتهامات حقوقية للمملكة بالسماح بالاتجار بالبشر أو بتوظيف العمال لساعات أطول دون أجر أو بأجر منخفض، أو بالعمل في أوقات صعبة مناخيا وفي درجات الحرارة المرتفعة، ما أدى إلى حدوث وفيات بين العمال.
ولذا تريد السعودية حفظ حقوق صاحب العمل والعامل المنزلي، وفق نموذج يمكن تعميمه على القطاعات الاقتصادية الأخرى، على أن تكون عقود العمل محددة المدة وتضم بنودا تحفظ حقوق جميع الأطراف، لتتجنب المملكة أي مسؤولية عن استخدام هذه العمالة بشكل سيئ مستقبلا.
ومن هنا يرى عايش منصة "مساند" واحدة من مبادرات تطوير قطاع الاستقدام في السعودية، ويتوقع لها أن تكون مدخلا لتطوير منصات أخرى لتحسين وتسهيل رحلة استقدام العمالة، وحل المشكلات والخلافات التي قد تحدث بين الأطراف المتعاقدة في العلاقة مع هذه العمالة.
ويعتبر عايش عمل المنصة جزءا مهما للصورة الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية التي تريدها "السعودية الجديدة"، بما يوفر عليها الكثير من التكاليف التي تذهب هدرا، عبر استقدام العمالة المنزلية أو غيرها دون رقابة ومتابعة كافية.
وعليه، فإن "مساند" تمثل نوعا من أنواع الرقابة على أداء هذه العمالة وكيفية توظيفها والمحافظة على حقوقها، ما يُبعد الاقتصاد السعودي عن الهدر في مجال استقدام العمالة، أو يحدد سلفا المهارات والاحتياجات من العمالة التي يريدها، وفي ذلك توظيف أعلى لهذه العمالة في العملية الاقتصادية السعودية، حسب عايش.