خطوة واحدة فقط تفصل المغرب عن الترخيص لأول مصرف إسلامي في تاريخه، حيث تسود آمال كبيرة في أن يتمكن هذا البلد من جذب استثمارات خليجية هامة في قطاع الصيرفة على غرار الطاقة والزراعة والسياحة.
ففي غضون أيام قليلة، يصدر في الجريدة الرسمية قانون مصرفي جديد، يسمح بعمل المصارف الإسلامية تحت اسم "البنوك التشاركية"، إيذاناً بدخوله حيز التطبيق رسمياً، بعد إقراره من جانب البرلمان نهاية الأسبوع الماضي.
فوائض الخليج
وأقر مسؤولون حكوميون مغاربة، في تصريحات صحافية سابقة، بأن عدم وجود مصارف إسلامية يحرم البلاد من جذب رؤوس أموال هامة من دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتمتع بفائض مالي كبير، يناهز 2.45 تريليون دولار، حسب تقارير مصرفية دولية.
وأكد رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، الذي يقود حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، في أكثر من مناسبة، أن الترخيص للمصارف الإسلامية من شأنه أن يرفع جاذبية بلاده للاستثمارات الخليجية في مختلف الأنشطة الاقتصادية، وليس مجال الصيرفة وحده، لكنه لم يكشف عن توقعاته بشأن حجم هذه الاستثمارات.
وأقر وزير الاقتصاد والمالية المغربي، محمد بوسعيد، في كلمة ببرلمان بلاده، يوم 22 مايو/أيار الماضي، بأن "تطوير آليات للتمويل الإسلامي يهدف إلى جذب مزيد من الفوائض المالية
في العالم، خصوصاً من دول الخليج"، قبل أن يشدد على أن هذا التوجه "استراتيجي" بالنسبة للمغرب، على حد تعبيره.
وفي حين سار بوسعيد على نهج بنكيران بتفادي إثارة أرقام بشأن الاستثمارات المتوقعة في هذا القطاع، توقعت "دار الصفاء"، فرع مصرف "التجاري وفابنك"، أحد أكبر مصارف المغرب، أن تجتذب الصيرفة الإسلامية استثمارات قادرة على تعبئة ادخار يناهز 90 مليار درهم مغربي، ما يعادل 10.14 مليارات دولار.
ويمثل هذا المبلغ نحو 9% من إجمالي الادخار في البلاد، وفق تقرير لـ"دار الصفاء"، التي تعتبر أول مؤسسة مختصة في التمويلات الإسلامية تحت اسم "التمويلات البديلة"، وانطلقت، بترخيص من المركزي المغربي، في خريف عام 2010.
كذلك اعترف وزير الاقتصاد والمالية المغربي، في مايو/أيار الماضي، بأن 57% من المغاربة فقط يتعاملون مع المصارف، ما يعني أن 43% عازفون عن الخدمات المصرفية التقليدية، وهو ما يرجعه الخبيران المغربيان في مجال التمويلات الإسلامية، عبد السلام بلاجي، وعمر الكتاني، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إلى رفض جزء كبير من المواطنين التعامل مع المصارف التقليدية.
وكشفت دراسة أنجزتها مؤسسة "الاستشارات المالية الإسلامية وخدمات الضمان"، مؤخراً، إلى أن 97% من المغاربة مهتمون بالتمويل الإسلامي، و9% منهم لا يفتحون حسابات مصرفية لاعتبارات دينية، و31% ينوون الانتقال من النظام المصرفي التقليدي إلى التمويل الإسلامي.
توجس
ونظراً لأخذ هذه النسب بعين الاعتبار، ضغطت المصارف التقليدية، بقوة، بحسب تقارير إعلامية محلية، لاعتماد تسمية "البنوك التشاركية" بدل المصارف الإسلامية، خوفاً من أن يتحول عنها زبائنها الحاليون وتتكبد خسائر كبيرة.
وقد عمل محافظ المركزي المغربي، عبد اللطيف الجواهري، طيلة العامين الأخيرين، على تهدئة هذه المخاوف عبر التأكيد على حرصه، بصفته المعني بتقنين وضبط القطاع المصرفي، على سلامته وعدم تعريضه للخطر، خصوصاً في ظل تداعيات أزمة منطقة اليورو على المغرب.
وفي الصيف الماضي أكد إدريس الأزمي الأدريسي، أن المصارف الإسلامية ستعامل على قدم المساواة مع نظيرتها التقليدية.
ورغم أن المندوبية السامية للتخطيط، المؤسسة الرسمية المكلفة بالإحصاء في المغرب، أكدت في مذكرة أصدرتها، يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن 87% من الأسر المغربية لن تكون قادرة على الادخار خلال الأشهر العشرة المقبلة، فإن حكومة بنكيران تعوّل على إقبال كبير من مواطنيها المقيمين بالخارج، خاصة في الدول الأوروبية، التي سبقت المغرب إلى الانفتاح على الصيرفة الإسلامية.
وبحسب بيانات رسمية، فقد بلغت تحويلات المغاربة المغتربين بنهاية أكتوبر/تشرين الأول المنصرم 49.8 مليار درهم (5.6 مليارات دولار)، أي بارتفاع بنسبة 0.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم تضرر الجالية المغربية في دول منطقة اليورو من الأزمة التي تضرب هذه المنطقة منذ ست سنوات.
ويرى خبراء أن المهاجرين المغاربة يتيحون أيضاً آفاقاً واسعة لنمو المصارف الإسلامية، خصوصاً في مجال تمويلات العقار. كما يعول المغرب على إحداث مركز مالي إقليمي في الدار البيضاء لإغراء المصارف، بما فيها الإسلامية، باتخاذ المغرب بوابة للاستثمار في أفريقيا، التي صار فيها للرباط حضور اقتصادي قوي عبر بعض المصارف وشركات الاتصالات.
اهتمام خليجي
ولاقى المغرب الذي مضى قدماً نحو الترخيص للمصارف الإسلامية، اهتماماً خاصاً من قبل المصارف الخليجية المتخصصة في هذا المجال، إذ زارت وفود من مصرفية خليجية الرباط، وأجروا مباحثات مع مسؤولين حكوميين، أبرزهم الوزير المكلف بالميزانية، إدريس الأزمي الإدريسي، القيادي بحزب بنكيران، حتى قبل الكشف عن مسودة القانون الذي يوشك أن يصبح ساري المفعول.
ورغم أن مصارف خليجية عبرت عن رغبتها في فتح فروع لها في المغرب بعد دراسة السوق على ضوء مضامين "القانون البنكي"، الذي ينظم أيضاً عملية إصدار الصكوك، فإن المغرب قرر في النهاية اشتراط الدخول في شراكة مع مصرف تقليدي مغربي لتنفيذ استثمارات في هذا المجال، وذلك في إطار مساعي تحصين النظام المصرفي المحلي من أي أزمة قد تنجم عن ضعف محتمل لتنافسية الخدمات التقليدية أمام نظيرتها الإسلامية، خصوصاً أنها ستتاح لأول مرة في البلاد.
وفي حين أعلنت مصارف مغربية أنها تبحث شراكات مع مصارف إسلامية خليجية، قال الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية، عبد الرحيم حسن نقي، مؤخراً، إن تكتلاً أوروبياً يحاول الاستئثار بالسوق المغربية ويعمل على الحيلولة دون مزيد من الاستثمارات الخليجية في هذا البلد، المقدرة حالياً بـ5 مليارات دولار.
ويرتقب أن يكون منتدى الاستثمار المغربي الخليجي، الذي يختتم مساء اليوم بالدار البيضاء، فرصة للمستثمرين الخليجيين لبحث الاستثمار في الصيرفة الإسلامية لبلورة شراكات مع المصارف المحلية، فبعد إقرار القانون، ينتظر الجميع المصرف الذي سيدخل التاريخ باعتباره الأول في المغرب.
وأقر وزير الاقتصاد والمالية المغربي، محمد بوسعيد، في كلمة ببرلمان بلاده، يوم 22 مايو/أيار الماضي، بأن "تطوير آليات للتمويل الإسلامي يهدف إلى جذب مزيد من الفوائض المالية
وفي حين سار بوسعيد على نهج بنكيران بتفادي إثارة أرقام بشأن الاستثمارات المتوقعة في هذا القطاع، توقعت "دار الصفاء"، فرع مصرف "التجاري وفابنك"، أحد أكبر مصارف المغرب، أن تجتذب الصيرفة الإسلامية استثمارات قادرة على تعبئة ادخار يناهز 90 مليار درهم مغربي، ما يعادل 10.14 مليارات دولار.
ويمثل هذا المبلغ نحو 9% من إجمالي الادخار في البلاد، وفق تقرير لـ"دار الصفاء"، التي تعتبر أول مؤسسة مختصة في التمويلات الإسلامية تحت اسم "التمويلات البديلة"، وانطلقت، بترخيص من المركزي المغربي، في خريف عام 2010.
كذلك اعترف وزير الاقتصاد والمالية المغربي، في مايو/أيار الماضي، بأن 57% من المغاربة فقط يتعاملون مع المصارف، ما يعني أن 43% عازفون عن الخدمات المصرفية التقليدية، وهو ما يرجعه الخبيران المغربيان في مجال التمويلات الإسلامية، عبد السلام بلاجي، وعمر الكتاني، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إلى رفض جزء كبير من المواطنين التعامل مع المصارف التقليدية.
وكشفت دراسة أنجزتها مؤسسة "الاستشارات المالية الإسلامية وخدمات الضمان"، مؤخراً، إلى أن 97% من المغاربة مهتمون بالتمويل الإسلامي، و9% منهم لا يفتحون حسابات مصرفية لاعتبارات دينية، و31% ينوون الانتقال من النظام المصرفي التقليدي إلى التمويل الإسلامي.
توجس
ونظراً لأخذ هذه النسب بعين الاعتبار، ضغطت المصارف التقليدية، بقوة، بحسب تقارير إعلامية محلية، لاعتماد تسمية "البنوك التشاركية" بدل المصارف الإسلامية، خوفاً من أن يتحول عنها زبائنها الحاليون وتتكبد خسائر كبيرة.
وقد عمل محافظ المركزي المغربي، عبد اللطيف الجواهري، طيلة العامين الأخيرين، على تهدئة هذه المخاوف عبر التأكيد على حرصه، بصفته المعني بتقنين وضبط القطاع المصرفي، على سلامته وعدم تعريضه للخطر، خصوصاً في ظل تداعيات أزمة منطقة اليورو على المغرب.
وفي الصيف الماضي أكد إدريس الأزمي الأدريسي، أن المصارف الإسلامية ستعامل على قدم المساواة مع نظيرتها التقليدية.
ورغم أن المندوبية السامية للتخطيط، المؤسسة الرسمية المكلفة بالإحصاء في المغرب، أكدت في مذكرة أصدرتها، يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن 87% من الأسر المغربية لن تكون قادرة على الادخار خلال الأشهر العشرة المقبلة، فإن حكومة بنكيران تعوّل على إقبال كبير من مواطنيها المقيمين بالخارج، خاصة في الدول الأوروبية، التي سبقت المغرب إلى الانفتاح على الصيرفة الإسلامية.
وبحسب بيانات رسمية، فقد بلغت تحويلات المغاربة المغتربين بنهاية أكتوبر/تشرين الأول المنصرم 49.8 مليار درهم (5.6 مليارات دولار)، أي بارتفاع بنسبة 0.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم تضرر الجالية المغربية في دول منطقة اليورو من الأزمة التي تضرب هذه المنطقة منذ ست سنوات.
ويرى خبراء أن المهاجرين المغاربة يتيحون أيضاً آفاقاً واسعة لنمو المصارف الإسلامية، خصوصاً في مجال تمويلات العقار. كما يعول المغرب على إحداث مركز مالي إقليمي في الدار البيضاء لإغراء المصارف، بما فيها الإسلامية، باتخاذ المغرب بوابة للاستثمار في أفريقيا، التي صار فيها للرباط حضور اقتصادي قوي عبر بعض المصارف وشركات الاتصالات.
اهتمام خليجي
ولاقى المغرب الذي مضى قدماً نحو الترخيص للمصارف الإسلامية، اهتماماً خاصاً من قبل المصارف الخليجية المتخصصة في هذا المجال، إذ زارت وفود من مصرفية خليجية الرباط، وأجروا مباحثات مع مسؤولين حكوميين، أبرزهم الوزير المكلف بالميزانية، إدريس الأزمي الإدريسي، القيادي بحزب بنكيران، حتى قبل الكشف عن مسودة القانون الذي يوشك أن يصبح ساري المفعول.
ورغم أن مصارف خليجية عبرت عن رغبتها في فتح فروع لها في المغرب بعد دراسة السوق على ضوء مضامين "القانون البنكي"، الذي ينظم أيضاً عملية إصدار الصكوك، فإن المغرب قرر في النهاية اشتراط الدخول في شراكة مع مصرف تقليدي مغربي لتنفيذ استثمارات في هذا المجال، وذلك في إطار مساعي تحصين النظام المصرفي المحلي من أي أزمة قد تنجم عن ضعف محتمل لتنافسية الخدمات التقليدية أمام نظيرتها الإسلامية، خصوصاً أنها ستتاح لأول مرة في البلاد.
وفي حين أعلنت مصارف مغربية أنها تبحث شراكات مع مصارف إسلامية خليجية، قال الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية، عبد الرحيم حسن نقي، مؤخراً، إن تكتلاً أوروبياً يحاول الاستئثار بالسوق المغربية ويعمل على الحيلولة دون مزيد من الاستثمارات الخليجية في هذا البلد، المقدرة حالياً بـ5 مليارات دولار.
ويرتقب أن يكون منتدى الاستثمار المغربي الخليجي، الذي يختتم مساء اليوم بالدار البيضاء، فرصة للمستثمرين الخليجيين لبحث الاستثمار في الصيرفة الإسلامية لبلورة شراكات مع المصارف المحلية، فبعد إقرار القانون، ينتظر الجميع المصرف الذي سيدخل التاريخ باعتباره الأول في المغرب.