بعد عام على اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة على يد الاحتلال الإسرائيلي في أثناء تغطيتها اقتحامه مخيم جنين للاجئين في الضفّة الغربية، لا يزال مكتبها على حاله صامتاً وفارغاً إلا من بعض أغراضها الشخصية، فيما قناة الجزيرة متمسكة بمتابعة قضيتها أمام القضاء الدولي.
في مكاتب "الجزيرة" التي تزخر بصور الصحافية المعروفة على نطاق واسع في العالم العربي، يقول زملاؤها إنهم لا يزالون "غير مصدّقين" أنها رحلت عنهم.
ويقول المصوّر مجدي بنورة الذي كان يرافقها لدى مقتلها: "نسلّم كل صباح على شيرين كلما دخلنا المكتب". ويضيف: "على الرغم من مرور عام على استشهادها، فما زلت غير مصدّق أنها رحلت، وأشعر في بعض الأحيان أنني أعيش في حلم". ويتابع بينما اغرورقت عيناه بالدموع: "أتذكّر كل كلمة معها، عندما كنا نسافر في رحلة عمل، وعندما صرخت، وأتذكّر كلّ رصاصة أطلقت علينا، أسمعها كأنها البارحة". ويقول: "نحاول أنا وزملائي أن نقنع أنفسنا بأنها في إجازة وأنها ستعود"، ثم يضيف: "أتمنى العدالة لشيرين وأن تأخذ حقها".
ويؤكد مدير مكتب القناة، وليد العمري، أن "الجزيرة" تتابع القضية في كل المحافل الدولية، وأنها "لن تتوقف مهما طال الوقت".
تركت إدارة القناة مكتب أبو عاقلة على حاله كما غادرته قبل مقتلها، وعلّقت على أحد جدرانه صورتين لها، إحداهما ترتدي فيها درع الصحافة الواقي. إلى جانب مكتبها، غرفة توزّعت فيها عشرات باقات الورود واللافتات وصورها التي جلبها الزوار إلى المكتب عقب مقتلها.
ويشير العمري إلى أن أبو عاقلة "تركت فراغاً هائلاً، لأنها لم تكن فقط كبيرة مراسلي الجزيرة، بل كانت طاقماً كاملاً". ويقول لوكالة فرانس برس من مكتبه وسط مدينة رام الله، في شارع بات يحمل اسم أبو عاقلة: "نحن غير جاهزين للقول إننا جلبنا بديلاً لشيرين". ويضيف: "نفسياً ولغاية الآن، نحن غير قادرين أن نفارق شيئاً من أثر شيرين، لذلك أبقينا المكتب على حاله".
ويوضح أن المكتب ومقتنيات أبو عاقلة ستنقل إلى متحف "شيرين أبو عاقلة للإعلام"، الذي ستحتفل إدارة القناة التي مولت بناءه وبلدية رام الله التي قدّمت قطعة الأرض بوضع حجر الأساس له اليوم الخميس.
في تقرير للجنة حماية الصحافيين الأميركية نشر الثلاثاء، أكدت توثيقها خلال العقدين الماضيين ما لا يقل عن "20 حالة قتل فيها صحافيون (18 فلسطينياً وبريطاني وإيطالي) على أيدي" الاحتلال الإسرائيلي. وخلصت اللجنة إلى أنه "لم يتمّ توجيه اتهامات إلى أحد، ولم يخضع أحد للمساءلة" بشأن هذه الجرائم.
وقال أحد مسؤولي اللجنة، روبرت ماهوني، إن "مقتل أبو عاقلة وفشل آلية تحقيق الجيش وعدم تحميل أحد المسؤولية ليست قضية معزولة"، مندداً بعملية "تبدو مصمّمة للإفلات من المساءلة".
وأشارت اللجنة إلى أن غالبية الصحافيين المقتولين كان يمكن التعرّف عليهم بسهولة، وأن قتلهم "يضعف حرية الصحافة، ويزيد من القلق على سلامة الصحافيين الفلسطينيين والأجانب".
وردّاً على التقرير، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه "يأسف لأي ضرر يلحق بالمدنيين أثناء العمليات، ويعتبر حماية حرية الصحافة والعمل المهني للصحافيين ذات أهمية كبيرة". وأكد أنه "يفحص ويحقّق بشكل منتظم في أفعاله من خلال وسائل مستقلة ومتعمقة"، وأنه يشرع في "إجراء تحقيق" في حال وجود "ادعاء مدني".
عقب اغتيال الصحافية الفلسطينية، شكّلت إدارة "الجزيرة" طاقماً من الخبراء القانونيين من بريطانيا لمتابعة القضية لدى المؤسسات الحقوقية الدولية، وزار الطاقم الأراضي الفلسطينية مرتين، والتقى شهوداً ثلاث مرات، كما أجرى تحقيقاً ميدانياً.
في ديسمبر/ كانون الأول، رفعت قناة الجزيرة القطرية الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، مؤكّدةً أنها قُتلت عمداً برصاص القوات الإسرائيلية.
وأقرّ جيش الاحتلال، في الخامس من سبتمبر/ أيلول، بأن هناك "احتمالاً كبيراً" أن يكون أحد جنوده أطلق النار على أبو عاقلة بعدما ظنّ خطأ أنها أحد المسلحين، لكن إسرائيل أعلنت أنها لن تتعاون مع أي تحقيق أجنبي.
ويقول العمري: "القرار في أعلى المستويات في إدارة الجزيرة أن نتابع هذه القضية لتحقيق العدالة. بعد مرور عام، لم يتّخذ أي قرار، والشرعية الدولية عليها أن تثبت عدالتها. سنقوم بكل ما علينا لمتابعة القضية. ما زلنا نضغط باتجاه أن يتحرك النائب العام في المحكمة الجنائية لكي تتخذ قراراً".
ويشير الى خيارات تتمثل إما "في الإعلان عن تشكيل لجنة دولية رسمية مستقلة، وإما أن تعلن (المحكمة الجنائية الدولية) موقفاً واضحاً لتحقيق العدالة لشيرين" أبو عاقلة.
وأصدرت شبكة الجزيرة بياناً اليوم الخميس، أشارت فيه إلى أنه "على الرغم من محاولات التضليل والتنصل الإسرائيلية، فإن اغتيال الزميلة شيرين أحدث ردّة فعل عالمية مستنكرة، وأجمعت التحقيقات الدولية المستقلة على أنها قتلت برصاص قناص من جيش الاحتلال الإسرائيلي في استهداف مباشر، رغم ارتدائها خوذة واقية وسترة تبرز بوضوح أنها صحافية".
وأكدت الشبكة، في بيانها، "أنها تجدد تعهدها لعائلة شيرين وزملائها بأنها لن تدخر جهداً قانونياً أو إعلامياً لتحقيق العدالة لها ومحاسبة قتلتها، وستتابع قضيتها التي رفعتها إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".
ودعت "الجزيرة" وسائل الإعلام والمنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان لمواصلة دعم قضية أبو عاقلة، وتوحيد الجهود لإنهاء إفلات قتلة الصحافيين في أنحاء العالم من العقاب.
وفي ذكرى مرور سنة على اغتيال شيرين أبو عاقلة، تنظم "الجزيرة" وقفات تضامنية متزامنة في مكاتبها المنتشرة في أنحاء العالم، وتعقد في مقرها الرئيس في الدوحة ندوة خاصة، تتناول قضية الاغتيال والتضحيات التي قدمها مراسلو الجزيرة وصحافيوها في سبيل نقل الحقيقة، ويتحدث فيها بعض قيادات الشبكة وزملاء أبو عاقلة.
وينظم الفلسطينيون في ذكرى مقتل أبو عاقلة فعاليات إعلامية وثقافية لتخليد ذكراها. وأقام مركز الفن الشعبي الفلسطيني، الذي كانت أبو عاقلة عضواً في هيئته العامة، مع عائلتها وأصدقائها، حفلة ثقافية إحياء لذكراها في قصر رام الله الثقافي.
وأكد أنطوان أبو عاقلة، شقيق الصحافية الراحلة، أن العائلة تنتظر تحقيق "العدالة لشيرين". وقال: "خلال هذه السنة، مررنا بالعديد من المراحل والتجارب والتحديات لنحاول تحصيل حق شيرين، وتحقيق العدالة لشيرين، العدالة التي ينتظرها الجميع بعد اغتيال شيرين".
(فرانس برس، العربي الجديد)