قدمت ابنة المصور الصحافي المصري المعتقل حمدي الزعيم، ميرنا، التماساً إلى نقيب الصحافيين المصريين ضياء رشوان، وطالبته فيه بالتدخل للإفراج عن والدها الذي أكمل أكثر من خمس سنوات بين حبس احتياطي وإجراءات احترازية من قضية لأخرى. وأشارت، خلال إبريل/ نيسان الحالي، إلى أنّ والدها يعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وضعف شديد في النظر، وهو "العائل الوحيد" للأسرة.
حمدي الزعيم ليس وحده، إذ يعاني الصحافيون أوضاعاً مزرية في السجون المصرية، والكثيرون منهم يتعرضون لإهمال طبي متعمد يمثل خطورة شديدة على حياتهم. الكاتب الصحافي عامر عبد المنعم (59 عاماً) يعاني من مرض السكري منذ 15 عاماً، ويحتاج إلى جرعات الإنسولين دورياً، لكن إدارة سجن المزرعة في مجمع طرة، جنوب القاهرة، تمنعه من الحصول على قائمة من الأدوية التي يحتاجها، وقد خضع لعمليتين جراحتين في عينيه قبل اعتقاله. وبسبب ظروف حبسه وعدم حصوله على الرعاية الصحية اللازمة أصيب في شهر رمضان الماضي بالتهاب فيروسي شديد، وعرض حينها على طبيب السجن من دون أن تتحسن حالته. وهو محبوس احتياطياً منذ ما يقارب عاماً ونصف عام بتهمة "نشر أخبار كاذبة".
ويعاني الباحث والصحافي المصري أحمد أبو زيد الطنوبي، المحكوم عليه بالسجن عشرة أعوام أمام محكمة عسكرية بتهمة "نشر أخبار وأسرار عسكرية"، إهمالاً طبياً جسيماً، وهو مهدد بفقد بصره في محبسه، إذ يحتاج بشدة إلى إجراء عملية المياه الزرقاء (غلوكوما). ولا تختلف حال الصحافي في قناة الجزيرة هشام عبد العزيز الذي يعاني من ارتفاع شديد في ضغط العين ومن تكلس شديد في عظمة الركاب في الأذن الوسطى، وهو مهدد بفقد السمع والبصر في حال استمرار احتجازه في هذه الظروف، وفق ما حذرت أسرته ومحاميه. ويعاني الصحافي أحمد سبيع من مشاكل في العمود الفقري والتهاب حاد في الأعصاب والرقبة، وتزداد حالته سوءاً جراء عدم تعرضه لأشعة الشمس وحرمانه من التريض. الكاتب الصحافي توفيق غانم يعاني أيضاً من مرض السكري والتهاب الأعصاب في ساقيه وركبته ومشاكل أسفل ظهره وتضخم في البروستاتا الذي يتطلب علاجاً متخصصاً مستمراً في منشأة طبية مجهزة.
هؤلاء وغيرهم يعانون إهمالاً طبياً في السجون المصرية يشكل خطراً شديداً على حياتهم، وقد يعيد سيناريو ما حدث مع الكاتب الصحافي محمد منير الذي توفي في يوليو/ تموز عام 2020، نتيجة الإهمال الطبي الجسيم في السجن، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، بعد أيام من إطلاق سراحه.
وتأتي معاناة الصحافيين في السجون المصرية وسط تحركات نقابية على المستوى الفردي من قبل بعض أعضاء مجلس نقابة الصحافيين، في محاولاتهم الضغط من أجل إخلاء سبيل زملائهم المحبوسين احتياطياً ممن لم تصدر بحقهم أحكام قضائية. ففي الأول من إبريل، شارك عضوا مجلس نقابة الصحافيين المصريين، محمود كامل وهشام يونس، في جلسة استماع نظمتها لجنة الحقوق المدنية والسياسية في المجلس القومي لحقوق الإنسان، لمناقشة أحوال الصحافيين المحبوسين بأحكام قضائية أو بقرارات حبس احتياطي وتجاوز الكثيرين منهم للمدد المحددة قانونياً للحبس الاحتياطي.
حضر الجلسة كذلك المحامي الحقوقي جمال عيد، وعدد من الصحافيين المفرج عنهم أخيراً، من بينهم مصطفى الأعصر الذي كتب تفاصيل هذا الاجتماع الذي تمحور حول نقاط ثلاث، بداية بملف المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا الرأي، وفي القلب منهم الصحافيون الذين ما زالوا يعانون مرارة السجن. وأكد الأعصر أنّه خلال الاجتماع قدمت قائمة تتضمن أسماء ثلاثين صحافياً، بعضهم من أعضاء نقابة الصحافيين وأغلبهم من المستقلين. وطالب الحاضرون بإعادة النظر في أمرهم، وضرورة مراجعة قانون الحبس الاحتياطي، وتحديداً في قضايا الرأي.
وفقاً للتقرير الأخير الصادر عن "المرصد العربي لحرية الإعلام" هناك 66 صحافياً نقابياً وغير نقابي في السجون المصرية، ويقضي بعضهم أحكاماً بالسجن تصل إلى المؤبد، بينما غالبيتهم في حبس احتياطي على ذمة اتهامات ولم يحالوا إلى المحاكم، وقضى غالبية هؤلاء الفترات القصوى للحبس الاحتياطي التي ينص عليها القانون (سنتان) من دون إخلاء سبيلهم، بل أعيد حبسهم باتهامات جديدة؛ ليصبح الحبس الاحتياطي، وهو مجرد إجراء احترازي، عقوبة سالبة للحرية طويلة المدى من دون حكم قضائي. وانتهت جلسة الاستماع بقبول مبدئي لتعليقات المشاركين حول قضايا الصحافيين، مع وعد بمحاولة المجلس إيصال الآراء والأصوات إلى الجهات المعنية والمسؤولة عن اتخاذ القرارات، وعلى أن تُعقد جلسات أخرى مستقبلية لنقاشات موسّعة حول قضايا الحبس الاحتياطي وحجب المواقع ومشاكل التراخيص.
هذه التحركات الفردية يقابلها صمت نقيب الصحافيين المصريين، رغم وعود نقابية شتى بفتح ملف الصحافيين المحبوسين. إذ ملأ نقيب الصحافيين المصريين، ضياء رشوان، الدنيا ضجيجاً أثناء الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها بولاية جديدة، في إبريل الماضي، بشأن الضغط من أجل الإفراج عن عدد من الصحافيين المصريين في السجون. ونجح بالفعل في الضغط من أجل الإفراج عن عدد محدود من الصحافيين في الأيام القليلة التي أعقبت فوزه في الانتخابات، في خضم انفراج سياسي، وهم: معتز ودنان وسلافة مجدي وزوجها حسام الصياد وإسراء عبد الفتاح وأحمد خليفة وجمال الجمل ومصطفى الأعصر، ثم عاد ملف الصحافيين المحبوسين إلى الأدراج.
كلّ هذا وغيره كان سبباً كافياً لتصنيف مصر في المرتبة 166 من 180 دولة، في نسخة عامي 2020 و2021 من تقرير حرية الصحافة الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود" التي أكدت أنّه بين النطاقات الخمسة في المؤشر تستمر مصر في المساحة السوداء، حيث حالة الإعلام تنتقل من سيئ إلى أسوأ وعلى مدار سنوات. تتردد مصر منذ الانقلاب العسكري بين المرتبة 158 و166 في هذا التصنيف.
كذلك احتلت مصر المرتبة الثالثة في قائمة الدول التي تحتجز أكبر عدد من الصحافيين، إذ بلغ عددهم 25 صحافياً عام 2021، وفقاً للجنة حماية الصحافيين (غير حكومية). وقالت اللجنة في أحدث تقاريرها، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إنّه "على الرغم من أنّ هذا العدد أقل من العام الماضي، فإنّ الاحتجاز المستمر للصحافيين يشكل نموذجاً لاستهتار حكومة عبد الفتاح السيسي بقوانين البلد، إذ تعمد السلطات المصرية بصفة مستمرة إلى الالتفاف على القوانين التي تحدد مدة الحبس الاحتياطي بسنتين، وذلك من خلال توجيه اتهامات إضافية لتمديد تلك الفترة. وفي حالات أخرى، تفرض السلطات شروطاً على الإفراج عن الأشخاص الذين يكملون مدة محكوميتهم".