دراما رمضان: وقت مستقطع بين عمليات التسويق والتجميل
- ينتقد النص التسويق الزائد للمسلسلات الرمضانية وتأثير الإعلانات على تجربة المشاهدة، مشيرًا إلى تقطع السرد وتأثير السياسات التجارية على جودة وأسعار المنتجات المعلن عنها.
- يتناول النص موضوع عمليات التجميل بين الممثلين وتأثيرها على الأداء التمثيلي والتعبير الوجهي، مطرحًا تساؤلات حول تأثير التغييرات على المتلقي وتشابه المظاهر بين الممثلات.
من المبكر الحكم، نقدياً أو انطباعياً، على المسلسلات الرمضانية لهذا العام، أو ما اصطلح على تسميتها "دراما تلفزيونية"، وهي تسمية تقبل الأخذ والرد حول صلاحيتها، وهذا مجال بحث نقدي آخر، خاصة أننا نقارب شغلاً بصرياً يحاكي الحياة بشكلها الخارجي، والذي عليه نقل محتوى معنوي يتواصل مع ثقافة المتلقي ويضيف إليها.
وفي بداية هذه العروض التي استهلكت جهداً ومالاً وستستهلك وقتاً من أعمار المشاهدين، ربما علينا أن نسوق ملاحظتين مبدئيتين ليستا على صلة مباشرة بالتعبير الفني، بقدر ما تتعلقان بالقنوات الباثة، وعلاقتها بالمتلقي من ناحية التسويق على التسويق، فتسويق المسلسلات مرتبط بشدة بتسويق الإعلانات التجارية، إذا أغفلنا التسويق الأيديولوجي والسياسي على أنهما مواقف ثقافية.
النقطة الأولى هي كم الإعلانات التجارية المبالغ به الذي يعرض في فواصل مرتجلة، من دون أي تخطيط تقني يجعل توقيتها ذكياً على الأقل، وهكذا تحتاج مشاهدة حلقة "الدراما التلفزيونية" إلى أكثر من ضعف زمنها الحقيقي، ويؤدي ذلك إلى تقطع التسلسل الحكائي، وهو من أسباب سلب متعة استهلاك الفن كجرعة جمالية هدفها الأساسي هو الإمتاع. وهنا يمكننا وضع العديد من الخطوط الملونة تحت كلمة إمتاع. وبسبب سيطرة الفكرة والصورة الإعلانية المتكررة عنوة، يختلط على المشاهد مكان وجوده؛ هل هو في البيت أمام شاشة التلفزيون أم في السوبر ماركت؟ وهذا يقودنا فوراً إلى جودة المنتجات موضوع الإعلانات، قبل الولوج في إمكانية تمويلها من أسرة متوسطة الحال تدفع تكاليف هذه الإعلانات الهادرة للوقت والمتعة، لتصبح أغلى تكلفة من بطاقة سينما لحضور عرض فيلم عالمي.
وبالعودة إلى الجودة، فإن جل هذه المنتجات ذات جودة استهلاكية عادية أو أقل، وليس هناك من طائل للإعلان عنها في هذه الأسواق الصغيرة سوى جعلها ضرورية ضرورة "الدراما التلفزيونية" نفسها بعجرها وبجرها، وذلك بسبب غياب المعايير والمقاييس الموثوقة التي تعرفنا بجودة البضاعة، خصوصاً أن غالبية الإعلانات الرمضانية تذهب باتجاه الأغذية والمنظفات، وخصوصاً أيضاً أن سياسات المحال التجارية الحديثة تفرض الأصناف والأسعار فرضاً، وليست معنية بالجودة بقدر عنايتها بمقدار الطلب، وهنا تبدو المسلسلات التلفزيونية بإعلاناتها أقرب إلى تتمة برامج الطبخ المتكاثرة في الشهر الفضيل، من دون النظر إلى الجيوب الخاوية في البلدان الأكثر إنتاجاً وعرضاً لهذه المسلسلات.
هذا الـ"بزنس" (الدراما التلفزيونية) يتعارض تماماً مع النوايا المعلنة لمنتجيها بأنهم يتمثلون روح الشعب وجوهره النبيل، وكذلك مع نوايا المشاهدين الذين ينتظرون دائماً إدهاشاً ممتعاً وغير مضحوك عليهم به.
النقطة الثانية هي عمليات تجميل الوجه. ربما من فوائد عمليات التجميل، لمحترفي مهنة التمثيل، المحافظة على شكل الوجه الذي تعب الممثل أو الممثلة من أجل تكريسه وإبقائه قريباً وصديقاً للمشاهدين. فالوجه والعينان هي كل أدوات الممثل تقريباً، وفي الغالب يكون قد ألفه المشاهد وأحبه، حتى عند استخدام المكياج الثقيل والخاص.
وهذا ما يأخذنا إلى سؤال مزدوج يتعلق بتأثير الشكل الجديد للوجه على المشاهد: من الذي يقرر صلاحية هذا الوجه المجدد أو ذاك العمل التمثيلي؟ هل هو الممثل نفسه بما يملك من حرية شخصية، أم المتلقي الذي قد يتأذى من هذا التغيير؟ بغض النظر عن الأبشع والأجمل وعن فشل الكثير من عمليات التجميل في إحداث التغيير المطلوب وحتى غير المطلوب، إلا أن المعادلة هنا غير سوية، ومن حق المشاهد رفض مشاهدة هذا الوجه المجدد الذي أحبه سابقاً مع كل عيوبه المفترضة، احتراماً لفن التمثيل وطاقة الممثل الجوانية التي تفرض نفسها على الأسماع والأبصار.
في الغالب تكون عمليات تجميل الوجه مؤثرة في عضلات السحنة المستخدمة من قبل الممثل، لإظهار الانفعالات وردود الفعل. وهنا قد يتسامح المشاهد مع الشكل المستجد للوجه، ولكن الممثل نفسه لا يستطيع تأدية هذه المهارات التأسيسية مرة ثانية، فقد نراه ضاحكاً وهو يقصد البكاء، والعكس صحيح، إذ لا يستطيع التحكم بانفعالات وجهه كما هو معتاد كمحترف، فما يقوي الوجنتين قد يضعف الشفتين أو الحواجب... وبالتالي نصل إلى معنى مختلف عما يقصده هو نفسه في أدائه. وهنا علينا التساؤل هل الهدف من عمليات التجميل تقديم خدمة إلى المهنة، أم القصد تجميل النجم لمط حضوره البهي بدلًا عن حضوره الاحترافي؟
ربما كان تأثير عمليات التجميل أكبر بين الممثلات مقارنة بالممثلين الذين لا يقاومون فكرة تخليد جمالهم بابتسامة كولينوس أو بأنف أقل طولاً أو ضخامة، بينما مظاهر أبنائهم تكشف وراثياً ما قاموا بإلغائه. ولكن بما أن ممثلات درامانا أكثر تطرفاً، فقد سيطرت على الأجواء تعليقات من قبيل "مستحيل... هل هذه فلانة"؟! أو "ماذا فعلت بوجهها لتصبح مسخوطة هكذا"؟ أو "كلهن يشبهن بعضهن البعض، ومن الصعب التمييز بينهن". فعلياً هناك العديد من الممثلات اللواتي لم يتعرف إليهن الجمهور على الرغم من قضائهن سنوات مديدة في المهنة، فالأنوف الجديدة والوجنات والحواجب حولت حجر عيونهن إلى عيون بلهاء تتحرك وتعبر في وجه آخر سابق، وهذا نوع واضح من الغش في المهنة، ما يقدم سلعة رديئة تعبيرياً، مهما كان تغليفها جديداً، وهذا ما يضع الممثل أو الممثلة في خانة إعادة القبول أو الرفض.
هل يحق لهم غشنا بذريعة أنها حرية شخصية؟ أعتقد أن هذا من حقهم، ولكن من حق المشاهدين القبول أو الرفض، كما من حقهم السخرية، فالممثل شخصية عامة، طالما كان للعامّة أمر تلقيه وقبوله أو رفضه، وحتى تمييزه عن الآخرين.
هذا ما استقبلتنا به شاشة الموسم الرمضاني لهذا العام، ونشير إليه من قبيل عدم تبرير التذاكي على المشاهدين الذين قد يمكرون بالمسلسلات المحلية إلى مسلسلات أجنبية ناطقة بالعربية، تكون فيها عمليات التسويق والتجميل ناجحة ومقبولة.