مثل الرئيس التنفيذي لـ"تيك توك"، شو تشو، أمام الكونغرس مساء أمس الخميس للإدلاء بشهادته، بعد تهديد بحظر التطبيق في الولايات المتحدة، للاشتباه بعلاقات بين شركة بايتدانس المالكة والحكومة الصينية. وتعرض تشو على الفور لانتقادات شديدة من المشرعين الأميركيين، في الجلسة التي استمرت نحو خمس ساعات.
وافتتحت النائبة رئيسة لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب، كيثي مكموريس رودجرز، الجلسة بشنها هجوماً لاذعاً على "تيك توك"، وقالت لتشو: "يجب حظر منصتك". وأضافت أن "المستخدمين الأميركيين لتيك توك، البالغ عددهم 150 مليوناً، هم أميركيون يمكن للحزب الشيوعي الصيني جمع معلومات حساسة عنهم".
وحاول تشو الدفاع عن التطبيق، فأكد على استقلال "تيك توك" عن الصين وتضخيم علاقاته مع الولايات المتحدة. وقال السنغافوري البالغ 40 عاماً: "تيك توك نفسه غير متوفر في الصين، ومقرنا الرئيسي في لوس أنجليس وسنغافورة، ولدينا اليوم سبعة آلاف موظف في الولايات المتحدة". وأضاف: "ومع ذلك، نسمع مخاوف مهمة بشأن إمكانية وصول الأجانب غير المرغوب بهم إلى البيانات الأميركية والتلاعب المحتمل بنظام تيك توك في الولايات المتحدة". وتابع تشو أن النهج الذي يعمل به "لا يرفض، أو يقلل من أهمية أي من هذه المخاوف"، مشدداً بالقول: "لقد حددناها وتعاملنا معها".
وواجه "تيك توك" اتهامات بأنه يشارك بيانات مستخدميه الأميركيين مع الحكومة الصينية، وأن الشركة تتقاعس عن توفير حماية ملائمة للأطفال من الإيذاء.
ويتعرض التطبيق، المملوك لشركة بايتدانس الصينية، لضغوط هائلة من دول غربية عدة، مع مطالبة مسؤولين حكوميين في الولايات المتحدة وفي مفوضية الاتحاد الأوروبي وكذلك المملكة المتحدة وكندا بحذف التطبيق من أجهزتهم. كذلك، نصحت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، الثلاثاء، موظفيها بحذف "تيك توك" من هواتفهم.
ونظراً لأن الحكومة الصينية تتمتع بنفوذ على الشركات الخاضعة لولايتها القضائية، فإن هناك مخاوف من أن تضطر "بايتدانس"، وبالتالي "تيك توك"، إلى التعاون مع مجموعة واسعة من الأنشطة الأمنية للحكومة الصينية، بما في ذلك ربما نقل بيانات مستخدمي التطبيق.
وقال تشو في تصريحاته الأولى إن "شركة بايتدانس ليست تابعة أو خاضعة لسيطرة الحكومة الصينية، وهي شركة خاصة". لكنه أشار إلى أن بعض البيانات الأميركية ما زالت متاحة لموظفي الشركة في الصين، قائلا: "اليوم، لا تزال هناك بعض البيانات التي نحتاج إلى حذفها".
وأكدت وزارة الخارجية الصينية، صباح اليوم الجمعة، أنها "لم ولن تطلب من أي شركة توفير البيانات أو المعلومات الاستخباراتية الموجودة في البلدان الأجنبية". وأوضحت الناطقة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ، في إفادة دورية، أن بكين "لم ولن تطالب الشركات أو الأفراد بجمع أو تسليم بيانات أجنبية، بطريقة تنتهك القانون المحلي"، مضيفة أن الحكومة الصينية "تولي أهمية كبيرة لحماية خصوصية البيانات".
وقالت ماو: "لم تقدّم الحكومة الأميركية حتى الآن أي دليل على أن تيك توك يشكّل تهديداً لأمنها القومي، وبدلاً من ذلك، قدّمت افتراضات بالذنب، ومارست القمع غير المبرر" ضد الشركة. وأضافت: "لاحظنا أيضاً أن البعض في الكونغرس الأميركي صرّح بأن السعي لحظر تيك توك هو اضطهاد سياسي ينم عن كراهية الأجانب".
إلى ذلك، سألت السيناتور ديانا ديجيت، في جلسة الاستماع أمام لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب، تشو عما يفعله "تيك توك" لمنع انتشار المعلومات المضللة. وأضافت ديجيت: "لديكم ضوابط حالية، لكنها لا تعمل على إبعاد هذه المعلومات بشكل رئيسي عن الشباب، وعن الأميركيين عامة".
وأكد تشو أن الشركة تستثمر في إدارة المحتوى والذكاء الاصطناعي، للحد من هذه المنشورات. وأضاف: "يأتي السواد الأعظم من مستخدمينا إلى منصتنا من أجل المحتوى المسلي، لكن ثمة أشخاصاً ينشرون بعض المعلومات الخطيرة، ونحتاج إلى التعامل مع ذلك بجدية شديدة". وقالت ديجيت إن تحركات "تيك توك" غير كافية، وأردفت: "قدمت لي تعليقات عامة فحسب حول أنكم تستثمرون وأنكم قلقون وأنكم تعملون. لا يكفيني ذلك. لا يكفي ذلك الآباء الأميركيين".
ولفتت "تيك توك" إلى أنها أنفقت أكثر من 1.5 مليار دولار على ما تسميه مساعي صارمة لتأمين البيانات تحت اسم "مشروع تكساس" الذي يعمل فيه في الوقت الراهن قرابة 1500 موظف بدوام كامل، وتعاقدت مع شركة أوراكل لتخزين بيانات مستخدمي التطبيق الأميركيين. أكدت أيضاً أنها تستخدم تصفية صارمة للمحتوى الذي ربما يضر الأطفال.
كانت إدارة الرئيس جو بايدن أنذرت الشركة بأن تتخلى عن ملكيتها الصينية وإلا فإنها ستواجه حظراً تاماً. وسيكون الحظر، إذا طبّق، خطوة غير مسبوقة بحق شركة إعلامية تتّخذها الحكومة الأميركية، وسيؤدي إلى قطع 150 مليون مستخدم شهرياً في البلاد عن التطبيق الذي أصبح مصدر الترفيه الأكثر مشاهدة بعد "نتفليكس"، وتحديداً بين الشباب.
في الأشهر الأخيرة من ولايته، حاول الرئيس السابق دونالد ترامب أيضاً حظر التطبيق، لكنّ قاضياً أميركياً قوض جهوده في نهاية المطاف.
وحضّت بكين، الأسبوع الماضي، واشنطن على "الكف عن قمع تيك توك بشكل غير مبرر"، وقالت إن الولايات المتحدة لا دليل لديها على أن "تيك توك" يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة. وأكدت وزارة التجارة في بكين، الخميس، أنها ستعارض "بشدة" أي عملية بيع قسرية، مشيرة إلى أن أي بيع أو فصل لشركة تيك توك سيتطلب موافقة السلطات الصينية. وأضاف الناطق باسم الوزارة شو جوتينغ: "فرض بيع تيك توك سيقوض بشكل خطير ثقة المستثمرين من مختلف البلدان، بما فيها الصين، للاستثمار في الولايات المتحدة".
والأربعاء، تجمّع عشرات الفتيان والمدرّسين وأصحاب الأعمال أمام مبنى الكابيتول، للتعبير عن معارضتهم لفرض حظر محتمل. وقالت رائدة الأعمال الطموحة في مجال صناعة الصابون التي تستخدم اسم countrylather2020، لمتابعيها البالغ عددهم 70 ألفاً، في مقطع فيديو صوّرته بعد وصولها إلى واشنطن: "هل هناك منصات أخرى؟ بالتأكيد، أنا أستخدمها. لكنّ أيًّا منها لا تملك نطاق الوصول الذي يتمتع به تيك توك".
وشارك في هذه الوقفة الأربعاء النائب جمال بومان. هذا العضو في الحزب الديمقراطي لا يتمتع بعدد متابعين هائل على المنصة (نحو 159 ألفاً)، ولا يملك نفوذاً تشريعياً استثنائياً. لكنه، في الأيام الأخيرة، عيّن نفسه المدافع غير الرسمي عن المنصة. وقال لصحيفة نيويورك تايمز، الأربعاء: "لماذا نُغرق أنفسنا في هستيريا لجعل تيك توك كبش فداء؟".
واعتبر بومان أن هذه القضية شوهت في واشنطن، وجادل بأن إدارة بايدن لم تقدم بعد دليلاً على أن السلطات الصينية قد تلاعبت بالمنصة. وعبّر عن رغبته في أن يتخذ الكونغرس نهجاً أكثر شمولية لتنظيم عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من مجرد استهداف شركة واحدة، وقال: "لم نتحدث عن حظر فيسبوك بعدما استخدمته روسيا للتأثير على الانتخابات الرئاسية عام 2016".
أصر بومان، الذي يتجنب التبرعات التي تقدمها الشركات للشخصيات السياسية، على أنه لم يلتق إطلاقاً مع أي شخص يعمل في "تيك توك". لكن أحد مساعديه قال، لـ"نيويورك تايمز"، إن "تيك توك" ساعدت بالفعل في تسهيل اجتماع عقده بومان مع المؤثرين الذين تكفلت الشركة بتكاليف سفرهم إلى واشنطن، للتحدث عن فوائد المنصة.
وستكون عملية البيع، حتى لو اتفق جميع الأطراف عليها، شديدة التعقيد. ويعود نجاح المنصة إلى خوارزمية التوصيات القوية، وسيكون "تقسيم الخوارزمية بين تيك توك وبايتدانس مشابهاً لعملية فصل توأمين سياميين"، كما قال المحلل دان إيفز من "ويدبوش" المتخصصة لوكالة فرانس برس.
إلى ذلك، يسعى المعلنون للحصول على تطمينات من "تيك توك". وأفادت عدة وكالات إعلانات، وكالةَ رويترز، بأن المعلنين راقبوا عن كثب إفادة شو زي تشو أمام الكونغرس الخميس، لترقب أي جديد ومتابعة ردود فعل النواب. ووفقاً لشركة إنسَيدر إنتلجنس للأبحاث، فمن المتوقع أن تصل عائدات "تيك توك" من الإعلانات في الولايات المتحدة إلى 6.83 مليارات دولار هذا العام، ارتفاعاً من 780 مليون دولار في 2020.