بعد انفجار مرفأ بيروت، وجدت اللبنانية، حياة ناظر، في الفن الوسيلة الفضلى لتنقل إلى العالم رسالة تحمل كل معاني الوحدة والتضامن. من خلال تمثال "سيدة الحرية اللبنانية"، عبّرت الفنانة عن مشاعر مختلطة تخالجها بعد انفجار بيروت الذي حصد 200 قتيل، و6500 إصابة، وتسبب بدمار كبير.
شاركت الفنانة حياة ناظر في الثورة التي وجدتها تعبر عن ألم كل مواطن من بدايتها، وكانت لها تجارب عديدة في تحف فنية معبّرة قدمتها؛ فحملت كل منها رسالة هادفة تمس كل مواطن، إحداها مجسّم طائر الفينيق الشهير الذي وضع في ساحة الشهداء، والذي صنع من بقايا خيم المتظاهرين المكسّرة في الموضع نفسه. كما كانت ترسم الغرافيتي ولوحات تعبّر من خلالها عن ألم أو مشاعر أخرى تنقلها إلى الناس، إضافة إلى آرائها السياسية والاجتماعية.
أما تمثال "سيدة الحرية اللبنانية"، فأتى مكملاً للرسائل التي قدمتها سابقاً من خلال الفن؛ إذ أرادت من خلاله أن تخلّد ذكرى شهداء الانفجار، وأن تكون أيضاً مصدر أمل للبنانيين بعد هذه الكارثة التي حلّت بهم وفقدوا بسببها الكثير من الناحيتين المادية والمعنوية.
كانت ناظر قد بدأت بتقديم الدعم للمواطنين من خلال المساعدة في إزالة الردم. فمدت يد العون لأن الألم لم يصب من خسروا أهلهم ومنازلهم فحسب، بل كان كل لبناني معنياً ومتألماً. في تلك الظروف، أتتها فكرة استخدام الردم، الذي يشكل بالنسبة لها أحد العناصر الأساسية في هذه الكارثة، التي أرادتها أن تبقى في الذاكرة. أما الهدف الفعلي من وراء هذا العمل، فكان أن تحث اللبنانيين على الاتحاد والتضامن، لأن في ذلك مصدر قوتهم ليحققوا أهدافهم. تشير ناظر إلى أنه من خلال الفن، يمكن أن تساعد في التئام الجروح وتعافي المواطنين المتألمين. فما كان أمامها وسيلة أخرى، وفق ما توضحه لتقبل الواقع، على الرغم من مرارته، والمضي قدماً سعياً إلى بناء ما تهدّم حتى تستعيد بيروت عافيتها.
كما يحمل تمثال "سيدة الحرية اللبنانية"، في كل تفصيل فيه، ذكرى كل من الأرواح التي فقدها لبنان فيخلّدها بطريقة فنية معبّرة.
طوال أسابيع، راحت الفنانة تجمع من الردم ما يمكن أن تستخدمه لإنجاز التمثال من معادن وزجاج مكسور، وغيرها من المواد المتبقية من المنازل المهدمة التي يمكن أن تساعد في بناء التمثال. واللافت، وفق ما توضحه، أنها عندما كانت تطلب من الناس إعطاءها ما يمكن أن يُستخدم في بناء التمثال، كانوا يعطونها أغراضاً قيّمة من الطفولة، ومنهم من أعطاها أغراضاً كانوا يحفظونها لأطفالهم، فاجتمعت ذكريات كثيرة ومشاعر في هذا التمثال بشكل يصعب تصوّره للوهلة الأولى.
بفضل كل ما تمكنت أن تحصل عليه من بقايا وردم وزجاج مكسور، وأغراض تحمل ذكريات لا تعد ولا تحصى، أنجزت التمثال الذي تحمل فيه امرأة علم لبنان وشعرها يطير في الهواء، وهي تحمل ساعة تحدد فيها الساعة السادسة والدقيقة الثامنة، اللحظة التي بدّلت مسار لبنان واللبنانيين.
فيما كانت تعمل على إنجاز التمثال، كانت ناظر تدرك، على حد قولها، أنه قد يكون ممكناً إعادة بناء المنازل وترميمها، أما ما لا يمكن استعادته فهي الذكريات. وتشدد على أهمية الحرص على عدم نسيان ما حصل أو محوه من الذاكرة. وهذه أيضاً رسالة أرادت أن تنقلها من خلال التمثال الذي أنجزته والذي حمل في تفاصيله ذكريات اجتمعت بطريقة فنية هادفة. فمن خلاله أردت أن ترفع الصوت عالياً لتعبّر عما في داخلها وفي داخل كل مواطن فتدعو الكل إلى حفظ هذه الذكرى للمواجهة حتى الرمق الأخير.
مؤخراً، قررت ناظر أن تترك عملها في الاتصالات لتتفرغ للفن، معتبرة أنه وحده يبدو قادراً على إحداث التغيير الذي تبحث عنه اليوم في مثل هذه الظروف. فقد شعرت برغبة في الاتجاه إلى الفن حصراً كوسيلة للتعبير والتغيير من حولها، علّها تتمكن من أن تترك في مكان ما الأثر الإيجابي الذي تبحث عنه، على طريقتها.