مطلع كل عام يحتفل السودانيون باستقلال بلادهم عن الحكم الإنكليزي (1898-1956). هذا العام وعلى وقع الأوضاع المضطربة في البلاد، وعقود الفساد والدكتاتورية التي حكمت البلاد يبدو هذا التاريخ مجرد مناسبة أخرى، تفضح حجم المأساة التي يعيشها السودانيون.
يطول الحديث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد، لكن ما لا يسلّط الضوء عليه بشكل كامل عند سرد واقع السودان اليوم هو القبضة المحكمة للسلطة على الفضاء الرقمي.
فقد شهدت فترة مابعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 انتهاكات تجاوزت مرحلة حرمان ملايين السودانيين من خدمة الإنترنت، إلى انتهاك الخصوصية، ومراقبة الهواتف الشخصية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والتدوينات الرقمية، وملاحقة واعتقال الأصوات المعارضة لسياسات الحكم العسكري، في انتهاك لواحد من أكثر حقوق الإنسان بساطة.
ويمكن حصر الانتهاكات الرقمية التي انتهجتها السلطة العسكرية في السودان في ثلاثة محاور رئيسية: قطع خدمة الإنترنت، وانتهاك الخصوصية، وكم الأفواه الرقمية.
قطع الإنترنت
في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح برهان حالة الطوارئ في السودان وحل المجلس السيادي ومجلس الوزراء وإعفاء كل مسؤولي الولايات من مناصبهم، في أول بيان رسمي بعد أحداث شهدها السودان وُصفت بالانقلاب، وكان الإنترنت والاتصالات أول ما يُحجب.
خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 انقطعت خدمة الإنترنت في السودان ضمن سلسلة الإجراءات التي اتُبعت بناءً على توجيهات عبد الفتاح برهان، الأمر الذي تسبّب بتضرّر قطاعات واسعة من المؤسسات والشركات الكبرى، فيما قدّر خبراء اقتصاديون آنذاك الخسائر بعشرات ملايين الدولارات، علاوة على التأثّر البالغ الذي طاول الأعمال الناشئة التي تعتمد على منصات التواصل الاجتماعي.
وبعد الجهود والمطالبات لاعادة شبكة الإنترنت، أعادت السلطات السودانية قطع الإنترنت في الشهر اللاحق وسط تصاعد الدعوات للتظاهرات والاحتجاجات حيث قطعت الشبكة في 25 ديسمبر/كانون الأول منعاً لتغطية الاحتجاجات وقطع التواصل بين المعارضين والمُحتجين.
وفي شهر يونيو/حزيران 2022 أصدر النائب العام قراراً موجهاً لشركات الاتصالات بقطع خدمات الإنترنت طيلة أيام امتحانات الشهادة السودانية. وهي الحجة التي تستخدمها السلطة حتى اليوم للاستمرار بقطع إمكانية الاتصال بالشبكة من وقتٍ إلى آخر.
انتهاك الخصوصية
تقوم السلطات بمراقبة هواتف الناشطين واتصالاتهم فنيّاً، كما تقوم بالكشف والاطلاع على هواتفهم الذكية وتطبيقاتهم والرسائل المباشرة في صفحاتهم الشخصية، أثناء توقيفهم واعتقالهم ما يُشكّل انتهاكاً لمبدأ الخصوصية الرقمية. وقد تواصل "العربي الجديد" مع عدد من من الناشطين (فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم) الذين أوقفوا خلال العالم الماضي واطلق سراحهم، وأكد هؤلاء أن الأمن فتش هواتفهم، ودخل إلى رسائلهم الخاصة وإلى الصور الموجودة والأحاديث التي تبادلوها، والمواقع التي زاروها، إلى جانب ولوجهم إلى حساباتهم على مواقع التواصل.
كم الأفواه الرقمية
تعمد السلطات السودانية إلى مراقبة المنصّات التواصلية والمواقع الإلكترونية حيث تلاحق المدونين وناشري التدوينات الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي ( فيسبوك، تويتر ..ألخ)
في مايو/أيار 2021 غير السوداني إبراهيم يوسف غبوش صورته الشخصية على موقع فيسبوك واستبدلها بصورة جديدة تحمل عبارة "بنحلم بوطن عادل"، وبعد شهر تماماً ألقي القبض عليه وقضى 70 يوماً في سجن لجنة إزالة التمكين من دون أن يُقدّم للمحاكمة.
كما قامت السلطات المُختصّة خلال شهر سبتمر/أيلول 2021 بإعتقال الصحافي عطاف عبد الوهاب الذي يدير موقعاً إخبارياً إلكترونياً "صحافيون" نتيجة آراء وتدوينات إلكترونية.