يتوقع عدد من المراقبين انعكاس أزمة الغذاء العالمية، والتي بدأت بوادرها في الظهور خلال الشهور الماضية على الحالة الاقتصادية المصرية بشكل عام، ما قد يؤدي إلى غضب شعبي عارم، عقب مواصلة رفع أسعار السلع الغذائية الأساسية إلى مستويات قياسية، في ظل عدم وجود وسائل حماية اجتماعية، مع استمرار تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد.
وأظهرت البيانات الرسمية، أن الحكومة تستورد حوالي 60% من احتياجاتها الغذائية، والتي تقدر قيمتها بحوالى 15 مليار دولار، منها، 1.6 مليار دولار للزيوت، ولحوم حمراء مجمدة وحية بنحو 1.8 مليار دولار، وأقماح 2.5 مليار دولار، وفول صويا 1.5مليار دولار، وذرة بحوالى مليارَي دولار خلال 2020.
الزيوت
كشف تقرير صادر عن معهد المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية، أن مصر تستورد زيوتاً وبذوراً زيتية بكميات تبلغ 5.7 ملايين طن سنوياً، تشمل مليونَي طن زيوتاً تمثل 98% من الاحتياجات و3.7 ملايين طن بذوراً زيتية تقدر قيمتها بـ25.1 مليار جنيه (1.6 مليار دولار).
وأرجع التقرير الذي أعدته سمر منير، هذه الفجوة إلى تراجع المساحات المنزرعة بالمحاصيل الزيتية، والتي تمثل في الوقت الحالي 3.7% من المساحة المحصولية، وذلك لعدم الإقبال على زراعتها لعدم وجود نظام تسويقي يشجع المزارعين، ويحميهم من جشع واحتكار التجار ومصانع.
وأوصى التقرير بتشجيع المزارعين على زراعة الأصناف الجديدة من المحاصيل الزيتية، ومنها، نبات "الكانولا" والذي ترتفع فيه نسبة الزيت إلى 45%، إضافة إلى أنه عالي الجودة، ومحصول شتوي، ويتحمل الظروف البيئية المعاكسة خاصة الملوحة ونقص المياه.
اللحوم
أظهر تقرير صادر عن قطاع الثروة الحيوانية التابع لوزارة الزراعة المصرية، أن معدل استهلاك مصر من اللحوم الحمراء خلال 2020 بلغ نحو 900 ألف طن، شملت 430 ألف طن مستورد (47.8%) و470 ألف طن منتجة محلياً (52.2%).
وبلغت قيمة فاتورة استيراد مصر من اللحوم المجمدة 1.7 مليار دولار خلال 2020، مقابل 2.1 مليار دولار 2019، ومن الأبقار والجواميس الحية 145 مليون دولار، مقابل 103.8 ملايين دولار في 2019 بنسبة زيادة 15%.
وتنفذ وزارة الزراعة حالياً المشروع القومي لإحياء "البتلو" بتكلفة 4.1 مليارات جنيه، لتقليل فجوة استيراد اللحوم، إذ يمنح المشروع لكل مربٍّ 15 ألف جنيه عن الرأس الواحد بخلاف 5 آلاف أخرى علائق وأعلاف بفائدة 5%.
السكر
تتوقع وزارة التموين والتجارة الداخلية، أن يصل إنتاج سكر البنجر إلى 1.7 مليون طن ، بعد زيادة الرقعة المنزرعة إلى 640 ألف فدان، بجانب مليون طن من سكر القصب، ليصل إجمالي الإنتاج إلى 2.7 مليون طن.
واستهلكت مصر العام الماضي نحو 3.2 ملايين طن سكر، غطى الإنتاج المحلي 2.5 مليون طن، وتم استيراد 700 ألف طن.
وكانت وزيرة التجارة والصناعة، نيفين جامع، أصدرت قراراً في يونيو/حزيران 2020 بحظر استيراد السكر الأبيض والخام، لمدة 3 أشهر، (يتم تجديده)، لحماية الصناعة الوطنية، بعد أن باعت الشركات الوطنية طن السكر بأقل 200 جنيه من سعر تكلفته، بعد إغراق السوق بالسكر المستورد.
القمح
أظهر تقرير لوزارة الزراعة الأميركية، أن حجم واردات مصر من القمح والدقيق في 2020/2021 قد يصل إلى 13 مليون طن مقابل 12.8 مليون طن العام الماضي.
وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن مصر استوردت أقماحاً خلال 2020، تخطت قيمتها 2.5 مليار دولار، وذرة بحوالي 2 مليار دولار وفول صويا بنحو 1.5 مليار دولار.
وتوقع التقرير الأميركي، أن يرتفع استهلاك مصر من القمح العام المالي الجاري إلى 20.8 مليون طن، مقابل 20.3 مليون طن العام الماضي.
تأثيرات مؤلمة
يقول مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية المصري الأسبق، عبدالتواب بركات، إن زيادة الأسعار العالمية للأغذية لها تداعيات مباشرة على الموازنة العامة للدولة، وتأثيرات مؤلمة على المواطن، ذلك أن مصر تستورد أغذية بالعملة الصعبة من السوق الدولية بما يقارب 15 مليار دولار، منها 13 مليون طن من القمح الذي يدخل في صناعة الخبز التمويني والمكرونة.
بالإضافة إلى 10 ملايين طن من الذرة الصفراء التي تدخل في مكونات علف الدواجن بمعدل 60% من التكلفة، وتستورد قرابة 6 ملايين طن من زيوت الطعام، وقرابة نصف الاستهلاك من اللحوم الحمراء وهو ما يقارب نصف المليون طن.
ويضيف: "زادت أسعار هذه المنتجات بنسبة 40 إلى 90% عن مثيلتها في هذا التوقيت من السنة الماضية بسبب جائحة كرونا، منها، زيادة أسعار الذرة الصفراء في السوق الدولية بنسبة 90% عن العام الماضي، ومعها زادت أسعار الأعلاف للضعف، ما أدى إلى زيادة أسعار اللحوم الحمراء بنسبة 20% تقريبا، وكذلك زادت أسعار الدواجن التي تمثل بروتين الفقراء بنسبة أعلى وكذلك بيض المائدة".
الحماية الاجتماعية
وتابع بركات: "زادت أسعار زيت الطعام التمويني والحر بنسبة وصلت إلى 25%، ما يمثل تآكل لقيمة الدعم النقدي البالغ 50 جنيه للفرد وعبء على موازنة الغذاء للأسر المصرية التي سقط 60% منها تحت خط الفقر، بسبب الإجراءات التقشفية التي يفرضها صندوق النقد الدولي تحت مسمى برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبسبب فقدان ملايين العمال المصريين لمصدر الدخل ولقمة العيش منذ ظهر وباء كورونا بداية العام الماضي.
ويرى أنه كنتيجة مباشرة سوف تزيد معاناة المصريين في ظل امتناع الحكومة عن تقديم الدعم وتوفير الحماية الاجتماعية، ومع زيادة أسعار الكهرباء والغاز والمواصلات والمياه، قد تندلع احتجاجات شعبية تشبه التي وقعت في 2008 وفي سنة 2011 وخاصة عند الوصول إلى نقطة تراكم الديون وبيع جزء من الممتلكات من أجل شراء وتوفير الطعام لأفراد الأسرة.
الحروب التجارية
ويرجع الخبير الاقتصادي، أحمد ذكرالله، الأزمة العالمية للغذاء إلى قلة المعروض، وليس الإنتاج بسبب تفشي فيروس كورونا والحروب التجارية العالمية، والتي أدت إلى المزيد من الشراء والتخزين من قبل الدول والشركات الكبرى، وهو ما أحدث نوعا من العجز داخل الاقتصاد العالمي، وخاصة لدى الدول التي لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية.
ويشير إلى أن الأزمة ستلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية في مصر، وخاصة لأن معظم السلع الغذائية يتم استيرادها من الخارج، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار سينعكس على عجز في الموازنة العامة للدولة، وبالتالي رفع الحكومة يدها عن التسعير الجبري لبعض السلع، وزيادة أسعار السلع المدعومة، كما حدث مؤخراً من رفع أسعار زيت الطعام.
تدمير البحوث الزراعية
في الوقت الذي يركز فيه العالم جهوده نحو تأمين احتياجاته الغذائية سواء عن طريق التوسع الأفقي باستصلاح أراض جديدة، أو عن طريق استنباط أصناف أكثر انتاجية، اتجهت السلطات المعنية في مصر نحو تحويل أراضي مراكز ومعاهد البحوث الزراعية لمشاريع عقارية.
وأكدت مصادر مطلعة بمركز البحوث الزراعية، في تصريحات خاصة، أن هناك مخططاً يتم الإعداد له للاستيلاء على أرض محطة الجميزة للبحوث الزراعية بالغربية، والتي تتعدى مساحتها 300 فدان بهدف تحويلها لإسكان اجتماعي.
وتعتبر أرض محطة جميزة هي الخامسة ضمن فصول الهجوم على أراضي المراكز البحثية خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ تم إخطار عميد كلية الزراعة بالمنوفية الشهر الماضي بإخلاء أرض مزرعة الراهب البحثية، والتابعة للكلية والتي تقدر مساحتها بحوالي 55 فداناً، وتسليمها للجهة المنوط بها إقامة مشروع الإسكان الاجتماعي بالمنطقة.
وتكرر نفس الأمر بمحطة بهتيم للبحوث الزراعية (380 فداناً)، إذ ذهبت لجنة من القوات المسلحة لرفع إحداثيات أرض المحطة، دون علم القائمين عليها، لإدراجها ضمن مشروعات التطوير العقاري لمدينة شبرا الخيمة.
مصادر بمركز البحوث الزراعية: مخطط يتم الإعداد له للاستيلاء على أرض محطة الجميزة للبحوث الزراعية بالغربية، والتي تتعدى مساحتها 300 فدان بهدف تحويلها لإسكان اجتماعي
وفوجئ الباحثون بمحطة كفر حمام للبحوث الزراعية بالشرقية بلجان مساحية لا يُعرف تبعيتها على وجه التحديد (رئاسة الوزراء- هيئة المجتمعات العمرانية- ديوان محافظة الشرقية) لرفع إحداثيات أرض المحطة (36 فداناً) بهدف إنشاء عمارات سكنية، بحسب رد مسؤولي اللجان على تساؤلات باحثي المحطة.
ووصف النائب محمد عبدالله زين الدين، عضو مجلس النواب، ما يحدث بأنه جريمة في حق الأراضي الزراعية، إذ أن تكلفة تعويض هذه المساحات يكبد الدولة المليارات، بالإضافة إلى عدم وصولها لنفس كفاءة إنتاج الأراضي القديمة.
يُشار إلى أن جهود المراكز البحثية أسفرت عن نجاحات في زيادة إنتاجية العديد من المحاصيل الإستراتيجية، إذ تم رفع إنتاجية فدان القمح من 10 أرادب إلى 18 أردباً، والذرة الشامية من 13 أردباً إلى 25 أردباً، والأرز من 2.4 طن إلى 4.2 أطنان، وقصب السكر من 31.5 طنا للفدان إلى 50 طنا للفدان، وبنجر السكر من 12 طناً إلى 21 طناً.