اشتكت وسائل إعلام تركية معارضة من تضييق مورس عليها عقب إعلان فرض أحكام قانون الطوارئ في الولايات المنكوبة، جنوب البلاد، بعد الزلزال الذي ضربها فجر 6 فبراير/ شباط الماضي، علماً أن مؤسسة الرقابة العليا للراديو والتلفزيون فرضت عقوبات على قنوات عدة، ومنعت بعضها من البث لأيام. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرض قانون الطوارئ في المنطقة المنكوبة التي تشمل 11 ولاية، وبرر ذلك بسرعة اتخاذ الإجراءات وتعزيز الإجراءات الأمنية حيث يقيم أكثر من 13 مليون مواطن. نقلت وسائل الإعلام حالات النقص الخدمي والاحتياجات ومطالب بعض المواطنين في المنطقة، بينما وظفت حالات الإغاثة والإنقاذ والإسعاف والإيواء من قبل الأطراف السياسية عبر بعض وسائل الإعلام.
ونقلت وسائل إعلام ومشاهير، وخاصة من أوساط المعارضة، خلال الأيام الأولى من الزلزال أخباراً عن غياب فرق الإنقاذ في بعض المواقع المدمرة، وتحدثت أيضا عن التمييز في عمليات البحث والإنقاذ، ونقلت أخباراً تتعلق باللاجئين، وهو ما أدى إلى رد فعل من الحكومة التي وصفت هذه الأخبار بأنها "مضللة" و"تحرض الشعب".
قناة بابالا تي في على "يوتيوب" التي تجذب نحو 4 ملايين متابع بثت عبر منصاتها الإلكترونية خبراً عن تصدع أحد السدود في ولاية هاتاي جراء الزلزال، وذلك نقلاً عن مصادر حكومية. أثار هذا الخبر جدالاً وقلقاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، ثم تبين أنه غير صحيح، ما أدى إلى استدعاء مؤسس القناة أوغوزهان أوغور إلى التحقيق بتهمة نشر معلومات مضللة. شرح أوغور، عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل، كيفية حصوله على المعلومة وتراجعه عنها حين تأكد من زيفها.
كما استدعت السلطات التركية أحد المشاهير من المتسابقين في برنامج "ماستر شيف تركيا"، وهو أوغور كارديش، للتحقيق بسبب نقله عبر البث المباشر حديثاً عن قطع لاجئ أفغاني يد امرأة تركية عالقة تحت الأنقاض لسرقة سوارها الذهبي. تبين أيضاً أن القصة كاذبة، وصرّح هون بأنه نقل المعلومة بعدما سمعها من دون التأكد منها. كانت الحكومة التركية قد شرعت تعديلات في قانون الإعلام، تشمل تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، من بينها مادة تهدد بمعاقبة ناشري "الأخبار الزائفة" بالسجن.
وأعلن مجلس رقابة التلفزيون والراديو، الأسبوع الماضي، فرض عقوبات على قنوات تركية معارضة، هي قناة "هالك تي في"، وقناة "فوكس تي في"، وقناة "تيلي1"، وصلت إلى حد وقف بث القناة الأخيرة 3 أيام، بسبب بث "برامج ومواضيع وأخبار تتضمن معلومات مضللة تؤدي إلى التحريض والكراهية وإثارة الفتنة بين أفراد الشعب"، وهو الأمر الذي انتقدته المعارضة التركية بشدة.
كما فتحت السلطات الأمنية التركية تحقيقات بحق مراسل قناة هالك تي في سيهان أوشار، بعدما نقل خبر مقتل شاب بسبب التعذيب بعدما اعتقلته قوات الدرك في ولاية هاتاي. وقال رئيس تحرير "تيلي1" مردان ينرداغ، لوسائل إعلام تركية، تعليقاً على العقوبة التي تعرضت لها القناة: "هناك جهود للسيطرة على البلاد مجدداً من خلال إسكات الإعلام المحايد. تحاول (الحكومة) أن تسكت هذا الصوت وتحويل تركيا إلى بلاد مظلمة، ولهذا هناك ضغوط على قناة تيلي1"، وأضاف أن "القناة أسست من قبل محبي البلد والاشتراكيين وأبناء الجمهورية، ويشاهدها عدد كبير (متابعة من المعارضة والقوى اليسارية والعلمانية)، ولن نستسلم للعقوبات المفروضة على القناة. يحاولون إنشاء اليمين في تركيا الجديدة عبر قوى اليمين التابعة لهم ورئاسة شؤون الديانة (أعلى مؤسسة دينية بالبلاد)، والقناة تشكل عائقاً أمام ذلك".
تزامن وقوع الزلزال في تركيا مع استعداد البلاد لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 14 مايو/ أيار المقبل، في ظل صراع سياسي واستقطاب وحرب إعلامية بين الأطراف السياسية، ما حول الكارثة إلى ساحة لتصفية حسابات سياسية يستغل فيها الإعلام بشكل كبير.
الصحافي التركي يوسف سعيد أوغلو قال لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع الحالي في تركيا فرض تحديات عدة على الأطراف السياسية والإعلامية، وبما أن رأس المال والإعلام متداخل في البلاد، فمن الطبيعي أن تكون وسائل الإعلام جزءاً من الحرب السياسية". وأضاف سعيد أوغلو أن "القوانين الجديدة واضحة، وهي تحارب التضليل في الإعلام، خاصة أن تركيا من الدول التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي بشكل كبير، ما يجعل أي معلومة مثيرة وملفتة للنظر تنتقل مثل النار في الهشيم وتشكل رأياً عاماً ضاغطاً على الأطراف السياسية".
وأكد أن "كارثة الزلزال تزامنت مع فترة شحن ما قبل الانتخابات، ومن الطبيعي أن تغطي وسائل الإعلام المعارضة أي قصور من الحكومة في التعامل مع الكارثة الكبيرة، منضمة إلى الأحزاب السياسية المعارضة، فيما تعمل وسائل الإعلام المؤيدة على عكس ذلك، عبر المبالغة في مدح إجراءات الحكومة"، وشدد على أنه "في ظل هذه الأجواء المتوترة جاءت الرقابة الصارمة من قبل الحكومة التي تسعى لمكافحة التضليل الإعلامي، والتحقيق في نشر أي معلومات مضللة وفق القوانين الجديدة، وترى المعارضة في ذلك إمعاناً في قمعها. ومن الواضح أن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من التصادم بين الأطراف السياسية والإعلامية، وقد نشهد مزيداً من التضييق على وسائل الإعلام، خاصة في حال نشرها معلومات مضللة".
وفي السياق نفسه، أعلنت الشرطة التركية، قبل أسبوعين، عن إلقاء القبض على 78 شخصاً متهمين بإشاعة الخوف والذعر من خلال "مشاركة منشورات استفزازية" على وسائل التواصل الاجتماعي حول الزلزال، مضيفةً أنّ 20 منهم محتجزون في انتظار المحاكمة. وأفادت المديرية العامة للأمن في تركيا بأنّها حدّدت هوية 613 شخصاً متهمين بنشر منشورات استفزازية، وبأن الإجراءات القانونية بدأت بحق 293 شخصاً أمر الادعاء العام بإلقاء القبض على 78 منهم. وأضافت المديرية أنّه تمّ حجب 46 موقعاً إلكترونياً لتورطها في مخططات "احتيالية" لمحاولة سرقة التبرعات الموجهة لضحايا الزلزال، كما تمّ إغلاق 15 حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي لانتحالها صفة المؤسسات الرسمية.
أقرّ البرلمان التركي، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قانوناً يسمح بسجن الصحافيين ورواد وسائل التواصل الاجتماعي لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بتهمة نشر "معلومات مضللة"، وهو ما أثار مخاوف بين الجماعات الحقوقية والدول الأوروبية بشأن حرية التعبير في البلاد، خاصةً قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة هذا الصيف. وقال الحزب الحاكم، برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، إنّ هناك حاجة لقانون يتصدى لنشر الاتهامات الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفاً أنّه لا يهدف إلى إسكات المعارضة. وسبق أن حجبت الحكومة منصات التواصل الاجتماعي.
وحجبت الحكومة موقع تويتر لمدة 12 ساعة تقريباً بعد يومين من وقوع الزلزال، وعزت الخطوة إلى انتشار المعلومات المضللة، ما أثار غضب السياسيين المعارضين والأفراد الذين يستخدمون المنصة للوصول إلى ذويهم ومشاركة المعلومات الخاصة بجهود الإنقاذ. وفقاً لوكالة ستاتيستا لإحصاء البيانات عبر الإنترنت، استخدم 16.1 مليون شخص في تركيا "تويتر" اعتباراً من يناير/ كانون الثاني 2022، ما يجعلها سابع أكبر دولة من حيث المستخدمين الأكثر نشاطاً على منصة التواصل الاجتماعي.