ضع أمامك خريطة المنطقة العربية في العام 2021، وتوقع سيناريوهات لهذه السنة التي ربما لا تقل أهميتها عن العام الجاري 2020 الذي شهد أحداثا جسيمة منها تفشي كورونا والإفلاس والتعثر المالي والاقتصادي، ماذا ترى بالضبط؟
الملمح الأساسي الذي قد تراه في العام 2021 هو حالة الغموض الشديد وعدم اليقين التي قد ترافقها وستسيطر على كل شيء، بما فيها المشهد السياسي والاقتصادي والصحي.
فلا خارطة واضحة لدى الحكومات العربية للتعامل مع تبعات كورونا الاقتصادية، ولا خطط حكومية قصيرة الأجل لتحسين مستوى المواطن والخدمات الصحية والتعليمية وتوفر فرص العمل.
ولا خطط متوسطة وطويلة الأجل تخرج الشعوب من أتون الفقر والذل والبطالة والغلاء والفساد والرشوة والمحسوبية والقهر المعيشي، ولا حتى خطط بالتوقف عن زيادة الضرائب والرسوم ورفع أسعار السلع الرئيسية وخفض الدعم وإغراق الأجيال المقبلة في بحار من الديون.
وبسبب حالة الغموض تلك قد ترى أنت الصورة قاتمة السواد في 2021، حيث تتوقع زيادات في رغيف أسعار الخبز والوقود والكهرباء والمياه والنقل والدروس الخصوصية، وخفضاً للرواتب والدخول، وتراجع فرص العمل المتاحة، وزيادة الفقر المدقع.
وقد يراها غيرك سنة قمة في التفاؤل، إذ ستنطلق الاقتصادات والأسواق والمشروعات وحركة الأموال والاستثمارات وتفتح المطارات والحدود بعد نشر لقاح كورونا وطيّ صفحة 2020 الصعبة، وبالتالي سيشهد هذا العام خلق فرص عمل، ورفع الرواتب والأجور، وزيادة الإيرادات العامة، وهو ما يمكّن الحكومات من التوسع في الإنفاق على الخدمات العامة بما فيها الصحة والتعليم والأجور ومكافحة الفقر.
في المقابل، قد يتوقع البعض حدوث مزيد من التدهور الاقتصادي والمالي في المنطقة خلال العام الجديد يصاحبه توقف دول عربية عن سداد أعباء الديون ورواتب موظفيها.
وقد يتوقع غيرك بداية انفراجة للأزمات المعيشية القائمة والطاحنة منذ سنوات، في حين يتوقع فريق ثالث اندلاع ثورات شعبية كبرى بما فيها ثورات جياع، وأن تشهد المنطقة إصلاحات سياسية خلال الفترة المقبلة وتراجع حدة الثورات المضادة بدعم من إدارة جو بايدن، وأن أنظمة ستختفي، وأن الشعوب هي التي تنتصر في النهاية.
في كل الأحوال، نحن أمام مشهد عربي غامض وملتبس في العام الجديد، ولذا تظل كل السيناريوهات مطروحة.
فهناك سيناريو يميل إلى بقاء الأمور على ما هي عليه، من استمرار الحروب الأهلية في بلدان عربية عدة منها سورية واليمن وليبيا، وقد تتسع دائرة الحروب في المنطقة.
يصاحب تلك الحروب تزايد الأزمات الاقتصادية في دول عربية أخرى منها مصر والسودان وتونس والجزائر والعراق والمغرب والأردن، واعتماد أكبر من قبل الأنظمة الحاكمة على الاقتراض الخارجي، واتساع رقعة الأزمات المالية التي تمر بها دول الخليج، خاصة مع تراجع أسعار النفط بسبب قلة الطلب وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة المولدة من الغاز وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وهناك سيناريو يتوقع تسارع وتيرة التطبيع مع دولة الاحتلال لتشمل دولاً أخرى، خليجية وغيرها، وبالتالي ربط اقتصاديات دول المنطقة بالاقتصاد الإسرائيلي، وانتشار السلع والمنتجات الإسرائيلية في معظم أسواق المنطقة، ومعها انتشار موجة التطبيع الاقتصادي والتجاري والسياحي، وتراجع المقاطعة الشعبية لمنتجات وسلع دولة الاحتلال.
وهناك سيناريو هو أن تشهد المنطقة موجة جديدة من الثورات الشعبية التي قد تغير خريطة المنطقة بالكامل كما حدث في العام 2011، وهذه الثورات ستكون مدفوعة هذه المرة من تردي الوضع المعيشي لمعظم الشعوب العربية، وانتشار البطالة والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، والفساد المالي، وسيطرة عدد محدود على ثروة الدول، وتقييد الحريات والاعتقالات والاعدامات والاختفاء القسري، وهي نفس الأسباب التي أدت إلى اندلاع الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي في نهاية العام 2010.