للحكومات وظائف عدة، منها حماية الدولة وحراسة الحدود وتوفير الأمن للمواطن، وتطبيق القانون وتحقيق العدالة، وتوفير فرص عمل ومكافحة الفساد، ومدّ شبكات البنية التحتية من شبكات طرق وجسور وإنتاج كهرباء ومياه وصرف صحي واتصالات وغيرها.
ومن بين الوظائف المهمة لأي حكومة، توفير السلع والخدمات للمواطن بالمجان، أو على الأقل بتكلفة تناسب دخله، ذلك لأنها تحصل من ذلك المواطن على ضرائب ورسوم ضخمة تدر المليارات على خزانة الدولة، وأحيانا تمثل الضرائب وحدها أكثر من نصف الإيرادات العامة، بل وقد تصل في بعض دولنا إلى نحو 80% .
ليس المطلوب من الحكومة التحول إلى تاجر جشع يحصد العوائد على حساب جثث ملايين الفقراء، أو تتحول إلى سمسار همه فرض الضرائب
ليس المطلوب من أي حكومة التحول إلى تاجر جشع يحقق الأرباح ويحصد العوائد على حساب المواطن وجثث ملايين الفقراء، أو تتحول إلى سمسار كل همه الأول هو فرض الضرائب وزيادة الجمارك والرسوم وجمع الأموال، وشفط ما بقي من أموال في جيب المواطن، دون أن يسألها أحد عن المقابل الذي تؤديه مقابل كل هذه الأموال المتدفقة على الخزانة العامة.
وعندما تندلع أزمة، أمنية، سياسية، اقتصادية، مالية، اجتماعية وغيرها، فمن واجبات الحكومات التدخل لحلها بشكل عاجل.
ولا توجد أزمة أعنف هذه الأيام من الغلاء الفاحش وداء التضخم الذي يعني ببساطة ارتفاع الأسعار وحدوث قفزات في تكلفة السلع والخدمات، وزيادة فواتير النفع العام من مياه وكهرباء واتصالات، وكذا ارتفاع أعباء الرسوم الحكومية وغيرها، وقبلها زيادة أسعار السلع الغذائية والتموينية والمواصلات العامة وإيجارات السكن والبنزين والسولار والغاز المنزلي وغيرها من تكاليف الحياة وزيادة أعباء المعيشة.
وإذا كان من الأدوار والمهام التي تقوم بها الحكومات وتحرص عليها، جمع الضرائب والرسوم، فإنه يسبق تلك الخطوة توفير خدمات مجانية للمواطن، ومعها توفير السلع الضرورية، وكذا الخدمات مثل التعليم والصحة، ومكافحة الغلاء والاحتكارات والفقر والبطالة والعشوائيات وغيرها من الأمراض المجتمعية والاقتصادية.
والأولوية الآن بالنسبة إلى الحكومات في كل دول العالم، إطفاء نار التضخم التي باتت تلسع الجميع، الاقتصاد والمواطن والعملة المحلية وأسواق الصرف، وألا تترك المواطن نهباً للغلاء والفقر والعوز.
البعض قد يتساءل: وماذا في يد الحكومة من أدوات لمواجهة أسعار السلع التي تزداد عالمياً، وخاصة الوقود، النفط والغاز، وكذا أسعار الأغذية التي سجلت أمس أعلى مستوياتها في عشر سنوات، متأثرة بالطلب القوي على القمح ومنتجات الألبان.
زيادة الأجور وتحسين الرواتب، وخفض الضرائب والجمارك وتقديم الدعم النقدي المباشر للمواطن أبرز وسائل مواجهة زيادة الأسعار
الحكومات في يدها الكثير، والبداية تكون بتوفير السلع بسعر رخيص عبر المنافذ والشركات التي تمتلكها، ومكافحة احتكارات التجار.
وهناك أدوات أخرى سريعة لخفض الأسعار، أبرزها زيادة الأجور وتحسين الرواتب والمعاشات، وتقديم الدعم النقدي المباشر للمواطن والأسر المتضررة من زيادة الأسعار كما يحدث حتى في الدول التي تتبني المنهج الرأسمالي القائم على نظيرة قوى العرض والطلب، وخفض الجمارك على السلع الغذائية المستوردة مثل الدقيق والأرز والسكر واللحوم والألبان.
وأن تتوقف الحكومة عن سياسة خفض الدعم المقدم للسلع الرئيسية، من وقود، مثل بنزين وسولار وغاز طهو، أو سلع تموينية، بل المطلوب زيادة مخصصات الدعم في الموازنة العامة للدولة خاصة للسلع الحياتية والتموينية.
كما أن على الحكومة التوقف عن زيادة الرسوم المفروضة في المؤسسات الخدمية العامة مثل المرور والشهر العقاري والأحوال المدنية والجوازات وغيرها، بل يجب خفض تلك الرسوم، وهو ما يوفر للمواطن سيولة نقدية يمكن توجيهها لشراء السلع الأساسية، ومواجهة ارتفاعات الاسعار.
وكذا التوقف عن زيادة الضرائب على شريحة الموظفين والطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود والمتوسط، أو توسيع رقعة الخاضعين للضرائب، فالوقت غير مناسب لزيادة الأعباء الضريبية.
وفي المقابل على الحكومة التحرك لزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات المتعددة الجنسيات وشركات التقنية العالمية، مع الاهتمام بملف التهرب الضريبي والجمركي والفساد المالي، وخفض ضريبة القيمة المضافة التي باتت تمثل عبئاً على أطراف السوق، المستهلك والمنتج والموزع والتاجر.
كما يمكن للحكومة خفض تسعيرة المواصلات العامة، وإلغاء أي ضرائب على استهلاك المياه والكهرباء، أو على الأقل خفضها في الوقت الراهن، ومنح المواطن بدل غلاء المعيشة كما يحدث في بعض الدول.
ولنا في تجارب العالم عبرة، فعندما زادت أسعار البنزين والسولار في الولايات المتحدة، تحركت حكومة جو بايدن سريعاً لمواجهة الأزمة وخفض الأسعار واللجوء إلى احتياطي النفط الاستراتيجي والضغط على الدول النفطية وتحالف "أوبك+" لزيادة الإنتاج، وقامت الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم بتقديم الدعم النقدي المباشر لمساعدة المواطن على مواجهة ارتفاعات أسعار الوقود والأغذية، خاصة فواتير الكهرباء.
الحكومات عليها مسؤوليات كبيرة تجاه المواطن، وإذا كانت تحصل منه على ضرائب ضخمة ورسوم، يجب أن تعود هذه الأموال الضخمة على المواطن، وخاصة الفقير، في صورة دعم مباشر ومساعدات نقدية وفرص عمل وخدمات مجانية، وخاصة التعليم والصحة.