يبتعد استاد لوسيل عن بيتي 20 دقيقة سيراً على الأقدام؛ فسرتُ، مرتدياً قميص المنتخب البرازيلي. أمشي، وأحاول أن أتخيّل كل ما سيحصل في مواجهة منتخب صربيا. أمشي، وأفكّر في الروائي البرازيلي خورخي آمادو، والمخرج الصربي أمير كوستوريتسا: كلاهما يساري، وكلاهما يحبّ كرة القدم.
كان آمادو صديقاً شخصياً لبيليه، ولم يتوانَ عن القول، لصحافي أرجنتيني أجرى معه حواراً، إن بيليه أفضل من مارادونا. لكن، لكوستوريتسا رأي مخالف لآمادو؛ إذ أنجز فيلماً وثائقياً كرنفالياً عن مارادونا، وكان صديقاً له.
أمشي إلى الملعب، وأفكّر في سيناريو المباراة، مستعيداً مواجهة المنتخبين في نهائيات كأس العالم 2018. فازت البرازيل بهدفين لهدف. كان فوزاً صعباً. هل سنفوز هذه المرّة بسهولة؟ هل يخبّئ المنتخب الصربي مفاجآت؟ فاليابان فاجأتنا قبلها بيوم، وهزمت المنتخب الألماني.
أتخيّل الأهداف التي سنحرزها. ليست هذه سوى حيلة يائسة.
وصلتُ. انتظرتُ إلى أن فتحوا البوابات عند السابعة مساءً. دخلت إلى الملعب. إنها السابعة والنصف. المباراة ستنطلق عند العاشرة. سأنتظر ساعتين ونصف الساعة.
الملعب فارغ. أحدّق في هذه المساحة الخضراء وأرتّب اللاعبين فيها. أليسون سيحرس المرمى، تياغو سيلفا وماركينيوس في الدفاع، فابينو وكاسيميرو في الوسط، فيرمينو رأس حربة. "ركّز"، قلت لنفسي. بوبي لم يُستدعَ إلى التشكيلة. لن يكون هنا الليلة. أعيد توزيع اللاعبين، وأشاهد مباراة متخيلة، تفوز فيها البرازيل.
أتذكّر نهائي عام 2002 في كوريا واليابان. مرّت 20 عاماً. كنت في السابعة عشرة حينها. الآن، أستطيع أن أتخيّل ما أشاء؛ فالملعب فارغ، والعشب أقل اخضراراً من ملاعب الآخرين. استعدت ذلك النهائي، وأعدته على أرضية الملعب التي أمامي. ها هو ريفالدو يسدّد، أوليفر كان يتصدّى، لكن رونالدو (لا أعرف لاعباً آخر بهذا الاسم) هناك أمام المرمى، ليسجّل الهدف الأول.
هجمة أخرى يقودها جوزيه كليبرسون، يمرّر لريفالدو، الذي ترك الكرة تعبر بين ساقيه، وتصل إلى رونالدو، وها هو يهدي البرازيل والجمهور هدفه الثاني، وكأس العالم. سأرفع نخبها إلى الأبد.
يبدو أنه سيناريو جيد ليتكرّر الليلة. "إنّها المرّة الأولى لي، أرجوكم افعلوها". هكذا كنت أتحدث إلى لاعبي المنتخب البرازيلي في سرّي.
رأينا على الشاشات وصول اللاعبين في الباص إلى الاستاد. لاحقاً، بدأوا يتوافدون إلى أرضية الملعب. دخل الحرّاس الثلاثة أولاً. ها هو أليسون يتمرّن على تسديدات يوجّهها مدربه إليه. أليسون حارس مرمى ناديّ المفضل، ليفربول. يشير إدواردو غاليانو إلى مقولة مفادها بأن العشب لا ينبت حيث تطأ قدما حارس المرمى.
لكن، مع أليسون، ثمّة ربيع بأكمله يحيط بقدميه. ألم يسجّل هدف تأهّل ليفربول لدوري الأبطال قبل عام ونصف العام؟ ألم يصنع لمحمد صلاح هدف الفوز على مانشستر سيتي في هذا الموسم؟
تمنّيت أن تبدأ البرازيل المباراة في منتصف الملعب الذي أجلس خلفه، وأن يؤجّلوا تسجيل الأهداف للشوط الثاني، حتى تتسنّى لي رؤية شباك الحارس الصربي مهتزّة عن كثب. كان مقعدي خلف أحد المرميين. وفعلاً، هكذا كان. عن قرب، شهدتُ لوحتي ريتشارلسون؛ هدفه الأول، وذلك الثاني الذي سجّله بمقصية رائعة.
أستعيد خورخي آمادو ثانية. يقول: "في بلد الكرنفال هذا، الأقنعة العادية وحدها التي تسود. لقد كان أسمى منّا جميعاً. لقد استطاع أن يتغلب على عدم الرضا. لم يحاول أن يحلّ مشكلة وجوده، بل وضع نفسه فوق الحياة متفرّجاً".
لكن، في تلك المباراة، كنتُ متفرّجاً في قلب الحياة.