أسّس المسرحيون الأردنيون فضاءً جديداً لهم في محاولة لإعادة صلة الوصل بينهم وبين الجمهور عبر "مهرجان مسرح الرحالة لفنون الفضاءات المفتوحة"، والذي انطلقت دورته الأولى مساء أمس الثلاثاء في حديقة المتحف الوطني للفنون الجميلة، بالعاصمة الأردنية عمّان، بمشاركة تسع دول عربية تقدّم عروضها في الساحات والحدائق العامة، وتستمر الفعاليات حتى مساء بعد غد الجمعة.
وقال رئيس فرقة الرحالة المخرج حكيم حرب، في حفل افتتاح المهرجان، الذي رعته وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار، وحضره مسرحيون عرب يمثلون دول فلسطين والعراق والجزائر والمغرب وسورية ومصر ولبنان، إنّ دورة المهرجان الأولى تعزز الفكرة التي انطلق منها "مسرح الرحالة" قبل ثلاثين عاماً بالنزول إلى الشارع وملاقاة الجمهور أينما كان، لتحقيق فكرة الإمتاع من العرض المسرحي، ولكسر عزلة المسرح وخوف الناس منه.
وأضاف: "قرّرنا مجدداً أن نذهب بمسرحنا حيث يكون الجمهور في الساحات والحدائق العامة، إيماناً منّا بأنّ مسرحاً بلا جمهور عبارة عن رقص في العتمة".
وقال حرب، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنّ هذه الدورة من المهرجان أهديت إلى المخرج الراحل حسين نافع، تقديراً لإسهاماته الكبيرة في توطين المسرح وجذب الناس إليه. وأشار إلى أنّها تجمع مسرحيين عرباً يؤمنون بفكرة النزول إلى الشارع لمقابلة الجمهور حيث يوجد، وأضاف: "قررنا قبل افتتاح العروض إقامة مسيرة كرنفالية سيراً على الأقدام بمشاركة المسرحيين العرب، انطلقت من ساحة دوار باريس في منطقة اللويبدة، مروراً بمبنى نقابة الفنانين ووصولاً إلى حديقة المتحف الوطني، بهدف لفت انتباه الناس إلى مهرجاننا المسرحي، ودعوتهم إلى حضور العروض المسرحية بالمجان، وذلك في سبيل السعي لجذبهم إلى مشروعنا الفني".
وتقدّم خلال أيام المهرجان الأربعة مسرحيات "دوري مي" من فلسطين، و"بيت الطيب" من مصر، و"ميت مات" من العراق، و"السندبادة" من الأردن، و"قطار الباقورة" من الأردن، و"الليلة" من المغرب، و"الجار" من الجزائر، و"أهل الهوى" من مصر.
كذلك يعقد المهرجان ندوة فكرية وورشة عمل تطبيقية بعنوان "جماليات المكان المسرحي البديل"، يشارك فيها الناقد المسرحي اللبناني عبيدو باشا، والمخرج السوري عجاج سليم، والفنان الفلسطيني كامل الباشا، والمخرج العراقي كاظم نصار، والمخرج الأردني مخلد الزيودي، والمخرج المصري عمرو قابيل، والمخرجة الأردنية نجوى قندقجي، والناقد الأردني يحيى البشتاوي.
ويمنح المهرجان في حفل الختام، يوم الجمعة المقبل، جوائز في التمثيل والإخراج والسينوغرافيا والعرض المتكامل، وقال حرب: "نهدف إلى تكريم العروض الفائزة، بهدف إيجاد حالة من التحفيز نحو المزيد من الإبداع، واكتشاف حلول إخراجية وتصاميم سينوغرافية ووسائل تعبير أدائية، تستثمر الفضاءات المفتوحة والبديلة وتعمل على توظيفها مسرحياً بشكل فلسفي وجمالي، يخدم الحالة الدرامية بشكل مبتكر وخلّاق، بعيداً عن النمطية والتقليد والتكرار، وبحثاً عن أشكال وأماكن عروض مسرحية جديدة، تكون نابعة من بيئتنا وتاريخنا وتراثنا وأماكن سهرنا وسمرنا".
وتلا حفل الافتتاح عرض مسرحية "سالومي" من تأليف وإخراج وبطولة المخرج حكيم حرب، ويشاركه في البطولة كلّ من: عبير عيسى، جميل براهمة، شام الدبس، محمد كيمو ومحمد عيسى وآخرون. وتستعرض المسرحية محطات من تاريخ الأردن زمن الحارث الرابع ملك الأنباط في مملكة بترا، وكان نصّها قد حصل على جائزة في مسابقة مئوية الدولة الأردنية التي أطلقتها وزارة الثقافة.
وتتناول "سالومي" حكاية حدثت على أرض الأردن قبل ألفي عام، وتحديداً في قلعة مكاور، حين قُطع رأس يوحنا المعمدان (النبي يحيى بن زكريا في الرواية الإسلامية)، مقابل رقصة قدّمتها راقصة يهودية تسمّى سالومي أمام الملك هيرودس.
وأعاد المخرج حرب إنتاج الرواية التاريخية عبر إسقاطها على اللحظة الراهنة، معتبراً أنّ التاريخ ما زال يعيد نفسه، وذلك بتقديم العمل ضمن شكل ورؤية معاصرين، بهدف خلق قناعة بأنّ الخطر ما زال حاضراً، وهي قضية تنتقل من جيل إلى جيل.
يوظّف العمل المسرحي أغاني وطنية حديثة تؤكّد صمود أصحاب المكان بمواجهة أعدائهم في الماضي والحاضر، إلى جانب اللوحات الاستعراضية، ومن بينها لوحة دخول الملك الحارث الرابع إلى منصة العرض على ظهر الفرس، ضمن أداء غنائي راقص بمجاميع كثيرة.
وكرّم المهرجان كتاباً ومخرجين وفنانين مسرحيين أردنيين، أدّوا دوراً كبيراً في تأسيس مداميك المسرح الأردني منذ سبعينيات القرن الماضي، وهم: وزيرة الثقافة السابقة بسمة النسور، والمخرج حاتم السيد، والفنانة عبير عيسى، والمخرج باسم دلقموني، والمخرج نبيل نجم، والفنان سهيل إلياس.