تتصاعد الخطوات التي تتخذها الحكومة التونسية لتقييد حرية الرأي والتعبير على منصات التواصل الاجتماعي.
كان الرئيس التونسي قيس سعيّد أصدر المرسوم عدد 54 في 13 سبتمبر/ أيلول 2022، المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصالات، واعتبرته المنظمات الحقوقية والمهنية، ومنها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، سيفاً مسلطاً على رقاب كل الناشطين الإلكترونيين وتضييقاً على حرية الرأي والتعبير، وطالبت بإلغائه بشكل فوري، وهو ما لم تستجب له السلطات التونسية، بل واصلت إعطاء تعليمات بملاحقة ومتابعة كل عمليات النشر الإلكتروني التي تعتبر مسيئة للنظام.
وأصدرت ثلاث وزارات تونسية، هي العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال، مساء الأربعاء، بياناً مشتركاً أعلنت فيه أنها ستلاحق بصفة مشتركة كل الجرائم الإلكترونية وتحاكم مرتكبيها، وأنّها ستتصدّى لصفحات التواصل الاجتماعي التي تسعى للمسّ بمصالح الدولة التونسية ومواطنيها عبر نشر الإشاعة والأخبار الكاذبة.
وأشار البيان إلى إنّ الوزارات أثارت جملة من القضايا للكشف وملاحقة أصحاب "الصفحات والحسابات والمجموعات الإلكترونية التي تعمد إلى استغلال هذه المنصات لإنتاج وترويج أو نشر وإرسال أو إعداد أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة أو نسبة أمور غير حقيقية، بهدف التشهير وتشويه السمعة أو الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام والسلم الاجتماعي والمساس بمصالح الدولة التونسية والسعي لتشويه رموزها".
وحذرت "كلّ من يساهم أو يشارك في نشر محتوى موقع أو صفحة محلّ تتبع عدلي أو جزائي بأيّ طريقة كانت بداخل أو خارج التراب التونسي"، معلنةً أنّها ستنشر قوائم تحدّث بشكل دوري بأسماء الصفحات والمواقع المشبوهة.
وجاء البيان بعد ساعات من اجتماع أشرف عليه الرئيس التونسي في قصر قرطاج، وشارك فيه وزراء وقيادات أمنية.
وقال سعيّد، وفقاً لبيان أصدرته الصفحة الرسمية للرئاسة، إنّ "التهديد بالقتل وهتك الأعراض وبث الإشاعات والسب والشتم لا علاقة لها بحرية التفكير ولا بحرية التعبير، ولا تراجع في مواجهة هذا الانفلات عن هذه الحريات أو غيرها كما يشيع ذلك أصحاب بعض المواقع التي توصف بأنها اجتماعية. فهذه الحريات وغيرها ضَمِنها الدستور وسائر التشريعات الوطنية والصكوك الدولية ولكن لا مجال للتردد في إنفاذ القانون لأفعال يُجرّمها القانون".
واعتبرت هذه الإجراءات من قبل العديد من الوجوه الحقوقية التونسية لبنة جديدة في سياسة التضييق على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، التي تنتهجها السلطات التونسية منذ فترة. وأكد الصحافي مراد الزغيدي، في البرنامج الصباحي على إذاعة إي أف أم الخاصة، اليوم الخميس، أنّ البيان "خطير ولا يمتلك الحجية القانونية، وهو خطوة في التضييق على حرية التعبير خاصة".
واعتبر الزغيدي أنّ شمل من يشارك المنشورات ويتفاعل معها بالعقوبات "سابقة خطيرة"، وهو الأمر الذي وافقه عليه الصحافي زياد الهاني الذي رأى أنّ "المسألة خطيرة" و"تنمّ عن رغبة من السلطات التونسية في ضرب حرية الرأي والتعبير التي تعيش واحدة من أسوأ فتراتها في تونس".
كذلك، تفاعل عدد من الحقوقيين مع بيان الوزارات الثلاث، مؤكّدين أنّه "تهديد حقيقي لحرية التعبير يضاف إلى التهديد الحاصل بالمرسوم عدد 54"، وسط مطالبات لقوى المجتمع المدني والهياكل النقابية بالتحرك وإعلان رفضها لإجراءات التضييق على حرية الصحافة والرأي والتعبير، التي شهدت تراجعاً كبيراً بعد قرارات الرئيس التونسي الاستثنائية في 25 يوليو/ تموز 2021.