توقّعت مصادر قضائية سعودية أن تحسم المحكمة الجزائية في مكة المكرمة، خلال الأشهر الستة المقبلة، قضية سقوط رافعة عملاقة تابعة لشركة بن لادن للإنشاءات على السور الداخلي للحرم المكي الشريف، خلال موسم حج 2015. وهو الحادث الذي أودى بحياة 107 أشخاص، وإصابة أكثر من 238 آخرين، من حجاج بيت الله الحرام.
وفي أغسطس الماضي، رفضت مجموعة بن لادن، أكبر شركة مقاولات في السعودية، تقريراً اتهمها بالتقصير والإهمال الجسيم في حادثة سقوط رافعة في الحرم خلال موسم الحج الماضي، واصفة هذا التقرير، الذي أنجزته شركة أرامكو والهيئة السعودية للمهندسين، بـ"المتعجّل وغير الدقيق".
وكان المجلس الأعلى للقضاء رفض، الأسبوع الماضي، اعتراضاً تقدم به فريق الدفاع بعدم اختصاص المحكمة الجزائية بالنظر في القضية، وأن الدعوى يجب أن تكون من اختصاص مجلس الدفاع المدني. وقرر المجلس استمرار الدائرة في نظر القضية، لكونها خطأ بشريا تسبب في إزهاق أرواح عدد من الأشخاص.
وحسب مصادر قضائية، ستواصل المحكمة، الأسبوع المقبل، جلساتها، التي ستشهد تسليم المدّعي العام مذكرة الرد الجوابية على الدفوعات التي قدمها المتهمون في الجلسات الماضية، ودفعوا فيها ببراءتهم، مشددين على أن ما حدث كان مجرد "قضاء الله وقدره"، وتمسكوا بموقفهم الرافض لتحميلهم مسؤولية الحادثة، معتبرين أن كل الإجراءات التي تم اتخاذها كانت مطابقة للأنظمة المتبعة، وأن الحادث "قضاء وقدر" بسبب الرياح القوية غير المسبوقة التي شهدها ذلك اليوم.
من جانب أخر، قالت مصادر قضائية إن المحكمة شددت على جميع المتهمين بعدم التغيّب عن الجلسات والاكتفاء بتوكيل محامين، مؤكدة أن أي غياب سيُقابل باتخاذ إجراءات صارمة، وسيتم إحضار المتهم المتغيب بالقوة الجبرية عن طريق الشرطة.
كما طلبت المحكمة مثول مسؤول بارز في إحدى الشركات العاملة في مشروع التوسعة (من الجنسية اللبنانية)، كان غادر السعودية بتأشيرة خروج وعودة بحجة العلاج، ولم يعد حتى الآن، في وقت قدم فيه اثنان من المتهمين طلباً عاجلاً للمحكمة لرفع اسميهما من قائمة الممنوعين من السفر، وقررت المحكمة الرد على الطلب خلال الجلسة المقبلة.
وكانت هيئة التحقيق والادعاء العام في مكة المكرمة أحالت، في يوليو الماضي، ملف قضية سقوط رافعة الحرم المكي، إلى المحكمة الجزائية، للنظر في التهم الموجهة لنحو 13 من مسؤولي الشركة، ومعاقبة المتهمين ممن تثبت إدانتهم.
ونقلت مصادر لـ"العربي الجديد" حينها أن المتهمين اعترفوا، خلال التحقيقات، بعدم وجود رخصة تشغيل للرافعة، وبضعف الإجراءات المتبعة في التعامل مع وسائل السلامة فيما يتعلق بتشغيل الرافعة.
وبيّنت التحقيقات أن العاملين في مقر الحادثة، لم يكن لديهم اطّلاع كاف على كتيب التشغيل، وبعضهم لم يطلعوا عليه.
ودقق فريق التحقيق في مئات الوثائق ذات العلاقة، واطلع على عقود الصيانة وإجراءات السلامة الخاصة بالمشروع، مع مراجعة المخاطبات والإيميلات بين المديرين والمشغلين للموقع.
كما كشف تحليل بيانات الصندوق الأسود للرافعة أن زاوية الرافعة وقت سقوطها كانت 87 درجة، وهو ما تسبب في سقوط الذراع الشبكي للرافعة على الجزء العلوي من المسجد الحرام، كما حدد سرعة الرياح على زاوية الذراع الرئيسي وسرعة الرياح القصوى المسموح بها، وآلية التعامل معها في اللحظات الأخيرة وقبل 24 ساعة من سقوطها. ووصفت البينات الرياح التي تعرضت لها الرافعة بالشديدة، بعد أن بلغت سرعتها 80 كلم في الساعة. كما حدد التقرير التدخلات البشرية التي تعرضت لها الرافعة خلال الـ24 ساعة التي سبقت سقوطها.
وتعاني مجموعة بن لادن السعودية من مشاكل مالية دفعتها إلى الاستغناء عن مئات العمال، وقالت مصادر مصرفية مطلعة، في مايو الماضي، إن المجموعة ستحصل على قرض قيمته 2.5 مليار ريال (667 مليون دولار) من بنكين في المملكة، لتخفيف ضغوطها المالية.
وأعلنت المجموعة، بداية أكتوبر الماضي، أن الحكومة السعودية حولت لها مبالغ متأخرة حتى تتمكن من دفع المستحقات المتأخرة لمن تبقّى من موظفيها.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن شخصين أن الحكومة السعودية دفعت لمجموعة بن لادن 1.9 مليار دولار، في سبتمبر/أيلول الماضي، لتغطية الأجور المستحقة للموظفين.