لا يمكن أن تمرّ في وسط بيروت، من دون أن تستوقفك ضحكات كُتم صوتها في الرابع من أغسطس/آب 2020. على جدران إحدى ورش البناء في العاصمة اللبنانية، عُلّقت لوحات تحمل صور أكثر من 200 ضحية من ضحايا انفجار مرفأ بيروت، تخليداً لذكراهم، وتذكيراً بضرورة تحقيق العدالة.
يقول الفنان الأميركي برايدي بلاك، وهو صاحب المشروع ومنفذه، إنه استوحى الفكرة من التظاهرات التي كان ينفذها أهالي ضحايا الانفجار في الرابع من كلّ شهر، حيث كانوا دائماً يحملون صور أبنائهم وأحبّائهم، ومشاهدتهم بدت بالنسبة إليه كأنهم يصرخون ويقولون للناس "انظروا إليهم"، مضيفاً: "مع مرور الأشهر، واستمرار الظلم بالتفاقم، مسّ هذا الأمر بنا، ودفعنا للقول إننا نريد للناس أن تراهم".
ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه قام برسم جميع الضحايا، فأصبح عنده "ارتباط شخصي وثيق بكلٍّ منهم". ويشير إلى أنه تعاون مع مؤسسة Art Of Change وهي مؤسسة تُعنى بالفنّ العام وفنّ الشارع، وساهمت بالكثير من الأمور اللوجستية، وساعدته على البقاء في المسار الصحيح، كما يقول، فضلاً عن تطوّع نحو 40 شخصاً ساعدوا في تنفيذ المشروع.
ويقول برايدي إنه وArt Of Change تقصّدا أن يكون المشروع بهذا الحجم، ليعكسا "مدى الظلم اللاحق بالضحايا وأهاليهم، وضرورة كشف الحقيقة".
ويشير إلى أنّ الجدار الذي عُلّقت عليه صور الضحايا التي بلغ حجم كلّ منها المتر ونصف المتر، يمتدّ على مساحة 300 متر تقريباً، وتتطلّب رؤيته بالكامل 15 دقيقة. ويضيف: "قمنا بهذا المشروع كوسيلة لنقول إننا نحترم الأهالي والضحايا، وأيضاً للفت الانتباه إلى أنه لا يمكن لأحد تجاهل ما حصل".
ويصرّ الفنان الأميركي على ضرورة العمل على نصبٍ تذكاري دائم يليق بالضحايا، "لا أن يبقى الأمر مقتصراً على جدار مؤقت قد يُرفع في أي لحظة"، شارحاً أنّ الهدف وراء تنفيذه بهذه الطريقة هو لفت انتباه المسؤولين وحثّهم على ضرورة تكريم من فقدوا أرواحهم في انفجار مرفأ بيروت.
بدوره، يوضح الشريك المؤسس في Art Of Change جيسون كامب لـ"العربي الجديد" أهمية تنفيذ المشروع كتدخل فني عام، ويقول: "عندما جاءنا برايدي بالمشروع كان يحمل معنى كبيراً... عملنا جنباً إلى جنب معه، وقمنا بالكثير من الأبحاث لدعمه وكنا جزءاً أيضاً من إنجاز المشروع وتنفيذه"، ويضيف: "هذا جزء من دورنا، أن نعمل مع الفنان عوض أن نقوم ببيع لوحاته في المعارض".
ويلفت إلى أن هذا المشروع هو الأهم بالنسبة إليهم، نظراً لقيمته المعنوية من ناحية الأحاسيس التي عاشوها وما مرّوا به خلال تنفيذه، فهو من المشاريع القوية والمحفزة، على حدّ قوله.