رفع لاجئون من الروهينغا من ميانمار دعوى قضائية على "ميتا" الشركة الأم لـ"فيسبوك" مطالبين إياها بـ150 مليار دولار أميركي، على خلفية مزاعم تتهمها بتجاهل خطاب الكراهية بحق هذه الأقلية المسلمة الذي أجّج العنف ضدهم.
الدعوى القضائية رُفعت في ولاية كاليفورنيا الأميركية الاثنين، وتحاجج بأنّ فشل "فيسبوك" في الإشراف على المحتوى والتصميم الذي تعتمده لمنصتها ساهما في العنف الذي يواجهه مجتمع الروهينغا على أرض الواقع. وفي إجراء منسق، قدّم محامون بريطانيون أيضاً خطاب إشعار إلى مكتب "فيسبوك" في لندن، وفقاً لما نقلته وكالة "رويترز" الثلاثاء.
وجاء في الدعوى القضائية أنّ "فيسبوك" على استعداد "لتبادل أرواح الروهينغا باختراق أفضل للسوق في بلد صغير جنوب شرقي آسيا". وأضافت: "في النهاية، كان هناك القليل جداً لتكسبه فيسبوك من وجودها في ميانمار، والعواقب على شعب الروهينغا لا يمكن أن تكون أشد خطورة وإيلاماً. ومع ذلك، ورغم معرفتها بما يحصل وامتلاكها الأدوات اللازمة لإيقافه، استمرت ببساطة في المضي قدماً"، وفقاً لصحيفة "ذا غارديان".
أما المحامون الذين قدموا الرسالة إلى مكتب "فيسبوك" في لندن الاثنين، فأكدوا أنّ عملاءهم وأفراد أسرهم تعرضوا لأعمال "عنف خطير، و/أو قتل، و/أو انتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان" كجزء من حملة إبادة جماعية نفذها النظام الحاكم والمتطرفون المدنيون في ميانمار. وأضافوا أن منصة التواصل، التي دُشنت في ميانمار عام 2011 ولاقت رواجاً واسعاً وسريعاً، ساهمت في هذه الحملة.
يتوقع المحامون رفع دعوى العام المقبل أمام المحكمة العليا حيث سيمثلون أفراداً من الروهينغا في المملكة المتحدة واللاجئين في المخيمات في بنغلاديش.
يطالب اللاجئون من الروهينغا بتعويضات من "فيسبوك" قيمتها 150 مليار دولار أميركي
لم يعلّق عملاق التواصل على الدعوى القضائية إلى الآن. لكنّ "فيسبوك" أقرت بـ"بطئها الشديد في منع التضليل والكراهية" في ميانمار، عام 2018. وأكدت أنّها اتخذت منذ ذلك الحين خطوات لقمع انتهاكات المنصات في المنطقة، بما في ذلك حظر جيش ميانمار من موقعي "فيسبوك" و"إنستغرام" بعد انقلاب الأول من فبراير/شباط الماضي. أوضحت الشركة حينها أنّ "الأحداث منذ انقلاب الأول من فبراير/شباط، ومنها العنف الدامي، عجلت بضرورة هذا الحظر... نعتقد بأن أخطار السماح لتاتماداو (جيش ميانمار) باستخدام فيسبوك وإنستغرام كبيرة للغاية".
أشارت "فيسبوك" سابقاً إلى أنّها محمية من المسؤولية عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون، بموجب قانون الإنترنت الأميركي المعروف بالقسم 230 الذي ينص على أنّ المنصات الرقمية ليست مسؤولة عن المحتوى المنشور من قبل أطراف ثالثة. لكنّ الشكوى القضائية الجديدة أشارت إلى أنّها تسعى لتطبيق قانون ميانمار على الدعاوى إذا رُفع القسم 230 كدفاع.
على الرغم من أنّه يمكن للمحاكم الأميركية تطبيق القانون الأجنبي على القضايا التي حدثت فيها أضرار ونشاط مزعوم من قبل الشركات في بلدان أخرى، قال خبيران قانونيان، لـ"رويترز" إنّهما لا يعلمان بسابقة ناجحة لاستدعاء القانون الأجنبي في الدعاوى القضائية ضد شركات التواصل التي يمكن فيها تطبيق إجراءات الحماية بموجب القسم 230.
عام 2018، اتهم محققو الأمم المتحدة موقع "فيسبوك" بأن له "دوراً مهماً" في إثارة الكراهية ضد المسلمين من الروهينغا في ميانمار
فرّ أكثر من 730 ألفاً من مسلمي الروهينغا من ولاية راخين في ميانمار، في أغسطس / آب عام 2017، بعد حملة عسكرية قال اللاجئون إنها شملت القتل الجماعي والاغتصاب. وثقت جماعات حقوقية قتل المدنيين وحرق القرى. واستولى الجيش على السلطة في فبراير/شباط الماضي، بعدما زعم حدوث تزوير في انتخابات الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020 التي اكتسحها "حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" بزعامة أونغ سان سو تشي.
عام 2018، اتهم محققو الأمم المتحدة موقع "فيسبوك" بأن له "دوراً مهماً" في إثارة الكراهية ضد المسلمين من الروهينغا في ميانمار. وقال أحد أفراد فريق التحقيق الذي بحث احتمال حدوث أعمال إبادة جماعية إن الموقع "تحول إلى وحش".
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتهمت مهندسة البرمجيات فرانسيس هاوغين "فيسبوك"بـ"المساهمة في تأجيج العنف في ميانمار". واستندت هاوغين في شهادتها إلى مجموعة أبحاث خاصة أجرتها على طبيعة سياسات منصة "فيسبوك"، قبل استقالتها من الشركة في مايو/ أيار الماضي. خلصت هاوغين إلى أن "فيسبوك" يضخم الكراهية والمعلومات المضللة والاضطرابات السياسية، مشيرة إلى أن الشركة "تخفي الكثير من ما توصلت إليه هذه الأبحاث". وقالت في شهادة لها خلال جلسة استماع في الكونغرس: "أخاف من السلوكيات المثيرة للانقسام والمتطرفة... ما رأيناه في ميانمار هو الفصول الافتتاحية لقصة مرعبة لدرجة أنّ لا أحد يريد أن يقرأ نهايتها". وأشارت هاوغين إلى أنّ الشركة "تكذب على جمهورها بشأن إحراز تقدم كبير ضد الكراهية والعنف والمعلومات المضللة"، لافتة إلى "استخدام الجيش في ميانمار عام 2018 فيسبوك لشن حملة إبادة جماعية ضد الروهينغا".
فرانسيس هاوغين: استخدم جيش ميانمار عام 2018 "فيسبوك" لشن حملة إبادة جماعية ضد الروهينغا
وفي هذا الشأن، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أنّ "عناصر جيش ميانمار كانوا يغمرون فيسبوك بكراهيتهم، وحوّلوا الموقع إلى أداة للتطهير العرقي على مدى 5 سنوات". ونقلت الصحيفة آنذاك عن مسؤولين سابقين في جيش ميانمار ومدنيين وباحثين ــ لم تسمهم ــ قولهم إنّ "عناصر جيش ميانمار كانوا ناشطين رئيسيين في حملة ممنهجة على فيسبوك استهدفت أقلية الروهينغا المسلمة في البلاد". وأوضحت المصادر أن "عناصر الجيش حاولوا الظهور على الموقع كمستخدمين عاديين لخدماته، لكنهم في المقابل كانوا يروجون لقصص كاذبة، بينها اعتبار الإسلام تهديداً للبوذية، واغتصاب رجل مسلم لامرأة بوذية". كما أشارت المصادر إلى أنّ العسكريين "كلفوا أيضاً بجمع معلومات استخبارية عن الحسابات الشعبية، وانتقاد المنشورات غير المواتية للجيش".
ووفق الصحيفة نفسها، استمرت هذه الحملة حتى دانت منظمات حقوقية دولية الدعاية المناهضة للروهينغا التي أدت إلى "التحريض على القتل، والاغتصاب والقيام بأكبر نزوح بشري قسري في التاريخ الحديث".
وأشارت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في سبتمبر/ أيلول عام 2018، إلى تزايد المنشورات المناهضة للروهينغا على المنصة الاجتماعية، وتحول الأوضاع في ميانمار، بسبب "فيسبوك"، إلى "فوضى عارمة". ونقلت الصحيفة البريطانية عن خبراء قولهم: "لا نعرف كيف ينام (مارك) زوكربيرغ (مؤسس فيسبوك) وزملاؤه ليلاً بعد ظهور أدلة على تزايد المشاركات التي تحرض على العنف على موقعهم".
وفي 4 فبراير/شباط الماضي، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنّه عندما استولى جيش ميانمار على السلطة في انقلاب عسكري، شاهد الكثير من المواطنين أحداث الانقلاب في وقت وقوعها الفعلي على "فيسبوك"، باعتباره المصدر الأول للأخبار والمعلومات في البلاد. ومنذ ذلك الحين، استنتج الحقوقيون التابعون للأمم المتحدة أنّ خطاب الكراهية على "فيسبوك" لعب "دوراً رئيسياً" في "إثارة العنف" في ميانمار.
كما نقلت "بي بي سي" عن رين فوغيماتسو، من مركز "بروغريسيف فويس" للأبحاث، قوله إنّ موقع "فيسبوك" كان "متواطئاً في إبادة جماعية". وأضاف لـ"بي بي سي": "كانت هناك بالفعل إشارات ودعوات قوية لفيسبوك للتعامل مع التحريض على العنف على المنصة، لكنّ عدم تحركهم (مسؤولو فيسبوك) ساهم حقاً في تأجيج العنف في ميانمار".