اليوم، انفجار إرهابي في محيط الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة يودي بحياة مصريين أبرياء، وأمس تفجير استهدف دورية أمنية في الجيزة وأسفر عن مقتل ستة من ضباط وأفراد الشرطة، وفي نفس اليوم انفجار قنبلة زرعها مجهولون أثناء مرور سيارة شرطة بكفر الشيخ أسفرت عن مقتل مواطن وإصابة رجال الشرطة، وقبلها انفجار سيارة مفخخة تستهدف المستشار أحمد أبو الفتوح، وقبله حادث استهدف موكب النائب العام المساعد، وقائمة الانفجارات تطول.
حوادث إرهابية متواصلة شهدتها القاهرة وغيرها من المحافظات تعيد للذاكرة تفجيرات إجرامية مرّت بها البلاد في فترة التسعينيات من القرن الماضي أشهرها مذبحة الأقصر الشهير التي وقعت في نهاية العام 1998، وبعدها تفجيرات شرم الشيخ وطابا والقاهرة وعين شمس ودهب في الفترة من عام 2004 وحتى 2006.
وإذا كانت هناك تأثيرات سياسية وأمنية واجتماعية خطيرة لمثل هذه الجرائم، فإن لها أيضاً تأثيرات سلبية خطيرة على الاقتصاد وحياة المواطنين المعيشية، بل وتزيد المشهد الاقتصادي والمعيشي تعقيداً.
فهي من جهة تؤخر إعادة النشاط لقطاع السياحة المتهاوي الذي يعمل به نحو عشرة ملايين مصري ما بين عمالة مباشرة وغير مباشرة، وستعمق من جهة أخرى مشاكل القطاع المتفاقمة أصلاً، إذ سيكون لها تأثيرات خطيرة على حركة السياحة الوافدة للبلاد من خفض حجوزات الفنادق والمنتجعات السياحية وإلغاء رحلات طيران، خاصة أن جريمة اليوم مثلاً تأتي مع بداية الموسم الشتوي الذي تراهن عليه شركات السياحة والطيران والفنادق للحدّ من خسائرها الفادحة التي لحقت بها منذ سقوط الطائرة الروسية قبل أكثر من عام.
ومن جهة أخرى، تؤثّر مثل هذه الحوادث وبشدة على قدرة البلاد على جذب استثمارات خارجية والاستفادة من قرار تعويم الجنيه، إذ إن رأس المال جبان، بل إن زيادة هذه الجرائم داخل مجتمع ما تطرد الاستثمارات الأجنبية وتهدّد المحلية.
كما أن جرائم الارهاب تزيد المخاطر السياسية والاقتصادية داخل المجتمع، وبالتالي ترفع حالة الغموض وعدم اليقين السياسي، وتعيد أجواء ما قبل ثورة 25 يناير والتي شهدت حادثة كنيسة القديسيين الشهيرة، وهو ما يسبب رعباً للمستثمرين الدوليين الراغبين في ضخ أموال داخل البلاد وتدفعهم نحو تأجيل قرارهم الاستثماري.
المحصلة النهائية لمثل هذه الحوادث الاجرامية هي إرباك المشهد الاقتصادي للبلاد، وخلق اضطرابات في سوق الصرف، والتأثير سلباً على الموارد الدولارية خاصة من القطاعات الحساسة كالسياحة والاستثمارات الساخنة سواء في البورصة أو أدوات الدين الحكومية، وبالتالي استمرار أزمة الدولار التي ينجم عنها ارتفاعات متواصلة في الأسعار وهزة في مناخ الاستثمار.
وبغض النظر عن اسم القاتل وهدف الجهة التي تقف خلف التفجيرات الأخيرة فإن مثل هذه الحوادث تطرح سؤالاً حول مدى قدرة السلطات على توفير استقرار سياسي وأمني حقيقي لا مفتعل، استقرار يساعد في انتشال الاقتصاد من الأزمات المتلاحقة التي يعيشها طوال السنوات الثلاث الماضية، استقرار يوحد بين أبناء المجتمع ضد هدف واحد هو دحر الإرهاب الحقيقي وليس المفتعل، تقوية الدولة واقتصادها لا إضعافها.