استمع إلى الملخص
- صعود "سي نيوز" يثير قلق الصحافة الفرنسية ويعتبر تحولاً في المشهد الإعلامي والسياسي، مع مقارنات بينها وبين "فوكس نيوز" الأمريكية لتأثيرها المحتمل في تشكيل الرأي العام ودعم اليمين المتطرف.
- القناة تواجه انتقادات وإنذارات من هيئة تنظيم الاتصالات بسبب تصريحات مثيرة للجدل حول الهجرة والإسلام، مما يبرز التحديات في التوازن بين الحرية التحريرية والمسؤولية الإعلامية في فرنسا.
أعلنت مؤسسة ميديا ميتري لقياس نسب المشاهدات الإعلامية في فرنسا عن تصدّر القناة الإخبارية الفرنسية سي نيوز قائمة القنوات الإخبارية الأكثر مشاهدة خلال مايو/أيار الماضي؛ وبهذا تكون القناة قد حقّقت المركز الأول للمرة الأولى منذ تأسيسها.
إذاً نجحت "سي نيوز" بتجاوز قناة بي إف إم، بعد منافسة شرسة بين القناتين الإخباريتين في عرض قضايا الهجرة والإسلام في فرنسا، والعدوان الإسرائيلي على غزة... وتصوير كل ما سبق كداء مركزيّ يُصيب البلاد. القناتان تحملان خطّاً تحريريّاً يتماشى بتناسق تامّ مع أفكار أحزاب اليمين المتطرّف في فرنسا. لا يتركان مجالاً للشكّ بحملهما "أيديولوجيا" سياسية، وكان قد سبق للرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون أن قال إن فينسان بولوري، وهو مالك مجموعة "كانال بلوس" التي تملك قناة سي نيوز، رجل يحمل مشروعاً سياسياً. وهو ما يشرح ربما الدور الواضح الذي تلعبه قنوات إعلامية خاصة في صعود اليمين المتطرّف كمشروع سياسي.
لم تتلقّ الصحافة الفرنسية الخبر بشكل عادي، بل كان وقعه كبيراً ومُثيراً للمخاوف. في اليوم التالي، اختارته صحيفة ليبراسيون الفرنسية موضوعاً لصفحتها الأولى، وأفردت له مساحة من عددها، مُحاولة فهم معاني ودلالات أرقام المشاهد المرتفعة لهذه القناة. أرفقت الصحيفة الخبر بعنوان "سي نيوز: البثّ القذر للخوف"، واعتبرت في افتتاحيتها أن الخبر يعني "تحوّلاً كبيراً في المشهدين الإعلامي والسياسي الفرنسي وتهديداً للديمقراطية". هذا التهديد فسّرته الصحيفة بأنه تجلٍّ لتشابه أداء القناة بأداء زميلتها الأميركية "فوكس نيوز" التي أوصلت دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية. فماذا يعني أن تصير "سي نيوز" القناة الإخبارية الأكثر مشاهدة في فرنسا؟ وما هي هوية هذه القناة؟
وصلت نسبة مشاهدة قناة سي نيوز الإخبارية الفرنسية، حسب إحصاءات مؤسسة ميديا ميتري لشهر مايو الفائت، إلى 2.8%، بينما بلغت مشاهدات قناة بي أف أم 2.7%، ما يجعل "سي نيوز" في الصدارة. القناة التي شبّه الإعلامي الأول على هوائها باسكال برود ما حققته بالانفجار، هو نفسه الذي سبق له وخرج على الهواء مباشرة بنظريّة العلاقة ما بين غزو حشرة البقّ لفرنسا بالمهاجرين وأعدادهم.
هذه القناة يُقاطعها جزء كبير من اليسار السياسي في فرنسا، بينما تفرد هي أكثر وأكثر هواءها لأصحاب الفكر اليميني المتطرّف. وكانت القناة جزءاً من الدعم الكبير لحملة السياسي الفرنسي إيريك زيمور إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. صحيفة ليبراسيون الفرنسية أجرت لقاءً مع الباحث في مجال العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا جوليان لابار الذي نشر في منتصف يناير/ كانون الثاني دراسةً حول مجموعة "كانال بلوس". وجد لابار في دراسته أن جمهور هذه القناة في أغلبه يؤيد أو يميل إلى اليمين المتطرّف في تصويته في الانتخابات الرئاسة الفرنسية، سواء في الدورة الأولى أو الثانية. ويُقارن لابار مشاهدي قناة فوكس نيوز الأميركية بمشاهدي "سي نيوز" الفرنسية، ويجد تشابهاً مثيراً في تطابقه: أيديولوجياً الجمهوران هما الأقرب بعضهما لبعض مقارنةً بقنوات فرنسية أخرى. وفي سياق مقارنته لتغطية "فوكس" للانتخابات التي أفضت إلى وصول ترامب إلى الرئاسة، وتغطية "سي نيوز" لحملة زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يخلص إلى أن "سي نيوز" تفوّقت على معلّمتها "فوكس نيوز".
هذه المقارنة بين القناتين شغلت صحيفة ليبراسيون التي اعتبرت أن القناتين تستخدمان وصفةً واحدة: التوقف عن الانشغال بالمعلومة، أو التحقّق، أو النزول إلى أرض الميدان، واستبدالها ببثّ الخوف والكراهية والغضب.
وتتلقى قناة سي نيوز بكثرة إنذارات من هيئة تنظيم الاتصالات السمعية والبصرية الفرنسية. كان آخرها، في مايو، بعد تغريمها بمبلغ 50 ألف يورو إثر قول الصحافي العامل فيها جيوفري لوجون إن معاداة السامية واكتظاظ السجون ليسا إلّا نتائج "للهجرة العربية – الإسلامية إلى فرنسا". وفي فبراير/شباط، وكلت الهيئة طرفاً محايداً للنظر في احتمال تغريم القناة بعدما خرج على هوائها كلامٌ اعتبر أن الإجهاض "هو السبب الأول للوفيات حول العالم". اعتذرت المحطة بعد بثّ هذا الكلام.
تستحقّ القناة صفحات خاصة، ولن تتّسع، للتصريحات التي خرجت على هوائها، سواء على لسان الإعلاميين العاملين فيها أو من خلال الضيوف الذين لا يجدون في أغلب الأحيان شخصاً واحداً لمعارضة كلامهم.