رفعت الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة تعرفة خدمة النقل بالمترو، القرار سمته الحكومة في بيانها الرسمي "تحريك الأسعار" وحاولت تبريره بحسابات مغلوطة.
وكما أن للحكومة حسابات لا تأخذ في الاعتبار المواطنين وضرورات التنمية والعدالة الاجتماعية، فإن للمواطنين حسابات تخص معاناتهم، وكيفية الموازنة بين أجورهم وتكلفة الخدمات.
ما بين حسابات دولة الجباية التي ترفع الأسعار بشكل متواتر، وحسابات المواطنين، خاصة الفقراء منهم، يمكننا أن نطرح عددا من النقاط المتعلقة بهذا القرار، وآثاره اقتصادياً واجتماعياً على مستخدمي المترو، وأيضا على حركة التنقل وزيادة معدلات التضخم بشكل عام.
في البداية لا بد من التذكير أن القرار يأتي استكمالا لسلسلة قرارات رفع أسعار الخدمات والسلع، تلك الإجراءات التي تعتبر ركناً أساسياً في خطة الإصلاح الاقتصادي التي ستستمر حتى 2020، وتتضمن مستقبلا زيادات أخرى.
وتهدف خطتهم "الإصلاحية" بشكل أساسي إلى خفض الإنفاق الحكومي، وزيادة الموارد، كطريقة لمعالجة خلل الموازنة العامة، وإن لم يكن قرار الزيادة الأخير ضمن شروط قرض صندوق النقد الدولي بشكل مباشر، فإنه ينتمي إلى نفس الحلول الجبائية والتقشفية، والتي يتحملها الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى دون غيرهم من الأثرياء من شرائح الطبقة العليا.
اقتصادياً، اتُخذ القرار بحسابات حكومية أقرب إلى التبرير والخداع، وبمنطق التاجر لا الدولة، حيث كررت الحكومة خطابها بأن هيئة مترو الأنفاق خاسرة، وتحتاج لتطوير لكي تستمر، ورأت أن رفع سعر الخدمة هو الحل الوحيد، وبهذا الخطاب الذي يعتبر مرفق المترو شركة نقل خاصة، تتخلى الحكومة عملياً عن دور الشركة في خدمة النقل ضمن دور الدولة ككل في توفير الخدمات بأسعار تناسب أجور المواطنين.
كما تتناسى الحكومة أن المواطنين هم من يمولون الموازنة العامة عبر الضرائب التي تمثل نسبة 75% من الموازنة، وأن مهمة هذه الضرائب الأساسية تتمثل في توفير الخدمات والسلع، وفرص العمل.
حسابياً، أعلنت الحكومة أرقاماً متضاربة حول خسائر المترو، وأغلب الظن أنها ليست نتاج دراسة حقيقية تحلل أسباب الخسائر، وتقدرها كمياً بشكل منضبط، وتحلل أسبابها، وتضع حلولاً لمعضلة تطوير مرفق هيئة المترو واستمراره، أضف إلى ذلك أن رفع الأسعار كضرورة للتطوير تكذبه تجارب سابقة لرفع أسعار الخدمات والتي بقيت كما هي دون تغيير، ومنها رفع أسعار خدمة نقل هيئة السكة الحديد والنقل العام ومترو الأنفاق خلال عام مضى.
مغالطات وانحياز
تدعي الحكومة أنها حرصت على عدم الإضرار بالطلاب والعمال وكبار السن وذوى الاحتياجات من قرار رفع الأسعار، عبر طرح اشتراكات مخفضة، إلا أن هذه الاشتراكات "المخفضة" لا تلغي زيادات تعرفة النقل، كما أنه في حالة تخطي عدد الرحلات سيكون المشترك خارج إطار "التخفيض"، وفى كل الأحوال فإن تعرفة الخدمة حال وجود اشتراك تتراوح ما بين 2.30 و 3.30 جنيهات.
أضف إلى ذلك أن تصريحات وزارة النقل حول تكلفة الخدمة تتجاوز 12 جنيهاً تدفع إلى القلق من تكرار ارتفاع الأسعار، خاصة أن وزير النقل أعلن أن المترو يُدعم بـ1.2 مليار جنيه سنويا قبل زيادة الأسعار، وبشّرنا بخفض الدعم إلى 60%.
ولم يسأل الوزير الأستاذ الأكاديمي المجتهد نفسه حين تولى منصباً وزارياً، هل دعم خدمة المترو الذي يعتمد عليه 3% من السكان، وله أهمية قصوى في تسيير حركة النقل لا يستحق هذا الدعم، وهل قارن الوزير دعم المترو بما يتلقاه 1500 رجل أعمال من المصدرين في الموازنة الجديدة، والذي وصل إلى 5 مليارات جنيه، أم أن دعم رجال الأعمال واجب وطني، ودعم خدمة النقل من الجرائم ودليل على الخلل الاقتصادي؟
هل فكر الوزير وغيره من وزراء المجموعة الاقتصادية في تطبيق ضريبة الأرباح على البورصة، أم أن الضرائب على "رفاق البورصة" لا تجوز بحكم الانتماء الطبقي الواحد، ووحدة المصالح.
ونزيد على السؤالين السابقين سؤالين آخرين: هل خسائر المترو ترتبط بسعر الخدمة وحسب، وهل ارتفاع تكلفة الصيانة والتجديد يرتبط أيضا بسعر تعرفة النقل؟
تأثير القرار على العمالة بأجر
يعد العاملون بأجور ثابتة أبرز الفئات المتضررة، فأجورهم لم ترتفع منذ أربع سنوات رغم ارتفاع معدلات التضخم إلى 35% في يوليو 2017.
وإذ أخذنا في الاعتبار أن أغلب العاملين تتراوح أجورهم ما بين 1200 جنيه إلى 5 آلاف جنيه، سنجد أن الزيادات الأخيرة سوف تخصم من الأجور بنسب ما بين 10% إلى 30% خاصة أولئك الذين يستخدمون أكثر من وسيلة موصلات للانتقال إلى أعمالهم، والذين يسكنون في أماكن بعيدة.
ويزداد الأمر قسوة إذا كان العاملون بأجر من سكان الأطراف، أولئك الذين يستخدمون أكثر من أربع وسائل موصلات يوميا في الذهاب والعودة.
ولنأخذ مثالاَ عملياَ للقياس إذا اعتبرنا أن هناك عاملاَ بأحد مصانع حلوان "جنوب القاهرة" يسكن بالقرب من المرج شرق العاصمة، أو أن هناك عاملة تسكن بعزبة النخل بعين شمس وتعمل في إحدى مناطق الجيزة، كم سيتكلف/ تتكلف في الطريق إلى العمل؟
بالطبع هذه الحسابات لا يعرفها متخذو القرار، وربما لا يعرفون أين تقع مناطق ككفر طهرمس وصفط اللبن في الجيزة، أو كيف ينتقل عمال من مناطق القليوبية وشبرا الخيمة شمال القاهرة لأعمالهم على أطراف العاصمة.
سكان الأطراف
أعلن وزير النقل أن 60% من مستخدمي المترو، يستقلون أقل من 9 محطات وهى الشريحة الأقل في التكلفة، والتي زادت من 2 جنيه إلى 3 جنيهات، إلا أنه وعبر مشاهدات ميدانية ستجد أن أكثر الفئات استخداما للمترو هم سكان المناطق البعيدة، والذين ليس لديهم خيار آخر في التنقل.
دعنا نفرض صدق هذه التصريحات، سنجد أن ما يقارب 1.5 مليون مواطن سيتحملون تكلفة زيادة تعريفة المترو من 4 جنيهات إلى 14 جنيه يومياً ذهاباً وعودة، لا لشيء إلا لأنهم ولدوا فقراء وما زالوا فقراء، واختاروا هم وعائلتهم السكن في مناطق بعيدة لأنها أقل نسبيا في تكلفة السكن والمعيشة.
يزداد الأمر صعوبة بالنسبة للعمالة غير المنتظمة من أصحاب المهن والحرفيين، يسكن أغلبهم في مناطق الأطراف، مما يعنى أنهم ضمن الفئة الأكثر تضررا من قرار زيادة الأسعار، وتزداد معاناة أغلبهم في ظل عدم وجود أجر ثابت لديهم.
دعنا نعطي مثلا عمليا على التأثيرات الاجتماعية المترتبة على صعوبة التنقل، ماذا لو كان أحد أسر هذه المناطق لديها ثلاثة أبناء يذهبون للجامعات، تصور ما تتطلبه أسرة من ميزانية لتنقل أبنائها.
تخيل أيضا إذ حدث وقررت أسرة أن تزور أقارب لها في منطقة تتجاوز 15 محطة مترو، كم ستكون تكلفة هذه الزيارة العائلية، ماذا سيحدث عندما يلجا الناس إلى زيادة بند تكلفة الموصلات من أي البنود سوف يقتصد أصحاب الدخول المتواضعة.