رغم تحذير الجهة المنظمة له بعدم الحديث عن فلسطين إذا ما فاز بالجائزة، إلا أن المغني مروان عبد الحميد، المعروف باسم سانت ليفانت (Saint Levant)، تجاهل التحذير بعد إعلان حصوله على لقب رجل العام في فرنسا، ليصعد إلى المنصة، ويحادث الحضور في ما أراد المنظمون السكوت عنه.
كشف ليفانت في خطابه عن رغبة المنظمين، وهي مجلة GQ Middle Esat، لكنه أوضح أنه لا يستطيع البقاء صامتاً بينما "يقتل الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 75 عاماً، أكثر من ثمانية آلاف طفل فلسطيني.. إنه ليس صراعاً، إنه احتلال عمره 75 عاماً".
انتهز سانت ليفانت الفرصة، ليؤكد في كلمته: "إذا كان لدي الوقت، سأخبركم قصة الأطفال الفلسطينيين. كل هؤلاء الأطفال كان لديهم صوت، وجسد، ووجه، واسم، وأحلام مثلنا جميعاً، وهذه الجائزة لهم"، قائلاً: "اليوم جسدي في باريس وقلبي في غزة، المدينة التي نشأت فيها والتي أغني لها".
سانت ليفانت... بين القدس وغزة
المغني الشاب ذو الـ23 ربيعاً ترجع أصوله إلى فلسطين، إذ ولد في مدينة القدس المحتلة، ثم انتقل في عمر السابعة، لدى اندلاع الانتفاضة الثانية، إلى غزة، بعدما أسس والده فندقاً في المدينة. نشأ ليفانت في بيئة متعددة الثقافات؛ فأبوه فلسطيني ـ صربي، وأمه جزائرية ـ فرنسية.
يستعيد سانت ليفانت أيامه في غزة دائماً؛ فيحكي عنها في لقاءاته، لكونها لا تزال تجلب له مشاعر الدفء، فيقول في إحدى مقابلاته إنه ما زال يتذكر "صوت الطائرات من دون طيار، وطعم الأكل، والشعور الغريب بالتربة".
هذه المشاعر رسّخت إحساس الانتماء لدى ليفانت، فسفره المستمر وتعرفه إلى أناس من مختلف بلدان العالم، لم يبدلا من قناعته التي يحتفظ بها، ومفادها أنّ "الفلسطينيين أكثر الناس محبة على هذا الكوكب".
قبل الشهرة، غادرت عائلة ليفانت غزة إلى الأردن في عام 2007، حيث عاش 10 سنوات، انتقل بعدها إلى كاليفورنيا في الولايات المتحدة. وهناك، لم يتطلب الأمر سوى أغنية واحدة لكي تمسي سيرته موضع اهتمام عالمي.
حققت أغنيته Jerusalem Freestyle التي صدرت في أواخر 2020 نجاحاً مهماً، إذ حصدت مئات الآلاف من الاستماعات، تلاها نجاح أكبر، مع "نيرفانا في غزة"، بينما حصدت أغنيته Very Few Friends، التي قدمها بالعربية والإنكليزية والفرنسية، والصادرة في 2022، عشرات الملايين من المشاهدات على يوتيوب وتيك توك وإنستغرام وسبوتيفاي.
قبل الدخول في صناعة الموسيقى، كان ليفانت يقضي معظم وقته في التواصل عبر "لينكد إن"، من أجل تأسيس شركته الناشئة وقتها، التي أطلق عليها اسم Home Grown، واعتنت بالربط، لأغراض استثمارية، بين الفلسطينيين في الشتات من جانب، ورواد الأعمال في فلسطين من جانب آخر. وبحسب ليفانت، كانت الشركة تتولّى كثيراً من أعمال التنمية الاقتصادية.
من غزة، مع الحب
هذه السيرة تشي بأن مروان لم يتخلّ عن هويته عندما بدأ مسيرته المهنية. كذلك، فإن ألبومه الذي صدر في مارس/آذار الماضي، جاء بعنوان "من غزة، مع الحب" (From Gaza, With Love) وفيه يتحدث عن كفاحه حتى غادر غزة، والشعور بالذنب الذي نجا منه، كذلك شعوره بالتشرد: "هي قصيدة للمكان الذي قضيت فيه السنوات السبع الأولى من حياتي، مدينة جميلة على البحر مليئة بالحب والذكريات، وللأسف مليئة أيضاً بالألم الكبير والمعاناة والقمع".
ينبع نشاط سانت ليفانت على الدوام من اهتمامه الصادق بشعبه وثقافته. وإلى جانب عمله الفني، أسس الشاب زمالة أسماها 2048، وهي عبارة عن "برنامج مدته عام مصمم لدعم المبدعين الفلسطينيين من خلال الدعم المالي والإرشادي".
أما عن سر التسمية، التي تشير إلى مرور قرن على النكبة، فيقول عبد الحميد، في مقابلة سابقة معه: "2048 هو عالم أتخيل فيه فلسطين حرة، وكفلسطيني يحيا خارج وطنه، لدي الكثير من الامتيازات، أحدها القدرة على تصور مستقبل شعبي، مستقبل لا توجد فيه نقاط تفتيش، ولا حدود، ولا جنود دوريات".
واجه ليفانت خلال مشواره، الذي لم يتعدّ بضع سنوات، اتهامات تتعلق بابتذال ما يقدمه، خصوصاً بعد ظهور نجمة الأفلام الإباحية السابقة ميا خليفة في أحد كليباته. مع ذلك، هناك دائماً من يدافع عنه، ففي منشورعلى منصة إكس، علّق أحد متابعيه على هذا الاتهام، قائلاً: "إنه ظريف. هناك بعض الناس يعتقدون أن ذوقهم يتعرض للتهديد إذا ما أحبوا شيئاً لا ينتمي إلى المألوف لهم، في حين أن عليهم فقط ألا يأخذوا كل شيء بجدية بالغة".
خلافاً لهذا الاتهام، يرى ليفانت أن أغانيه تحمل فكرة أساسية، متمثلة بتحدي الصور النمطية السلبية عن شعوب الشرق الأوسط، ويقول إنه معنيّ على الدوام بأن يكون صوتاً للمهمشين والمضطهدين كافة.
يرى المغني الفلسطيني الأصل، أن فنه يتبع خطى إدوارد سعيد من خلال "استعادة الخيالات الاستشراقية التي أملت الجغرافيا السياسية لمنطقتنا على مدى القرون الثلاثة الماضية"، والسخرية منها. وحسب رؤيته، فإن الفن تاريخياً هو أكثر الطرق فعالية لتغيير الثقافة، ويأمل ليفانت أن يكون له دور في نطاق هذا الإطار.
كان من المقرر أن يقدم المغني الشاب جولة موسيقية في واشنطن، في أكتوبر الماضي، لكنه أعلن من خلال موقعه الشخصي وحساباته على مواقع التواصل إلغاء الجولة، بسبب ما يجري في الأراضي المحتلة، مطالباً متابعيه بأن يتفهموا الأمر، وأن يبقوا غزة وفلسطين في بالهم دائماً.
جاءت غالبية التعليقات مشجعة وداعمة لقراره، واصفة إياه بأنه رجل مبدأ، وهو أمر يحتاجه كثيراً في مشواره الفني حتى يوازن بين مشهدين أو عالمين يحاول سانت ليفانت التقريب بينهما، ليصنع خطاً يميزه، فلا يمسي مجرد مغنٍّ آخر.