تُشكّل السينما الغنائية تراثاً فنيّاً غنياً في السينما العربيّة. ورغم اقتصارها على بلدان عربية قليلة، استطاعت ـ بما راكمته من أفلامٍ وتجارب ـ أنْ تغوص في بنية المُتخيّل اليومي العربي، في ثلاثينيات القرن الـ20، وفي ما شهدته هذه المرحلة من نضج فني، أفكاراً ومواضيع. كان التيار الرومانسي، برهافته وحساسيته، قادراً على اكتساح هذه الفيلموغرافيا الغنائية، جاعلاً إياها في خدمته، فنيّاً وجمالياً، لكنْ من دون أنْ يتنازل عن شرطه الوجودي، بوصفه تياراً فكرياً وَسَم المرحلة بأكملها.
تزامن هذا النضج التجريبي، الذي عاشته مصر، في تطويع الواقع ومحكيّاته وقصصه وتفاصيله، وفي نقله إلى قوالب سينمائية غنائية، خاصّة بعد نهضة فنية شهدتها مصر آنذاك، ساهمت في ظهور مواهب غنائية كثيرة، أسّست تاريخ الغناء العربي، ومساره.
فالغناء أضحى، بسبب امتلاكه حظوة فنية وسُلطة مركزية في المجتمع، الفنّ الأشهر. ولم يكُن بإمكان هذه الأصوات الغنائية أن تظلّ بعيدة عن الشاشة الكبيرة، بوصفها الطريق الأسهل نحو تحقيق نجاحات باهرة، بحكم ما تُتيحه الصورة من سهولة الذيوع والانتشار في المجتمعات. فكان من السهل على هذه التجارب الفنية اقتحام عالم السينما، الذي شجّع بعد ذلك على إنتاج أفلامٍ غنائية مصرية كثيرة، بطرق مُختلفة ومُتباينة، بين المونولوغ والأوبريت في ثلاثينيات القرن الـ20 وأربعينياته.
مطلع الستينيات، بدأت السينما الغنائية تخفت، وتراجع معها عامل الإنتاج المُغذّي لها، بسبب سطوة السياسي على الفني، وتنامي الحركات السياسية في المجتمعات العربيّة
في مطلع ستينياته، بدأت السينما الغنائية تخفت، وتراجع معها عامل الإنتاج المُغذّي لها، بسبب سطوة السياسي على الفني، وتنامي الحركات السياسية في المجتمعات العربيّة، ما أثّر على الكاميرا ومشاغلها، فباتت تهتم أكثر بالتحوّلات السياسية والاجتماعية، التي طاولت المجتمع العربي، وما بدأ يظهر فيه حينها من شروخ وتصدّعات وقلاقل.
عن تفاصيل نشأة السينما الغنائية في العالم العربي، وأهم إبدالاتها الفنية والجمالية التي رافقتها منذ إنتاج بواكيرها الأولى، كانت لـ"العربي الجديد" لقاءات مع كُتّاب ومخرجين ومُهتمّين بالشأن السينمائي العربي، في هذا التحقيق (ترتيب الأسماء جاء وفقاً للحروف الأبجدية للأسماء الأولى):
* إلياس خلاط (مؤسّس ومدير "مهرجان طرابلس للأفلام" في لبنان): تراجَع إنتاج ما يسمّى بالفيلم الموسيقيّ عالمياً، المعروف عربياً بالسينما الغنائية، بشكل كبير، حتّى أنّ إنتاجه توقّف نهائياً في العالم العربي منذ سنين عديدة. هذا النوع من الأفلام تألّق في خمسينيات القرن الـ20 وستينياته، وصولاً إلى منتصف سبعينياته، حيث بدأ إنتاجه يتراجع. في تلك الفترة، كانت الأغاني والموسيقى منتشرة عبر أثير الراديو، ومن خلال تنظيم الحفلات فقط، فكان بديهياً تناول هذا الموضوع في السينما، عالمياً وعربياً.
أبرز سبب أدّى إلى تراجع السينما الغنائية، عالمياً ومحلياً، يكمن في كلفة الإنتاج من جهة، وفي مرحلة لاحقة قلّت الموارد وبيع التذاكر من جهة أخرى
أبرز سبب أدّى إلى تراجع السينما الغنائية، عالمياً ومحلياً، يكمن في كلفة الإنتاج من جهة، وفي مرحلة لاحقة قلّت الموارد وبيع التذاكر من جهة أخرى. للأخير أسباب عدّة أيضاً، أبرزها الانتشار الواسع للفيديو والحفلات المسجّلة، التي تُبثّ على التلفزيون منذ منتصف السبعينيات الماضية، بالإضافة إلى البرامج الموسيقية المتخصّصة بالموسيقى والغناء، التي شهدت رواجاً في نهاية السبعينيات، حتّى مطلع هذا القرن.
أسبابٌ أخرى تحضر، ربما تكون غير مباشرة: الإنتاج الكثير والانتشار الواسع الذي حقّقه الـ"فيديو كليب"، الذي شهده العالم عامة، وعالمنا العربي أيضاً، منذ منتصف الثمانينيات الماضية. أما كثرة الإنتاج الموسيقي والجولات الفنية الغنائية، عالمياً ومحلياً، فساهمت بالتأكيد في هذا التراجع، لا سيما أنّ لقاء الجمهور بنجومه أصبح متاحاً أكثر.
* سماح عادل (كاتبة وصحافية مصرية): بدأت السينما الغنائية في مصر أوائل الثلاثينيات الماضية، عندما انهار المسرح الغنائي، الذي كان ناجحاً ومزدهراً، مع الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929. وجد المبدعون ملاذهم في السينما، المولودة حديثاً، ولا عجب في أنْ يكون أول فيلم سينمائي مصري ناطق فيلماً غنائياً بعنوان "أنشودة الفؤاد" (1932)، لماريو فولبي، غنّت فيه نادرة من ألحان زكريا أحمد. لكنّ البداية الحقيقية للأفلام الممتلئة بالأغاني، المتناسبة مع صناعة السينما، كانت مع "الوردة البيضاء" (1933)، لمحمد كريم، وهو أول فيلم يمثّل فيه محمد عبد الوهاب.
لاقت الأفلام الغنائية رواجاً كبيراً، فأقبل المنتجون على صنعها لأنّ الجمهور اعتاد المسرح الغنائي قبلها. كما كانت هناك أصوات مميزة وبارعة في فترة ازدهار تلك الأفلام، أي بين أوائل ثلاثينيات القرن الـ20 وأوائل ستينياته. من أبرز هذه الأصوات: أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان ومحمد فوزي وليلى مراد وصباح وشادية وعبد الحليم حافظ، وآخرون. إنتاج هذه الأفلام ضخم، وفي الوقت نفسه كانت تحقّق أرباحاً كثيرة، وتؤكّد على استمتاع الجمهور بالغناء في سياق الأفلام، التي تنوّعت مواضيعها بين الميلودراما والكوميديا والرومانسية.
في أواخر الخمسينيات وطوال الستينيات، بعد "ثورة يوليو 52"، كان الاتجاه منصبّاً على إنتاج أفلامٍ اجتماعية وواقعية، ما أثّر بشكل كبير على إنتاج الأفلام الغنائية، من دون أنْ تختفي. ومع السبعينيات، اختفت تلك الأفلام لأسباب عدة، منها عدم وجود مطربين لهم المستوى نفسه للمطربين السابقين، بعد وفاة أشهرهم، عبد الحليم وفريد الأطرش ومحمد فوزي، وأيضاً بسبب اتجاه السينما إلى نوع من الأفلام يُعرف عند بعض النقّاد بـ"سينما المقاولات"، التي تعتمد على مواضيع رائجة تخاطب الغرائز، أو على الترفيه.
ظهر مطربون وملحنون جدد، وساهمت الحفلات ـ التي كان ينظّمها التلفزيون ـ في وجود الأغنية بمعزل عن الأفلام
كما أنّ الموسيقى والغناء نفسيهما اختلفا، فأصبح إيقاع الأغنية مختلفاً عمّا كان موجوداً بين الثلاثينيات والستينيات. ظهر مطربون وملحنون جدد، وساهمت الحفلات ـ التي كان ينظّمها التلفزيون ـ في وجود الأغنية بمعزل عن الأفلام. ثم شهدت فترة الثمانينيات وبعدها تغييرات، أكبرها حصل في التسعينيات، مع ظهور "الأغنية الشبابية"، المتميّزة بقصرها، وبالتأثّر بالموسيقى الغربية، وأصبح نجومها عمرو دياب ووائل توفيق وحميد الشاعري ولطيفة، وغيرهم.
هذه الأغنيات تُجمع في شريط كاسيت يُباع للناس، وتُصوّر في أفلام قصيرة في شكل حكاية، عرفت لاحقاً بالـ"كليب"، الذي تبثّه قنوات التلفزيون. لم يعد الجمهور شغوفاً بالذهاب إلى السينما لسماع الأغاني، لأنّها أصبحت متاحة بشكل كبير عبر القنوات التلفزيونية وشرائط الكاسيت.
رغم ذلك، ظهرت بعض الأفلام القليلة التي استخدمت الأغاني في أحداثها، لكنّها لم تلق رواجاً كبيراً. النتيجة؟ اختفاء الأفلام الغنائية، خاصة أنها تحتاج إلى كلفة مادية باهظة، والإنتاج السينمائي في مصر والبلدان العربية لم يعد مهتمّاً بتحقيق أفلامٍ ذات جودة عالية، قدر اهتمامه بحصد أرباحٍ وتحقيق نجاح جماهيري بأقلّ التكاليف، فاتجه إلى أفلام تعتمد على حكايات بسيطة، ولا تنقل واقع المجتمع، أو تناقض قضاياه.
* صالح ذباح (باحث فلسطيني): السينما الغنائية العربية، المعروفة بشكلها الكلاسيكي في السينما المصرية، وليدة ظرفٍ تاريخي فنّي، خلق هذا الشكل الذي أدخل الأغاني على الأفلام، لاستثمار الأصوات الفذّة التي ذاع صيتها آنذاك. إنّها أقرب إلى أفلام فيها فواصل من الأغاني، من كونها أفلاماً غنائية (Musical). مرّت بمراحل مختلفة منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى سبعينياته (تجارب حسن الإمام)، وصولاً إلى طفرات في التسعينيات ("آيس كريم في جليم" لخيري بشارة، 1992).
لا أرى أنّ عودتها واردة بالأشكال السابقة، لأنّها ستبدو خارج الزمن، وستكون عملية تكرار لفاقد الصلاحية في عصر الـ"سوشيال ميديا"، وفائض الأغنيات المصوّرة، والطفرة الإبداعية في عدد منها. التجارب العربية في العقدين الأخيرين نادرة التكرار، وإعادة الإنتاج في سوق مُنهكة ("البوسطة" للّبناني فيليب عرقتنجي عام 2005، و"سيلينا" للسوري حاتم علي عام 2009). لذا، يصعب الحديث عن سينما غنائية جماهيرية خارج مصر. السوق المصرية رئيسية وجذّابة تجارياً وفنياً. فيها التقاء عنصرين يتوفّران في مصر: القدرات الإبداعية والإنتاجية.
لكنْ، ما يفضي إلى استبعاد احتمال إنتاج عمل سينمائي غنائي يكمن في المناخ الإنتاجي الحالي، المرتكز إما على سينما تحتكرها أو تتدخّل الدولة فيها (إنتاجات سينمائية عسكرية ضخمة)، أو على أفلام كوميديا موسمية، ولا مجال لذكر الأفلام المستقلّة أو أفلام المهرجانات في هذا السياق، لأنها تبقى فعلياً على الهامش.
تبدو لي فكرة إنتاج سينما غنائية مغامرة مكلفة وغير مضمونة النتائج في صالات العرض. أعتقد أنّ الاتجاه سيكون، إنْ تمّ التفكير بعمل غنائي، نحو منصّات العرض الرقمية، من خلال حلقات أو مسلسل استعراضي. هذا ما قامت به قبل فترة "شركة العدل جروب"، بتصويرها حلقات عدّة لما سمّته مسرحية، أو حلقات استعراضية، مع الفنانة شريهان، التي اقترن الاستعراض باسمها، لتعود بعد فترة غياب طويلة. سيتمّ عرض هذه الحلقات على إحدى المنصّات قريباً.
فكرة إنتاج سينما غنائية مغامرة مكلفة وغير مضمونة النتائج في صالات العرض
أيْ محاولة لصناعة سينما غنائية على الطريقة القديمة محكوم عليها بالفشل مسبقاً. أيّ تبنّي لنسَق "زمن الفن الجميل" يشبه الكتابة على اللوح بالطباشير، في وقتٍ باتت الكتابة فيه تحصل باللمس على الشاشات. سيتمّ بلا شك احتواء الفرق الشعبية (هناك حديث عن عمل سينمائي غنائي لـ"العدل جروب" أيضاً مع فرقة "المدفعجية")، والابتعاد عن فكرة النجم الغنائي الأوحد في هذه الأعمال.
بكلماتٍ مقتضبة، أقول إنّ التحدّي الأكبر يتمثّل في شكل الإنتاج، وطريقة/ منصّة العرض، والقدرة على التفكير خارج الصندوق، أيْ الإتيان بعمل عضويّ لا يُقلّد الغرب أو الماضي العربي المشرق، وقول جديدٍ، موسيقياً وسينمائياً، ويكون قادراً على النفاذ إلى أكبر شريحة من الجمهور العربي.
* علي سفر (ناقد سوري): كان لانتشار الفيلم الغنائي، في مرحلة من تاريخ السينما العربية تمتدّ بين ثلاثينيات القرن الـ20 وسبعينياته، سبب أساسي يتعلّق بنشر الأغنية، وتسويق المغنّي النجم. فمن أجل وصول النتاج الغنائي إلى أوسع شريحة، ومن أجل استثمار حضوره وصوته بشكل مربح، كان يجب خلق الأعمال السينمائية تحديداً.
علينا هنا، كي نعرف ماذا حدث، ولماذا لم يتحوّل هذا النوع السينمائي إلى حالة راسخة، التفكير بأمرين:
أوّلهما، واقع السينما العربية وتحوّلاتها، في الفضاء المحلي في كلّ بلد عربي، حيث ظلّت هذه الصناعة تعاني، حتى يومنا هذا، من تبعات الواقع الاقتصادي والسياسي. بمعنى أنّ سيرورة العملية الاقتصادية للسينما نفسها لم تكتمل، بشكل مستمر، وبالتالي، فإنّ أيّ تجربة ذات بعدٍ مغامِر، كتجربة الفيلم الغنائي، لا بدّ أنْ تكون مرهونة بدراسة الجدوى، والقدرة على تسويقها، ونوابض هذا التسويق.
الأفلام الغنائية العربية بنيت أصلاً على وجود مُطربين أفذاذ، يكفي أنْ يكونوا أبطالاً في أيّ حكاية، ليمسكوا بعقل الجمهور ومحبّته
ثانيهما، أنّ نمط سينما الـ"ميوزيكال"، السائد غربياً، لم يتحوّل إلى نمط محلي في المنطقة العربية. بالتالي، فإنّ الأفلام الغنائية العربية بنيت أصلاً على وجود مُطربين أفذاذ، يكفي أنْ يكونوا أبطالاً في أيّ حكاية، ليمسكوا بعقل الجمهور ومحبّته. تبعاً لهذا، لا يُمكن بناء موقف نقدي عميق جداً تجاه تجاربهم كممثلين، ولا حتّى رؤى نقدية مُتمحِّصَة تجاه هذه الأفلام، طالما أنّها أدّت ما هو مطلوب منها، فهي ليست درامية اجتماعية، وليست تجريبية، بل حدّوتة بسيطة، يستطيع من خلالها أنْ يغنّي المطرب النجم أغنية تخدم السياق الدرامي.
بناء على ما سبق، سيؤدّي غياب هؤلاء إلى تراجع النوع الذي حمل تجاربهم، مع غياب البدائل، بعد أنْ صار حضور المغنين الشباب قائماً على الـ"فيديو كليب" والحفلات الجماهيرية. علينا ألّا ننسى أنّ غياب المنتج الفني صاحب التجربة، الذي يصنع النجوم، سيؤدّي أيضاً إلى تراجع هذا النوع، بعدما رحل معظم من عملوا على جعله حاضراً في المشهد السينمائي.
عماد إرنست (مخرج مصري): أنْ يواكب تحقيقٌ صحافي عملي على فيلمٍ موسيقيّ وغنائي راقص، عن السيدة أم كلثوم، وهذه عودة لي إلى هذا النوع السينمائي بعد فيلمي "صبار المدينة" (2004)، صدفة مثيرة لي، لعلّها أتت لنفكّر معاً في ندرة أمر المسألة.
أظنّ أنّ هناك شقّين. أولهما ترفيهي. أعتقد أنّ أغلب تعليلات تواريه، وندرته عالمياً أيضاً، عدا هندياً ـ وهذا يسعنا إسناده إلى بزوغ وسائط أقلّ كلفة وجهداً، وأسرع جنياً للحضور والربحية والاستمرارية لسوق الأغنية والعاملين فيها، وهي الشريك الآخر في إنتاجه ـ عائدة إلى تبدّل في طبيعة منظومته الاقتصادية، من فورات انحيازات باكرة لبكارة الغناء في سردية فيلمية، المنتجة منذ "مغنّي الجاز" (1927)، للأميركي آلان كروسْلاند، والفيلم المصري "أنشودة الفؤاد" (1932)، للإيطالي ماريو فولبي، عبوراً بأغلبها عالمياً ومناطقياً. ثم إحجام تام، ثم عودة باهتة أخيرة لإعادة هيمنة مفتقدة لثقافة أميركية، وللفيلم الأميركي الغنائي السائد. أو عودة مناطقية، كما في "إسماعيلية رايح جاي" (1997)، لكريم ضياء الدين، قبل حلول أزمة إنتاج مستحكمة للفيلم المصري عامة.
بزوغ وسائط أقلّ كلفة وجهداً، وأسرع جنياً للحضور والربحية والاستمرارية لسوق الأغنية والعاملين فيها
ثانيهما يخصّ ندرة الفنيّ. بالتدقيق في تجارب أساتذة الفيلم الحداثي، ككارلوس ساورا وميلوش فورمان وجان ـ لوك غودار وبوب فوس ونورمان جوايسون؛ أو العودة بعد الحداثية مع لارس فون ترير وبول توماس أندرسون ولوكا ميديتشي؛ أو مناطقياً مع هاني أبو أسعد؛ سنجد أنّ ندرته كاشفة لمعضلة أدقّ.
إذا اتفقنا على أنّ الأساسَ الفيلمي ثيمةٌ كبيرة، تنزاح لفكرة ثم لحبكة متضمنة ثيمات صغيرة، لتشكيل سيناريو قابل لتجسيدٍ فيلميٍّ، نجد أنّ ما يجمع الشِقِّين في هذا النوع خِفّةُ شغف رحلة غجرية لبلورة هذه الثيمة في المجتمع الفيلمي. رحلة تتمّ بكافة الخصال الغجرية. هنا، سنكتشف مفارقة أنّ هذه الخِفّة الغجرية نفسها، حين يحملها مخرجٌ، سواء كان سائداً أو منتمياً إلى سينما المؤلف، تدفع كلا الشقّين إلى الإفتراق كلّ في اتجاه. بل وتدفع بعض تجاربهما إمّا إلى طيران أو سقوط، أو إلى إحجامٍ أو إقدام.
ستظهر لنا أهمية المفارقة أكثر عند التشريح الفيلمي النزيه، لنجدها تشير ربما إلى أهمّ من سردنا العوامل المهمّة الأخرى لاختفاء الفيلم الغنائي.