فعلتها تركيا في عام 2012 وكررتها في عام 2015 لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد، وفعلتها مصر في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، وأخيراً فعلتها تونس، أول أمس الثلاثاء، فالدول الثلاث أبرمت اتفاقيات لتبادل عملاتها المحلية مع الصين.
وكان الملفت في هذه الاتفاقيات هو ضخامة الاتفاق المصري؛ حيث أعلن البنك المركزي الصيني (بنك الشعب) أنه وقّع اتفاقية ثنائية مع نظيره المصري بقيمة 18 مليار يوان (2.62 مليار دولار) لتبادل العملات لمدة 3 سنوات، وهذا الرقم يعادل قرضاً حصلت عليه مصر من الصين الشهر الماضي، في إطار خطة حكومية لجمع قروض ثنائية بقيمة 6 مليارات دولار لإتمام قرض صندوق النقد الدولي.
الاتفاق مفيد لجميع الأطراف، وإن كانت استفادة الصين منه أكبر، فالصين تعاني من الضغوط الشديدة والمتزايدة على عملتها المحلية اليوان، وفي المقابل تعاني الدول الثلاثة ( تركيا ومصر وتونس) من تراجع قيمة عملاتها الوطنية ومن ارتفاعات متواصلة في سعر الدولار بأسواقها المحلية، فالصين مثلا تعاني من تراجع حاد ومستمر في احتياطياتها الخارجية من النقد الأجنبي بسبب هروب المستثمرين الأجانب من أسواقها المحلية، تحسباً لحدوث فقاعة مالية تشبه الأزمة المالية العالمية في العام 2008، كما تعاني من تراجع حاد في صادراتها الخارجية، وضغوط شديدة على قطاعات العقارات والصناعة والبنوك والاستثمارات المباشرة.
ويكفي أن نقول إن احتياطيات الصين الأجنبية فقدت نحو 70 مليار دولار في شهر واحد هو نوفمبر الماضي، كما انخفضت بقيمة 45.7 مليار دولار في أكتوبر الماضي، ووصلت إلى أدنى مستوى منذ شهر مارس 2011.
ومن هنا، تسعى الصين جاهدة لدعم اليوان المتراجع أمام الدولار، عبر إبرام اتفاقيات مع الدول لتبادل العملات المحلية، واستبعاد الدولار من المعاملات التجارية.
وتبادل العملات هو أسلوب كان معروفا قبل سنوات طويلة، فمصر مثلا ابرمت اتفاق ثنائي في الستينيات من القرن الماضي مع الاتحاد السوفيتي السابق يقوم فيه البلدين بتسجيل قيم الاستيراد والتصدير والفرق يسدد لصالح أي منهما، وكان الاتفاق يهدف وقتها لتقليل الطلب على الدولار خاصة مع الظروف العسكرية التي كانت تمر بها مصر.
واتفاقيات تبادل العملات تعني ببساطة تبادل العملات المحلية بين بلدين واستخدامها في سداد جانب من العمليات التجارية والمالية، مما يترتب عليه تخفيف مخاطر أسعار الصرف بالنسبة للطرفين خاصة إذا كانت هذه الأسعار متقلبة.
لنفترض مثلا أن للصين دَيناً مستحقاً على مصر بالنقد الأجنبي، هنا يمكن سداد القرض المستحق بالعملة الصينية بدلاً من الدولار، كما يمكن للسفن الصينية العابرة ممر قناة السويس سداد الرسوم باليوان بدلا من العملات الرئيسية الأخرى وفي مقدمتها الدولار واليورو والجنيه الإسترليني.
وفي حالة مثل مصر وتونس تزداد أهمية اتفاقيات تبادل العملات مع الصين، خاصة أنها تخفف من الضغط على الدولار الذي يجري تخصيصه لسداد الديون الخارجية المستحقة للصين على البلدين والتي زادت خلال الفترة الماضية لتصل لنحو 5 مليارات دولار كما هو الحال مع مصر، كما يمكن سداد قيمة المنتجات والسلع الصينية التي يستوردها البلدان من الصين والتي تزيد قيمتها في حالة مصر عن 10 مليارات دولار سنويا.
لكن هل هناك تأثيرات لمثل هذه الاتفاقيات على الأسعار داخل الأسواق المصرية والتونسية؟
بالطبع لا، فهذه الاتفاقيات لا يمكن أن تؤدي إلى تراجع الأسعار داخل هذه الأسواق، بل يمكن أن تؤدي للعكس وهو زيادة أسعار المنتجات الصينية داخل الأسواق العربية مع ضخامة حجم الواردات من الصين، والزيادة المتوقعة في سعر اليوان أمام العملات المحلية مع زيادة الاقبال على حيازته والتعامل به.
كما ستكون لمثل هذه الاتفاقيات تأثيرات غير مباشرة من حيث تخفيف الضغط على الدولار، وبالتالي وقف قفزاته، وإن كان هناك احتمالات بحرمان دول مثل مصر وتونس من جزء من النقد الأجنبي الذي كانت الصين تدفعه مقابل سياحها ووارداتها من المنطقة.
بشكل عام الصين أكبر مستفيد من اتفاقيات تبادل العملات، لأن مثل هذه الاتفاقيات تدعم خطتها الرامية لتحويل عملتها اليوان إلى عملة دولية، خاصة بعد أن أصبحت ثاني أكبر العملات في تمويل التجارة الدولية، وخامس أكبر العملات في الدفع الدولي، وسابع أكبر العملات الاحتياطية لدى البنوك المركزية في العالم، كما تهدف أيضا إلى زيادة عدد الدول التي تمتلك حالياً أصولاً باليوان والبالغ عددها 38 دولة، وزيادة حجم تداول اليوان اليومي في سوق الصرف الأجنبية والذي زاد عن 202 مليار دولار، مقابل 120 مليار دولار قبل ثلاث سنوات.