في صباح يوم الجمعة 19 نوفمبر/ تشرين الثاني، شهد الآلاف، في الأميركيتين وأستراليا وجنوب آسيا، حدثاً نادراً جداً، حينما مرّ عليهم القمر في أطول خسوف جزئي، دام أكثر من ثلاث ساعات. لكن، لم يختلف شكل القمر ولونه صباح الجمعة كثيراً عنه في أيّ "خسوف دموي" بدا فيه القمر أحمر بسبب مرور معظم أشعة الشمس في غلاف الأرض، قبل أن تصل إلى القمر.
ولم يكن الخسوف الأخير خسوفاً "دموياً" كلياً، إذ غطى ظل الأرض 97 بالمائة من القمر. في أي حال، ليست ظاهرة الخسوف أمراً نادراً جداً، فقد تحدث (بشكل جزئي أو كلي) مرتين كلّ عام. لكن حقيقة بسيطة تتعلق بطول فترة دوام الخسوف الأخير، جعلت منه حدثاً مميزاً؛ إذ دام ثلاث ساعات و28 دقيقة. حدث ذلك آخر مرة قبل 580 عاماً، وتقول ناسا إنّه سيكون الخسوف الأطول للمائة عام بين 2001 و2100.
لحظة نادرة إلى هذا الحد، ربما ستحقق لمن يشهدها شعوراً بالتميز، حين نعرف أنّ حياتنا القصيرة في هذا الكون، تقاطعت مع لحظة استغرقت الأرض والقمر نحو 600 عام من الدوران، حتى تظهر مجدداً، ونشهدها. لحسن الحظ، فإنّ اللحظات النادرة في الكون كثيرة. وعلى الأغلب، سيجد كلّ الأحياء لحظة نادرة ما في الكون المليء بالأجسام التي تتحرك "في كلّ اتجاه".
الخسوف والكسوف يحدثان عندما "يترتب" كلّ من القمر والأرض والشمس على استقامة واحدة. في المجموعة الشمسية، توجد عدة أشكال نادرة للسماء، يمكن أن تظهر عندما تنتظم مجموعة من الكواكب على استقامة خطية، أو في مثلث. يقول العلماء، إنّ ترتيباً نادراً للكواكب، سيظهر في سماء واحدة في عام 2040.
وفي عام 2000، سجلت ناسا، ترتيباً نادراً لكلّ من عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل. بينما انتظم عطارد والمشتري والزهرة في مثلث عدة مرات خلال العقد الماضي. في عام 2020، بينما شهدنا الوباء الفيروسي النادر "كوفيد-19" هنا على كوكب الأرض، حدث في السماء ما يسمى بـ "الاقتران العظيم" لزحل والمشتري.
كذلك، تظهر الشهب والنيازك والبقع البيضاء في زحل، وغيرها الكثير من الأحداث والظواهر الفلكية النادرة، التي يتابعها وينتظرها مصورو أو هواة الفلك. في الكون، أيضاً، لحظات نادرة، يحتاجها العلماء لإتمام دراسة أو إنجاز علمي ما، منها حدثان سُجلا في يناير/كانون الثاني من عام 2020، عندما وصل إلى الأرض تأثير "أمواج الجاذبية" الناتجة عن اندماج ثقبين أسودين، وتأثير أمواج أخرى ناتجة عن اصطدام نجمين ببعضهما، قبل مئات ملايين السنين، وأعلن حينها مرصد "ليغو" في الولايات المتحدة، و"فيرغو" في إيطاليا، عن تسجيل الأمواج الناتجة عن كلا الحدثين. كذلك، احتاجت أول "صورة" لثقب أسود، والتي نُشرت عام 2019، من عشرات العلماء مراقبة السماء وانتظار لحظات "نادرة" كثيرة لجمع البيانات اللازمة في أماكن وأوقات محددة، وعلى فترات طويلة.
كثير من الأحداث الكونية التي نعتبرها نادرة ومميزة، ترتبط بموقع الأرض في الكون، أي أنها مشاهد للسماء من زاوية نظر مراقب يقف على الأرض. ربما، تظهر أجمل المشاهد النادرة في الكون، في أماكن بعيدة عن الأرض، كالمشهد في الصورة التي التقطها المسبار "فوياجير 1" عام 1990، عندما حضر في مكان يظهر فيه كوكبنا كـ "نقطة زرقاء باهتة" معلقة في شعاع الشمس.
يعيش هذا المشهد "للأبد" في صورة دفعت العلماء إلى كتابة الشعر. كتب الفيزيائي كارل ساغان عنها: "كوكبنا بقعة ضئيلة وحيدة في تغليف كوني مظلم. في ظلمتنا، على كل هذا الاتساع، ليست هناك من إشارة إلى أن مساعدة ستأتينا من مكان ما لتنقذنا من أنفسنا. الأرض هي المكان الوحيد الذي يمكنه احتضان الحياة، وليس من مكان آخر - على الأقل في المستقبل القريب - يمكننا الرحيل إليه... شئنا أم أبينا الأرض هي مصيرنا".
في النهاية، سواء تقاطعت حياتنا مع لحظة كونية نادرة أردنا أن نشهدها أم لا، لا تزال الحقيقة الأكثر غموضاً وندرة واقعة فينا، فمهما كانت الظواهر الكونية غريبة ونادرة، مثل مرور "موجات جاذبية" ناتجة عن اصطدام نجوم ماتت قبل مئات ملايين السنين، لا توجد في الكون ظاهرة أكثر ندرة من الحياة على الأرض.