شهدت الأسابيع الأخيرة تطبيعاً مع خطاب الإبادة الجماعية، إذ كررت شخصيات إسرائيلية بارزة دعواتها للقضاء على الفلسطينيين في قطاع غزة. وخطاب الإبادة أداة شائعة في الحروب، لكن السياسيين والشخصيات العامة الإسرائيلية عمدت إلى تكرارها بشكل متواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
تقول حركة التضامن العالمية في موقعها إن خطاب الإبادة ظاهرة ذاتية التأجيج، أنتجت كميات هائلة من المحتوى العنيف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك استخدام أنقاض غزة كخلفية للرقصات وعروض الزواج والمسرحيات الساخرة التي تسخر من تدمير المنازل والأماكن العامة والمواقع التراثية.
وفكّك مقال الحركة خطاب الإبادة الجماعية الموجّه ضد سكان قطاع غزة عند السياسيين والمؤثرين الإسرائيليين، ولاحظ أنه جاء نتيجةً طبيعيةً لمسار الإفلات من العقاب عند الإسرائيليين، كذلك فإنه يورّط الكيان أمام القانون الدولي، وأمام عائلات الرهائن.
خطاب الإبادة علني في إسرائيل
مستشهداً بالعهد القديم، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: "عليكم أن تتذكروا ما فعله العمالقة بكم، كما يقول كتابنا المقدس، نحن نتذكر"، مشيراً إلى النص الذي يقول: "اذهب الآن واهجم على العمالقة ودمر كل ما لهم تدميراً تاماً. لا تعفُ عنهم. اقتل الرجال والنساء والأطفال والرضع والبقر والغنم والجمال والحمير".
وفي دعوته إلى إبادة غزة، صرّح زعيم الحزب الصهيوني التحرري زيهوت، موشيه زلمان فيغلين، علناً بأنه "يجب تدمير غزة وإعادة حكم إسرائيل إلى المكان. هذه بلادنا". وغرّد الصحافي الإسرائيلي، ديفيد مزراحي فيرثايم، قائلاً: "نحن بحاجة إلى رد غير متناسب. إذا لم يُعَد جميع الأسرى على الفور، حوّلوا الشريط إلى مسلخ. إذا سقطت شعرة من رؤوسهم أعدموا السجناء الأمنيين. انتهكوا كل قاعدة في طريقكم إلى النصر". وقال عضو الكنيست الإسرائيلي، آرييل كالنر: "النكبة للعدو الآن! هذا اليوم هو ميناء بيرل هاربور الخاص بنا. وسنظل نتعلم الدروس. الآن هدف واحد: النكبة! نكبة ستطغى على نكبة الـ 48. نكبة في غزة ونكبة لكل من يجرؤ على الانضمام إليهم!"، وانضمت إليه شخصيات عامة أخرى في تأييد استخدام الخيار النووي في غزة.
وفي الكنيست، نشرت العضو، غاليت ديستال عطبريان، على وسائل التواصل الاجتماعي تأييداً لـ"محو غزة بأكملها من على وجه الأرض. غزة بحاجة إلى أن تُمحى". وصرّح عضو الليكود في البرلمان، عميت هاليفي، علناً بأنه "لم تعد هناك أرض للمسلمين في أرض إسرائيل. بعد أن نجعلها أرض إسرائيل، يجب أن نترك غزة كنصب تذكاري، مثل سدوم".
ويُظهر مقطع فيديو انتشر على "تيك توك"، أحد أفراد قوات الاحتلال وهو يعلن أن "جميع الناس في غزة يجب أن يموتوا"، قبل أن يعترف بقتل فلسطينيين. تلا ذلك رقصة احتفالية وقوله: "أريد أن أقتل المزيد والمزيد". وهذا واحد فقط من مقاطع كثيرة على مواقع التواصل تطبّع مع قتل الفلسطينيين.
تقول حركة التضامن العالمية: "يشير الاستخدام الوقح لخطاب الإبادة إلى إعفاء إسرائيل المفهوم منذ فترة طويلة من عواقب انتهاكات القانون الدولي المروعة وانتهاكات حقوق الإنسان".
هل يورّط خطاب الإبادة إسرائيل جنائياً؟
بعد رفع جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة أمام محكمة العدل الدولية، ستمثل إسرائيل أمام المحكمة في لاهاي للرد على هذه الاتهامات.
وبالنظر إلى وفرة خطابات الإبادة الجماعية التي تتدفق بثقة من قبل إسرائيليين، إلى جانب توثيق جرائم الاحتلال ونشرها مباشرةً على مواقع التواصل من قبل الصحافيين والمدنيين الفلسطينيين على الأرض، ترى الحركة أنه سيكون من الصعب تخيل مرافعة فريق الدفاع عن دولة الاحتلال.
وتمثّل العبارات المستخدمة من قبل مسؤولين إسرائيليين، نية مؤكدة لدى مرتكبي الجرائم لارتكاب إبادة جماعية.
الرهائن ليسوا أولوية
تقول الحركة إن ما يُفهم من كل هذه الفظائع أنه، بالنسبة إلى اليمين المتطرف، فإن التدمير والتطهير والخطة النهائية لمحو غزة لا علاقة لها بتحرير الرهائن. إذ عادة ما يتصرّف المفاوضون على الرهائن بحذر مع المحتجِزين، ويسيرون بخفة، ويتحدثون بهدوء، ولا يحرضون لأن لغتهم يمكن أن تشعل فتيل تصعيد قد يؤدي إلى مقتل الرهائن أو الأسرى.
وتخلُص الحركة في بحثها إلى أن هذا الهجوم يدور حول الإبادة المتعمّدة للشعب الغزي وسرقة أراضيه وموارده، إنه "القتل الجماعي واستبدال السكان الفلسطينيين الأصليين وخنق ثقافتهم. إنه محو وتطهير عرقي. إنها إبادة جماعية".
شخصيات إسرائيلية تلجأ للقضاء
بعد 3 أشهر من خطاب الإبادة المتواصل، وبعد استشهاد أكثر من 22438 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 57614 شخصاً، اختارت شخصيات عامة إسرائيلية التحرك، ومطالبة القضاء بملاحقة وزراء ونواب سابقين وحاليين وصحافيين ومشاهير يحرضون على الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة، منددين بصمت القضاء حتى الآن.
هذه الدعوة جاءت في رسالة وجهتها 15 شخصية، الأسبوع الماضي، إلى المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراب ميارا، بحسب ميخائيل سفارد، وهو محامٍ متخصص بالقانون الدولي. سفارد أضاف، في بيان الأربعاء الماضي، أن من الموقعين على الرسالة سفراء وأعضاء كنيست (برلمان) سابقين وصحافيين وأكاديميين، منهم النائب السابق موسي راز، والصحافي عكيفا الدار، والدبلوماسي السابق ألون ليئل. ومضى موضحاً: "طالبنا في رسالتنا باتخاذ إجراءات ضد شخصيات عامة ومسؤولين منتخبين يدعون إلى إبادة سكان غزة وطردهم وتطهيرهم عرقيًا".
سفارد استشهد بدعوات "للإبادة، للتطهير العرقي، لإعدام السجناء (الأسرى)، لإسقاط قنبلة ذرية (على غزة)، "النكبة 2" (لسكان غزة) التجويع، خلق أزمة إنسانية متعمدة واستخدام الأوبئة كإجراءات ضغط عسكرية". وتابع: "سمعنا جميعًا قول وزير التراث أميحاي إلياهو إنه (لا يوجد في غزة شخص غير متورط)، كذلك دعا إلى إلقاء قنبلة نووية على غزة"، وحديث النائب يتسحاق كروزر عن أن (قطاع غزة يجب أن يُسوّى بالأرض)، وليس لهم جميعاً سوى كلمة واحدة، هي الموت".
نزع الإنسانية عن الفلسطينيين
خطاب الإبادة، الذي تصاعدت حدّته حتى أزعج بعض الإسرائيليين أنفسهم، جاء في سياق أوسع، قام منذ بداية العدوان على تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، سواء في الخطابات الإسرائيلية أو حتى في تغطية الإعلام الغربي للمجازر في القطاع. ففي الأسابيع الثلاثة الأولى، غرقت الصحف والقنوات الغربية بالقصص الإنسانية للقتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بينما كان الغزيون مجرد أرقام في عداد الموتى.
جاءت هذه التغطية الإعلامية لتكمل خطاباً سياسياً إسرائيلياً وأميركياً، يرى الفلسطينيين "حيواناتٍ بشريةً" على حدّ وصف وزير دفاع الاحتلال يوآف غالانت مع بداية العدوان. وهو الخطاب الذي كرره الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عن أن "الأمة كاملة (الفلسطينيون في غزة) تتحمل المسؤولية عمّا جرى في أثناء هجوم حماس، وليس صحيحاً القول إن المدنيين في غزة غير ضالعين في الأمر، كان بإمكانهم الانتفاضة ومحاربة (حماس)"، في تجريد واضح للغزيين من إنسانيتهم ومن صفتهم المدنية.