استمع إلى الملخص
- **التوقعات لانتخابات 2024**: يتوقع لختمان فوز الحزب الديمقراطي بمرشحته كامالا هاريس في انتخابات 2024، مستنداً إلى الأداء الاقتصادي القوي ودعم اتحاد نقابات العمال الأميركي (AFL-CIO).
- **القضايا المؤثرة في الانتخابات**: تشمل القضايا المؤثرة الاقتصاد، الهجرة، والسياسات الخارجية، مع تركيز هاريس على دعم الطبقة المتوسطة وترامب على منح إعفاءات ضريبية للأغنياء.
أستاذ التاريخ السابق في الجامعة الأميركية في واشنطن العاصمة واسمه آلان جي لختمان Allan Jay Lichtman اكتسب شهرة واسعة لأنه يتنبأ بالفائز في الانتخابات الأميركية. وقد طور مع الأستاذ الروسي في علم الزلازل (فلاديمير كيليس- بوروك) نموذجاً لذلك التنبؤ يقدم فيه ثلاثة عشر مفتاحاً للنجاح، ويقول إن على الحزب الحاكم ألا يخسر أكثر من خمسة مفاتيح ليكون أقرب للفوز، أما إذا خسر ستة مفاتيح أو أكثر فسيكون مآله الفشل. وقد نجح نموذجه منذ عام 1984 في التنبؤ خلال الانتخابات العشرة التي أجريت منذ ذلك الحين حتى العام 2020 في النتيجة الصحيحة تسع مرات.
والمرة الوحيدة التي فشل فيها هي نتائج الانتخابات الأميركية عام 2000، عندما قررت محكمة العدل العليا أن تحل عقدة عدم تمكن أي من الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي من تقرير النتيجة بشكل حاسم بسبب مشاكل في الآلات التي استخدمت في التصويت. وقد منحت المحكمة في ذلك العام المرشح جورج بوش الابن الفوز على خلاف ما تنبأ به البروفسور آلان لختمان.
أما التنبؤ بنتيجة الانتخابات الأميركية العام الحالي 2024، فإن القرار ذهب لصالح الحزب الديمقراطي، حيث يتوقع لختمان أن يفوز الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس بالرئاسة، مسجلة لنفسها شرف فوز أول أمرأه بهذا المنصب.
والواقع أن المنطق يقول إن احتمالات فوز كامالا هاريس في الانتخابات الأميركية جيدة جداً. ولعل أهم مؤشر يهتم به الناخب الأميركي هو الوضع الاقتصادي داخل الولايات المتحدة. ووفقاً للتقارير، فإن الاقتصاد الأميركي خلال النصف الأول من عام 2024، وحتى نهاية شهر يونيو/ حزيران قد حقق واحداً من أعلى معدلات النمو في الدول المتقدمة، وارتفع سعر الدولار حيال معظم العملات الرئيسية في العالم ( اليورو والإسترليني والين)، وأن نسبة البطالة قد انخفضت مقابل خلق فرص عمل جديدة كثيرة. ولذلك فإن الطبقة العاملة (أصحاب الياقات الزرقاء) خاصة في ولايات المنتصف الغربي حيث معظم الولايات المتأرجحة مثل ويسكونسن، ميشيغان، مينيسوتا، وإلينوي، وأيوا، وولايتي جورجيا في الجنوب وأريزونا في الغرب قد بدأت تشعر بالانتعاش. ولذلك، فإن اتحاد نقابات العمال الأميركي (AFL-CIO) قد قرر الوقوف مع المرشحة هاريس وتأييدها.
ولضمان استقرار هذا التيار في النمو، فإن هاريس قد وعدت في برنامجها الاقتصادي بأن تقوم بتقليص الضرائب على الطبقة المتوسطة، ومنح حوافز للأعمال الصغيرة والمتوسطة من أجل إنعاش الطبقة المتوسطة الأميركية. وبالمقابل، فإن ترامب يعد بأن يحرك الاقتصاد عن طريق منح الأغنياء والشركات الكبرى إعفاءات ضريبية على أمل أن تستثمر أموالها لتخلق فرص عمل جديدة.
إذن، الهدف واحد عند الحزبين، وهو التركيز على النمو وخلق فرص العمل، ولكن الحزب الجمهوري بقيادة دونالد ترامب يرى أن الأغنياء هم الأضمن لتحقيق ذلك، بينما يرى الديمقراطيون بقيادة هاريس أن الأغنياء يمنحون فرص عمل كبيرة للعمال خارج الولايات المتحدة، أما هي فتعطي الطبقة المتوسطة الأكثر ولاء وارتباطاً ببلدهم هذه الفرصة. ومن يشجع الأغنياء وكبرى الشركات يسمى محافظاً، ومن يدعم العمال والشركات الصغيرة والمتوسطة يسمى ليبرالياً. ويسعى كل طرف ليظهر معتقداته ضمن شعارات براقة. ولذلك يترجم ترامب شعاره "دعونا نُعيد لأميركا عظمتها ثانية"، بينما تنادي هاريس بأن أميركا هي دولة عظيمة وسنجعلها أعظم.
وضمن هذين الموقفين، تبرز الخلافات حول سياسات الهجرة، أو السماح للعمال من دول أميركا اللاتينية وغيرها من دول العالم بالدخول إلى الولايات المتحدة. وإذا زرت البلد مؤخراً فسوف ترى أن مستوى الخدمة في المطاعم ومحلات الخدمة مثل البائعين وغيرها من الأعمال قد تدنى، وتعلن عن حاجتها إلى موظفين ولا تجدهم. ولذلك، فإن باب الهجرة لا يمكن إغلاقه. ولكن ترامب المتحمس لبناء الجدران على الحدود يتهم الديمقراطيين بأنهم لا يتصدون للهجرة غير المشروعة ويسمحون للعمال غير الشرعيين بالتسلل عبر الحدود. أما الديمقراطيون فهم لا يصرحون بحماستهم للتوسع في استيراد العمالة سوى للمتفوقين والمهرة منهم، ولكن الحاجة عملياً هي أكثر لعمال الخدمات العادية والتي لا تتطلب مهارات خاصة.
وأما الموضوع السياسي الأهم في الولايات المتحدة، فهو الحرب على قطاع غزة والتي تشن بأسلوب همجي بشع، وأثارت مناظرها الغاشمة غضب الكثيرين في الولايات المتحدة والعالم احتجاجاً ليس على بنيامين نتنياهو وطغمته المتطرفة فحسب، ولكن على الولايات المتحدة التي يسعى ساستها إلى الوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى وإلى إيقاف إطلاق النار في الوقت الذي يقومون فيه بتزويد إسرائيل جهاراً نهاراً بالذخائر الفتاكة والأسلحة المتطورة، ويقدمون لهم المعلومات الاستخباراتية، ويشاركونهم في الاغتيالات والقتل ضد قادة المقاومة. ولكن الولايات المتحدة، وبخاصة الحزب الديمقراطي، لا تريد توسعة الحرب، ولكنهم فشلوا حتى الآن بإقناع الحكومة الإسرائيلية بالقبول بمقترحاتها لإنهاء الأزمة. وقد وضع نتنياهو الإدارة الأميركية الحالية أمام أزمة خانقة. فهو يستخدم المتطرفين في حكومته لكي يعطي لنفسه مزيداً من الفرص للتفلت من أي التزام يوقف الحرب متذرعاً بأن ذلك قد يؤدي لسقوط حكومته.
وإذا فشل الحزب الديمقراطي في إنهاء القتال في غزة والضفة الغربية قبل الانتخابات الأميركية فقد يحجم كثير من الغاضبين بسبب الحرب عن الذهاب للتصويت، ما قد يكبد الديمقراطيين خسائر مهمة في الولايات المتأرجحة. وإن خسروا هذه الولايات، فمن المستبعد أن يفوز الحزب بالانتخابات.
ولو افترضنا أن المرشحة هاريس وفريقها أقنعا المؤيدين للحق الفلسطيني في الولايات المتأرجحة بالتصويت لصالحها ولكنها لم تنجح بالذي وعدتهم به، فإنهم سوف يتخلون عن الحزب في انتخابات منتصف الفترة، أو عام 2026، عندما يقترع الناخبون لاختيار ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وكامل أعضاء مجلس الممثلين، وثلث حكام الولايات وعدد كبير من المناصب الأخرى في الولايات المتحدة. وإذا خسر الديمقراطيون الأغلبية أو زاد الجمهوريون أعضاءهم فصاروا الأغلبية، فإن كامالا هاريس ستكون رئيساً ينطبق عليه مصطلح "البطة العرجاء".
الانتخابات الأميركية ليست محصورة في القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية، بل هناك قضية أخرى هامة وهي الإجهاض، خاصة للنساء اللواتي يتعرضن لتهديدات صحية، أو لأسباب جاء الحمل فيها غير مخطط له. الديمقراطيون يريدون أن يحتفظوا بحق الإجهاض ضمن حدود، وآخرون ليبراليون لا يريدون انتقاص حق المرأة في حرية الاختيار كما يقولون. أما الجمهوريون المؤيدون لإلغاء حق الإجهاض فهم إما يريدون أن يترك تقرير ذلك للولايات الفرادى وليس للحكومة الفيدرالية، أو يسمونه "الانتصار للحياة" (Pro-Life)، ويريدون منعه أو حصره ضمن ضوابط متشددة، وسيبقى أنصار كل رأي متمسكين برأيهم لفترة طويلة.
أما الدول العربية، فهي منقسمة الرأي حول من أجدى لهم. فالأردن وفلسطين ودول أخرى ترى في فوز الديمقراطيين على عيوبهم أملاً أكبر من الجمهوريين بقيادة ترامب الذي يهدد ويتوعد بنصرة إسرائيل. أما بعض دول الخليج فترى أن ترامب أقرب إليها من الحزب الديمقراطي خاصة في ظل قيادة هاريس الليبرالية إلى حدود تتعدى أفضلية هذه الدول في هذا الموضوع.
أنا أقول إن المواطن غير المهتم بمن يفوز لا يرى فرقاً بين الحزبين، وكلهم مؤيد لإسرائيل. والتاريخ الأميركي يقدم أدلة على ذلك. أما السياسيون فيبحثون عن الفوارق بين الحزبين، لأنه وإن بدا أحدهما هامشياً أفضل من الاخر، فإن السياسيين سيستثمرون هذا الهامش للوصول إلى مآربهم. وأنا أعتقد ومنذ أشهر أن ترامب وبايدن لم يكن لهما سوى أمل ضئيل في النصر، ويبدو أن هاريس تقود حملة ذكية وأعتقد أنها ستفوز في الانتخابات على الرغم من أن هذا المقال كتب قبل المناظرة التي جرت مساء الثلاثاء الماضي.