مكناي الذهبي (The Golden Maknae)، و"مكناي" تعني العضو الأصغر سناً في المجموعة. ذلك هو لقب النجم الكوري الجنوبي، ذي الخمسة والعشرين عاماً، المعروف بـ جونغكوك (Jungkook). أما المجموعة، التي يتذيّلها سنّاً، فهي BTS؛ فرقة "البوب الكوري" (K Pop) الأشهر عالمياً، التي تضم سبعة فنانين من الذكور، على نمط التشكيل المعروف في دنيا البوب بالـ بوي باند (Boyband)، أي فرقة الفتيان. فيها، يتشاركون في أدوارٍ فنية تتنوع من الغناء، إلى نظم الراب والرقص.
السبب من وراء منح أعضاء المجموعة ذلك اللقب للأصغر سناً بينهم، يكمن في أن جونغكوك، واسمه الأول جيون (Jeon)، ما إن يأخذ على عاتقه واحداً من تلك الأدوار الفنية المتنوعة، حتى يتقنه ويتفوق به على أقرانه. فضلاً عن جاذبية أخّاذة تصدر عنه عند حضوره على خشبة المسرح، وروح مرحة لطالما تميّز بها لدى تواصله ضمن الفضاء العام، سواء مع جمهوره أو وسائل الإعلام. بذلك، قد شغل مركز المغني الرئيس في فريق أجمع في غير مناسبة، على أن الشاب الساحر لهو محور ومحرّك، ولا بديل عنه لأجل تألقهم واستمرار نجاحهم.
جاذبية الفتى وشعبيته في بلده وحول العالم، طارتا إلى المونديال، ليحط في الدوحة عاصمة دولة قطر، البلد المضيف لبطولة نهائيات كأس العالم 2022، مشاركاً في حفل الافتتاح، الذي أقيم في استاد "البيت" الرياضي، فانضم إلى كوكبة من الفنانين والمؤدين أحيوا التظاهرة الموسيقية، التي استهلّت الحدث الرياضي الأكثر جماهيرية بين عشّاق كرة القدم. بهذا، غدا جونغكوك، أول فنان من كوريا الجنوبية يُدعى ليؤدي احتفاءً بكأس العالم لكرة القدم.
Jung Kook delivers at the #Qatar2022 opening ceremony! 🎶#Dreamers2022 | @bts_bighit
— FIFA World Cup (@FIFAWorldCup) November 20, 2022
قبل ذلك بعقد، سنة 2011، لم يكن أحد ليتوقع المدى الذي ستبلغه مسيرة ابن الخمسة عشر عاماً، ذاك الخائف المرتبك قُبيل تقديمه عرضاً أدائياً ضمن مسابقة سوبر ستار كوريا (Super Star K)؛ عرضٌ، سيجلب له عروضاً كثيرة، لافتاً اهتمام كُبرى شركات الإنتاج الترفيهي لمنطقة شرق آسيا. منها، شركة Big Hit التي احتضنت جونغكوك كمُتدرّب، ومشروعٍ للمستقبل. حينها، لم يبد أي شيءٍ ليقف عثرة في طريقه، سوى حيائه المفرط، ما دفع المدير التنفيذي للشركة إلى الشك في إمكانية تألّق الفتى يوماً نجماً جماهيرياً.
لكن عزيمة جونغكوك على تخطي أي عثرة في الطريق إلى النجومية، جعلته يدأب ويجتهد. دأبه واجتهاده أخذاه سنة 2012 إلى مدينة لوس أنجليس في كاليفورنيا، في الولايات المتحدة الأميركية. هناك، انكب على تعلم الرقص. عُيِّن راقصاً احتياطياً لفرقة فتيات كورية تدعى "غلام" (Glam). أما موعد الإقلاع نحو فضاء العالمية، فقد آثر الانتظار حتى سنة 2017، حين أطلق بصحبة كل من جيمين (Jimin)، وجي هوب (J Hope)، وسوغا (Suga)، وبقية الرفقاء، فرقتهم BTS، التي ستحلق بهم في سماء مشهد البوب الكوري.
منذ ذلك الحين، وجيون يحطم أرقاماً قياسية، سبق له وأن سجّلها بنفسه؛ فقد تخطّى عدد مشاهدي عروضه الحية عتبة الـ 22 مليونا. بوصفه نموذجاً لمشاهير جيل زي وشبيبة السوشال ميديا، يملك النجم الشاب عدداً هائلاً من المتابعين على منصة إنستغرام، يصل إلى خمسة وأربعين مليوناً. سنة 2019، احتل المرتبة الثالثة ضمن الشخصيات الأكثر شهرة في بلده. أما فرقته، BTS، فقد ترشحت إلى جائزة غرامي المرموقة مرات عدة، وانتزعتها مرتين. وأغنية الفريق المعنونة "زبدة" (Butter) تحظى حالياً بمشاهدات، يُقارب عددها المليار.
دعوة جونغكوك إلى العاصمة القطرية، للمشاركة في إحياء حفل افتتاح بطولة نهائيات كأس العالم، لا يُنظر إليها فقط من زاوية تمثيل كوريا الجنوبية، والشرق الأقصى لآسيا، اعترافاً بإنتاج موسيقي جماهيري قد نما وازدهر، فتجاوز تأثيره المجال الثقافي والجغرافي لبلده والإقليم القابع فيه، وإنما أيضاً، استجابةً للشعبية الكاسحة، التي أخذ الـ كي بوب يتمتع بها في الشرق الأوسط، وتحديداً منطقة الخليج العربي، المجال الثقافي والجغرافي الذي يقع فيه البلد المستضيف للمونديال.
وإن حافظ الصبية الكوريون على الأسلوبية الغربية في كل من الشكل والمضمون الإنتاجي لأغانيهم وعروضهم، وذلك من الألف إلى الياء تقريباً، إلا أن مجرّد انتمائهم إلى قارة لطالما ظلت بعيدة ثقافياً عن غرب أوروبا والولايات المتحدة، إلى حد التقابل والتعارض أحياناً، جعل من فرص تماهي الشبيبة العربية مع النجوم الكوريين أكبر.
بذلك، يبدو الـ كي بوب كما لو كان موسيقى بوب غربية بـ "الوكالة"؛ تمنح المستهلك العربي، وغير الغربي بصورة أعم، مُنتجاً جماهيرياً عالي الجودة، أكثر شرقية، منزوعةً منه حال الاغتراب التي باتت تعيشها بقاع من العالم إزاء استهلاكها مستوردات الثقافة الغربية.
هكذا، أطلّ جونغكوك على المنطقة العربية من نافذة شرقية، في ما يُشبه حال الشعبية التي حظيت بها سينما بوليوود الهندية في الثمانينيات والتسعينيات. رقص الفتى وإيماءاته تُذكّر بأيقونة البوب الأميركي مايكل جاكسون (1958-2009). إلا أن ثمة مسحة محافظة تُغلّف أداءه ولغة جسده، تنسجم مع الطبيعة المحافظة لمجتمعات الشرق الأوسط. الانسجامات الموسيقية بدورها، التي يُغنّي بها، ويشاركه فيها مجموع الفريق، ناهيك باستخدامهم الإنكليزية كلغة عولمة، تتناهى استمراريةً خالصةً لأسلوبية الجوق الغربي المنبثق عن الـ آر أند بي (R&B)، إلا أن محض الهيئة المتمايزة للشباب الكوري، والعبوة المختلفة الذي يُقدمونها للشباب العربي، تشهدان بأن للعالم اليوم منابع ثقافية أكثر، منها القريب ومنها الأقرب، غير الغرب والولايات المتحدة.
حلول جونغكوك ضيفاً على مونديال قطر، حمل في طيّاته مدلولات حول شكل العالم الجديد الذي يعيش به جيل الـ K Pop وفرقه كـ BTS. إنه عالم في طور تشكّل يُمهّد لحقبة ما بعد المركزية الغربية. وإن ما زالت الثقافة الغربية تحافظ على قطبية التأثير، إلا أنها تفقد شيئاً فشيئاً مركزية الإنتاج، والأهم من هذا، احتكار التمثيل.