وقال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف أنور بدر: "لا نستلم أي مبلغ من الدول المانحة رغم أننا نقدم للمجالس المحلية مما يحصل عليه الائتلاف من دعم، وموارد وحدة تنسيق الدعم من المساعدات المالية والعينية، ولا تستلم هي الأخرى أموالاً من المانحين".
وأضاف بدر لـ "العربي الجديد" أن الدول المانحة تعهدت خلال المؤتمر الثالث للمانحين، والذي استضافته الكويت، بتقديم 3.8 مليارات دولار، وتابع القول: "ينسب لمنظمة أوتشا التابعة للأمم المتحدة عدم التزام جميع الدول بتقديم ما تعهدت به أمام الكاميرات".
ولفت إلى ضرورة السعي لاسترجاع الأموال المنهوبة التي سرقها نظام الأسد، والتي قال إنها تزيد عن 30 مليار دولار كحد أدنى.
فقر رغم المليارات
وتساءل العامل في الشؤون الإغاثية بالداخل السوري، محمود عبد الرحمن، عن طرق إنفاق أموال الدول المانحة، وشكك خلال حديثه إلى "العربي الجديد" في تقديم الدول ما تعهدت به في المؤتمرات السباقة.
وأضاف: "جزء كبير من الأموال يصل إلى نظام بشار الأسد الذي يوزّعه على حواضنه وشبيحته، رغم أن المدن التي يسيطر عليها الأسد، وهي اللاذقية، وطرطوس، والسويداء ومدينة دمشق، قلما تتعرّض للقصف ولم تحاصر ويجوّع أهلها، في حين دام الحصار على مخيم اليرموك والغوطة أكثر من عامين، ويمارس نظام الأسد كل أشكال التجويع ويمنع وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية من الوصول للمناطق المحاصرة".
ويصل حجم المساعدات التي تعهدت بها الدول المشاركة في مؤتمر الكويت للمانحين الأول الذي استضافته الكويت في 30 يناير/كانون الثاني عام 2013 إلى مليار ونصف المليار دولار، والتعهدات من المانحين في المؤتمر الثاني الى 4. 2 مليار دولار، وتعهدت خلال المؤتمر الثالث 78 دولة وأكثر من 40 هيئة ومنظمة دولية، بتقديم 8. 3 مليارات دولار للشعب السوري.
وقدرت تقارير دولية نسبة الفقر في سورية بنحو 80% والبطالة بأكثر من 70% بعد أن توقفت معظم القطاعات الإنتاجية عن العمل والحكومة عن الإنفاق وتضخم الليرة وارتفاع الأسعار.
لغز حجم الأموال المنهوبة
لا يوجد رقم، ولو تقريبي، لحجم الأموال المنهوبة من سورية، خلال حكم الأسد الأب والابن، منذ عام 1970 وحتى بداية الثورة عام 2011، بل تذهب التقديرات من قبيل التخمين معظم الأحيان، وتقول تقارير غير رسمية إن ثروة "آل الأسد" في الخارج تراوح بين 35- 40 مليار دولار، عدا عن الأموال المنهوبة بأسماء مقربين ووهميين، والذين تقدر أموالهم في الخارج بنحو 16 مليار دولار، أو الأموال المسجلة بأسماء مقربة من الأسد، لترتفع قيمة ثروته إلى مبلغ 122 مليار دولار أميركي.
اقرأ أيضاً: بورصة دمشق تتحول إلى دكان للسرقة
وقال عضو اللجنة القانونية المكلفة بملاحقة الأموال المنهوبة، هشام مروة، لـ "العربي الجديد": "أصحح أولاً كلمة الأموال المهربة بدلاً عن المنهوبة، لأن بعضها ليس مأخوذاً بالعنف، لم نصل خلال عملنا بالمكتب القانوني إلى رقم محدد حول حجم الأموال التي هربها نظام الأسد الأب ومن ثم الابن، سواء بشكل مباشر عبر حسابات واستثمارات، أو عبر أسماء وشركات غير صحيحة ووهمية.. وجل الأموال المهربة تتركز في الولايات المتحدة الأميركية وبعض البلدان العربية وإيران وسويسرا وفرنسا وبريطانيا".
من جهته قال الباحث الاقتصادي، سمير سعيفان، لـ "العربي الجديد": "من الصعب تقدير حجم الأموال التي يملكها المسؤولون السوريون ومن يلوذ بهم، فالمال الفاسد يتم عادة خلسة، وإن موضوع ثروات الحكام واستعادتها أمر صعب للغاية، ففي القديم كان الحاكم الجديد الذي يفوز بالحكم حرباً يستولي بسهولة على الممتلكات المادية والنقدية للحاكم المهزوم؛ لأنها تكون في القصر، ويستولي على أملاكه من العقارات والأراضي بسهولة".
أما عما تم تجميده بعد العقوبات التي فرضت على النظام السوري عام 2012 وسبب عدم استردادها يقول رئيس تجمع المحامين الأحرار، غزوان قرنفل، لـ "العربي الجديد"، إن "متابعة الأموال المنهوبة مسألة معقدة جداً وليست بالسهولة التي ربما يتخيلها بعضهم".
وأضاف: "أول العثرات هي ندرة المعلومات المؤكدة والموثقة حول تلك الأموال وعدم وجود قاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها والركون لها كأدلة مادية، تصلح لبناء ملف مستوفٍ لشروطه القانونية، يكون قاعدة أساس لتلك المطالبة، فمن أصل 2.63 مليار دولار تم تجميدها ونصفها واردة من بلدان الربيع العربي لم يتم استرداد إلا 423 مليون دولار فقط على مستوى العالم كله".
صلاحيات المعارضة
لم تتخذ الدول الكبرى في "مجموعة الثماني" أو مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة أي إجراءات ضد النظام السوري ورموزه، سوى تجميد أصول بعضهم، من دون البدء بمحاولة استردادها، كما جرى في ملاحقة الأصول في دول الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا، كما لم يتم الاعتراف بالمعارضة السورية ممثلاً قانونياً للشعب السوري، ما زاد من تعقيد استرجاع الأموال السورية المنهوبة.
ويقول الأمين العام السابق للائتلاف السوري المعارض، نصر الحريري، لـ "العربي الجديد": "تعهد الائتلاف، منذ تأسيسه بالدوحة، باسترداد الأموال المنهوبة إضافة إلى ملاحقة مجرمي الحرب، إلى جانب تشكيل الحكومة ومؤسسة الأركان، وتلقينا وعودا دولية لاسترجاع بعض الأموال".
وتقدم المكتب القانوني بالائتلاف بالعديد من الكتب للمنظمات والدول المستضيفة لأموال النظام، ولكن لم يتم حتى الآن، سوى تجميد بعض الأموال، وليس تحصيلها وإعادتها للشعب السوري والمعارضة، على رغم اللوائح السوداء ومنع السفر والعقوبات التي أصدرتها دول الاتحاد الأوروبي بحق الكثيرين من رجال النظام السوري.
ويرى رئيس تجمّع المحامين الأحرار أن متابعة الأموال المنهوبة والتقصي عنها يحتاج أولاً إلى توفر الصفة القانونية للجهة التي تطالب بها، كما تتطلب أيضاً وجود كوادر قانونية ومصرفية على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة، للقيام بتلك المهمة، فضلاً عن تعاون دولي حقيقي في هذا الشأن، وهذا كله غير متوفر لنا.
ويعرض هشام مروة خلال حديثه إلى "العربي الجديد" ما قامت به اللجنة المكلفة بمتابعة استرداد الأموال المنهوبة، حيث يقول: "تشاورنا مع شركات محاماة محلية عن أماكن وجود الأموال ووصلنا لمسودة اتفاقات تعاقد.. ولكن لم نتوصل لاتفاقات تضمن استرجاع الأموال، وما زال هذا الملف ضمن عمل اللجان القانونية، إن بالائتلاف أو الحكومة المؤقتة، كما افتتحنا مكتباً خاصاً في بروكسل، لمتابعة ملفي ملاحقة المجرمين واسترداد الأموال المهربة، وتقدمنا بمذكرات لمحكمة الجنايات الدولية وبعض الدول لتبادل المعلومات وأسماء المتورطين".
وأضاف:" لا تملك المعارضة السورية الحق بطلب استرداد الأموال المنهوبة لأنها لا تملك الصفة التي تخولها ذلك.. فالاعتراف الذي حصل عليه الائتلاف ليس اعترافاً قانونياً به كممثل للشعب السوري وإنما ممثل سياسي له فحسب، وبالتالي فالائتلاف لا يملك الصفة القانونية التي تخوله مباشرة تلك المهمة الشائكة".
صعوبات استرجاع أموال السوريين
يقول الباحث سمير سعيفان، إنه ليس في مصلحة المؤسسات المالية الدولية تسهيل تنفيذ حكم استرداد الأموال المهربة، في حال تمت فرضية صدوره، مشيراً إلى أن تلك المؤسسات لا تريد أن تعترف بمثل هذا الحكم ضمناً.
وأضاف: "الأموال لديها وستبقى لديها مجمدة إلى أجل غير مسمى، وهناك أمثلة كثيرة، ومصارف سويسرا ومصارف دول كثيرة غيرها اليوم تغص بأموال حكام سابقين قتلوا أو ماتوا من دون أن يستطيعوا الانتفاع بها.. وبالتجربة فقد كان من الصعب على الحكومات الجديدة التي جاءت بعد سلطات مستبدة أن تسترد أية مبالغ من ممتلكاتهم".
ويرى نائب رئيس الائتلاف، هشام مروة، أنه وإضافة إلى صعوبة اعتراف الدول المستثمرة للأموال المنهوبة بها أو إرجاعها، فإن سورية غير مصادقة على اتفاقية روما المتعلقة بملاحقة المجرمين، وأضاف: "وجود بشار الأسد على رأس الحكم واستمرار الاعتراف القانوني بنظامه، يزيد من صعوبة استداد حقوق السوريين المسروقة".
وتابع قائلاً: "هذا لا يعني توقفنا في اللجنة القانونية عن ملاحقة الأموال المهربة، بل تابعنا عن كثب تجارب دول الربيع العربي ولاحظنا تبايناً من خلال المتابعة لمحاولات استرداد الأموال، ولاحظنا التعثر الذي يعود جله ربما للحكومات الجديدة أو للقوانين التي لا تلزم الدول المضيفة للأموال".
وختم رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار غزوان قرنفل، حديثه بالقول: "إن معظم تلك الأموال تدخل في دورة مالية معقدة ويتم غسيلها عبر شركات وهمية بأسماء لا صلة لها حقيقة بالأصحاب الفعليين لتلك الأموال.. كما أن المصارف الدولية غالباً ما تخفي المعلومات وتتحايل بشأنها بقصد الإبقاء على تلك الأموال في خزائنها واستثمارها، بل والتحفظ عليها إن اقتضى الأمر مستقبلاً".
اقرأ أيضاً: الأسد يغمر حاشيته بالثروات لضرب الثورة