روجا إغناتوفا... 4.5 مليارات دولار تتوارى خلف امرأة

12 يونيو 2024
استقلت إغناتوفا طائرة من صوفيا إلى أثينا عام 2017 واختفت (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- روجا إغناتوفا، المعروفة بـ"ملكة العملات المشفرة"، اختفت في 2017 مع 4.5 مليار دولار، مما أثار شائعات حول مصيرها بما في ذلك إمكانية مقتلها.
- تحقيقات كشفت عن علاقاتها بالعالم الإجرامي والمافيا في بلغاريا، مما يزيد من الغموض حول مكانها الحالي ومصيرها، مع تكهنات تشير إلى إمكانية عيشها تحت هوية مزيفة في آسيا.
- الجدل حول مصيرها يستمر، مع تقارير تشير إلى إمكانية مقتلها، بينما يقدم فيلم وثائقي وكتاب جديدان رؤية شاملة لقصتها المعقدة وصعودها وسقوطها في عالم الجريمة المالية.

أين اختفت روجا إغناتوفا (Ruja Ignatova) ملكة العملات المشفّرة وصاحبة عملة OneCoin، بعد أن هربت بـ4.5 مليارات دولار في عام 2017؟ هل تصدُق الإشاعات التي تقول إنها قُتلت وأُطعمت جثتها لأسماء البحر الأيوني كما كشفت تحقيقات "بي بي سي" الأخيرة؟

ليس من الصعب إيجاد أوجه التشابه العديدة بين احتيال الأميركية إليزابيث آن هولمز (1984)، عبر شركتها ثيرانوس لفحص الدم، والتي أُدينت عام 2016 بالسجن لمدة عقدين، وبين البلغارية الألمانية روجا إغناتوفا (1980)، والتي تعد اليوم أشهر محتالة مطلوبة على قوائم الإنتربول ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، وهي المرأة الوحيدة على هذه القائمة، بعد أن احتالت على 3.5 ملايين مستثمر حول العالم، بإيهامهم بعملة افتراضية مشفرة على غرار بيتكوين، أطلقتها في 2014 باسم OneCoin. وصُنّف احتيال إغناتوفا الذي وصلت قيمته إلى 4.5 مليارات دولار، ثاني أكبر عملية احتيال في التاريخ، بعد احتيال الأميركي بيرني مادوف الذي استمر لثلاثة عقود في وول ستريت، ولم يكتشف إلا نهاية 2008، وقدرت عملية احتياله بـ65 مليار دولار.

في سبتمبر/أيلول 2019، بدأت إذاعة بي بي سي البريطانية سلسلة بودكاست حول القصة الغريبة لروجا إغناتوفا، إذ كشفت من خلالها تفاصيل عملية الاحتيال. مع تضييق خناق المحققين في ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية عليها، استقلت إغناتوفا طائرة من صوفيا إلى أثينا في أكتوبر/تشرين الأول 2017، ولم يظهر لها أثر بعد ذلك.

في تقريرها الذي نشرته أخيراً، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية عن معلومات مؤكدة بأن إغناتوفا استعانت بشخصية إجرامية كبيرة في عالم المافيا البلغارية لحمايتها، وهو خريستوفوروس نيكوس أماناتيديس، المعروف باسم تاكي. ووفقاً لريتشارد راينهارت، أول من بدأ التحقيق في قضية OneCoin لمصلحة الضرائب الأميركية، فإن تاكي "أحد أكبر رجال المافيا في بلغاريا، وكان المسؤول عن حماية روجا إغناتوفا في جميع تحركاتها".

يبدو أن وثائق يوروبول (Europol) المسرّبة تؤكد هذه المعلومات، إذ تظهر أنه قبل اختفاء إغناتوفا عام 2017، ربطت الشرطة البلغارية بينها وبين نشاطات تاكي الإجرامية، مستنتجة أن تاكي استخدم الشبكة المالية لشركة OneCoin لغسل عائدات اتجاره في المخدرات.

في بلغاريا، يتمتع تاكي بمكانة أسطورية جعلت منه معادلاً لـ إل تشابو أو بابلو إسكوبار، فالرجل يملك إمبراطورية ضخمة للجريمة المنظمة وتهريب المخدرات، وله أذرع عنكبوتية وسط السياسيين وذوي السلطة ولا يمكن الإيقاع به. وبالرغم من التحقيق معه في بلغاريا أكثر من مرة بتهمة السطو المسلح وتهريب المخدرات والقتل العمد، فإن السلطات لم تنجح في إدانته قضائياً حتى الآن. ووفقاً لتحقيقات الإذاعة البريطانية، يُعتقد أن تاكي يعيش الآن تحت هويات مزيفة في إحدى المدن الآسيوية، حيث اشترت إغناتوفا شقة فاخرة، وتلقّت حساباتها المصرفية عشرات الملايين من الدولارات من عملية الاحتيال باسم OneCoin.

وعلى الرغم من عدم وجود أي وثائق تثبت تورط تاكي منذ البداية مع OneCoin، فإن مصادر عدة تقول إن إغناتوفا وتاكي كانا على علاقة شخصية وثيقة وأنه الأب الروحي لابنتها. وقال أحد المصادر البلغارية المقربة من إغناتوفا لـ"بي بي سي"، إنها ربما دفعت لتاكي ما يصل إلى 100 ألف يورو شهرياً مقابل حمايتها. ويبدو أن هناك علاقات مالية أكثر تعقيداً بين إغناتوفا وتاكي، فتشير وثائق "يوروبول" إلى صفقة مشبوهة لبيع قطعة أرض على ساحل البحر الأسود في بلغاريا، تربط إحدى شركات إغناتوفا بزوجة تاكي.

عام 2019، اتّهم مكتب المدعي العام الأميركي في مانهاتن، روجا إغناتوفا، غيابياً بالاحتيال الإلكتروني والاحتيال في الأوراق المالية وغسل الأموال، وأُضيف اسمها إلى قائمة "أكثر عشرة هاربين مطلوبين" لمكتب التحقيقات الفيدرالي في يونيو/حزيران 2022، والذي أعلن عن مكافأة قدرها 250 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليها. وإن حدث، فستواجه إغناتوفا بعده عقوبات بالسجن تصل إلى 90 عاماً.

عام 2022، تسلّم الصحافي البلغاري ديميتار ستويانوف وفريقه في موقع الأخبار الاستقصائية bird.bg تقريراً للشرطة عُثر عليه في منزل ضابط شرطة مقتول، يثبت شهادة لأحد المحققين يقول فيها إنه سمع صهر تاكي، وهو في حالة سكر يقول إن إغناتوفا قُتلت بناء على أوامر من تاكي أواخر 2018، وقُطّعت جثتها وأُلقيت للأسماك في البحر الأيوني بين اليونان وإيطاليا.

ووفقًا لستويانوف، فقد هُدّد هو وفريق عمله قي موقع bird.bg بالقتل منذ بدؤوا نشر تحقيقات السلطات الأميركية والبلغارية والألمانية مع إغناتوفا، ما دفعه إلى مغادرة بلغاريا مؤقتاً. وعلى الرغم من تشكيكه في أن يكون تاكي هو السبب في اختفاء أو مقتل إغناتوفا، فإنه يؤكد وفقاً للوثائق التي يملكها، أن غالبية ممتلكات إغناتوفا يستخدمها الآن أشخاص على علاقة بتاكي نفسه، لكن الشرطة البلغارية لا تملك أي دليل حتى الآن على هذه الجريمة، خاصة مع عدم العثور على جثة إغناتوفا حتى الآن.

وقد تلقى فريق "بي بي سي" القائم على بودكاست "ملكة العملات المشفرة المفقودة" العديد من البلاغات حول أماكن وجود إغناتوفا المحتمل بعد وقوع جريمة قتلها المزعومة، بما في ذلك تفاصيل عملية فاشلة للشرطة اليونانية للقبض عليها عام 2022، ما جعل المحققين يشكّون في أن تكون شائعات مقتلها مجرد مناورة أخرى لإبعادها من جديد عن الأنظار.

الغريب في قصة روجا إغناتوفا، هو ما جاء به الفيلم التسجيلي الجديد الذي أطلقته "بي بي سي" قبل أيام تحت عنوان "ملكة العملات المشفرة المفقودة: حية أم ميتة؟"، إذ كشف عن اختفاء الشخصيات التي تورطت مع إغناتوفا في عملية الاحتيال باسم العملة المشفرة OneCoin واحداً بعد الآخر، في عمليات قتل أو اختفاء غامضة تذكرنا بعمليات المافيا العابرة للحدود، ومن هؤلاء كراسيمير كامينوف، والمعروف باسم كورو (Kuro)، الذي كان شريكاً لتاكي في عملياته الإجرامية، ومطلوب من الإنتربول بتهم القتل، إلا أنه اغتيل في منزله في كيب تاون مع زوجته واثنين آخرين من أعوانه في مايو/أيار 2023، ولا تزال الشرطة في جنوب أفريقيا تبحث عن القتلة.

كذلك، كشف الفيلم الوثائقي عن اختفاء فرانك شنايدر، وهو جاسوس سابق في مخابرات لوكسمبورغ، استعانت به إغناتوفا كأحد مستشاريها المقربين في OneCoin. وفي إبريل/نيسان 2021، ألقت الشرطة الفرنسية القبض عليه بطلب من الولايات المتحدة، وتأجّل تسليمه حتى سبتمبر من ذلك العام. وفي هذه الأثناء، انقلب شنايدر على إغناتوفا سعياً منه إلى تخفيف الأحكام القضائية بحقه. وسرب كثيراً من الوثائق التي تدينها إلى جهات التحقيق السرية، قبل أن يختفي هو الآخر عن الأنظار كأنه لم يكن، رغم وجوده في قبضة الشرطة الفرنسية، لتصادر شرطة نيوزيلندا في 2024 عقاراً له في ويلينغتون ومبلغ 462 ألف دولار نيوزيلندي، وكلاهما مرتبط بحسابات شنايدر البنكية التي يعتقد أنها من عائدات OneCoin الخرافية.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

في أغسطس/ آب 2022، أصدر المراسل الاستقصائي البريطاني جيمي بارتليت كتابه "ملكة العملات المشفرة المفقودة". يؤرخ الصحافي في كتابه رحلة صعود إغناتوفا من عائلة من الطبقة العاملة في مدينة روسه (Ruse) الساحلية البلغارية، حتى هجرتها مع أسرتها إلى ألمانيا، لتصبح إحدى خريجات جامعة أكسفورد البارزات، وتواصل مسيرتها المهنية الناجحة في مجال التمويل، قبل أن تطلق عملة OneCoin التي جعلت منها أغنى محتالة على وجه الأرض، هذا إن كانت لا تزال حية أصلًا، أما إن صدقت إشاعات مقتلها وإطعام جثتها لأسماك البحر الأيوني، فهكذا تصبح روجا إغناتوفا أغلى وجبة تحصل عليها الأسماك حتى يومنا هذا.

المساهمون