رغم جاذبية حضوره على الشاشة، ولا سيما الدور الأبرز الذي قدمه في مسيرته الفنية في فيلم "المنبوذون" عام 2011، إلا أن مشاركته الأخيرة في الموسم الأول من المسلسل الفرنسي "لوبين"، الذي عرض أخيراً على شبكة نتفليكس الأميركية، لم تثمر سوى عن عمل ركيكٍ ساذج، مثقلٍ بالفجوات الدرامية والتبريرات الاجتماعية المبتذلة.
إذ يجهد عمر سي الفرنسي من أصول سنغالية – موريتانية، هذه المرّة، في تقديم عمل مختلف يعتمد، في ظاهره، على أدائه وحضوره المعتاد، محملًا في باطنه انطباعات مجتمعية تلطف من حدة الصراعات الأيديولوجية والعرقية السائدة في فرنسا.
تركيبة الحكاية تندرج ضمن إطار بوليسي تشويقي. يسعى البطل، آسان ديوب، للثأر لوالده بعد خمسة وعشرين عامًا من انتحار الأخير في إحدى الإصلاحيات التي أودع بها بعد أن لفقت عائلة بيليغريني الثرية التي كان يعمل لديها، تهمة سرقة عقد مجوهرات نادر يعود للملكة ماري أنطوانيت، وذلك من أجل مبلغ التعويضات التي ستحصل عليه العائلة؛ فينتشلها من الانهيار الذي كانت بصدده.
يستلهم آسان مغامرته اعتمادًا على شخصية "آرسان لوبين" التي ابتكرها الروائي الفرنسي موريس لوبلان، تحديدًا كتاب "آرسان لوبين: السارق المحترم"، الذي منحه إياه والده قبل وفاته.
هذه الرواية تحمل خططاً واستراتيجيات تمنح آساني خطوات مدروسة للتنفيذ، بالاعتماد على صنع شخصيات تنكرية متعددة. قصة جميلة تستدعي رؤية سينمائية إبداعية لم يقترب منها صنّاع العمل ولو بقيد أنملة. قد يشفع التفريغ البصري والزمني للمسلسل بعض حسناته، غير أن المعالجة الدرامية المخصصة له تنسف البناء القصصي بشكل يستهين بعقلية المشاهد إلى حدٍ كبير.
خيوط العمل تسير وفق حبكة تظنها ضبابية التطبيق. تلمس أحداثها بيد حائرة لا تعلم كيف تقفز بك من مشهد إلى آخر، من دون أن تمنحك إذن الاستكشاف والتبصّر. فعليك كمشاهد أن تجاري البناء العام للقصة، من دون الخوض بتفاصيل ستنتشل العمل، ولو قليلًا، من فجواته، لو تم بذل مجهود أكبر عليها.
الخطوط الزمنية التي تسير بين الماضي والحاضر، وفق مسارين متوازيين، تفتح محاور جيدة للتشبيك والصراع، وتحسّن من متانة العقدة الدرامية. يمضي العمل في تصوير حياة أسان الشاب المريرة، التي ألمت به قبل وبعد وفاة والده، وأسان اللص المحترف المنتقم لوالده. يمنح هذا، ولو ظاهريًا، بعض الجاذبية للعمل، مضافًا إليه أداء عمر ساي وحضوره. لكن تنفيذها جاء مشوهًا متشبثًا بعمادة دراميةٍ ضعيفة، يمسك بها عنصر المراوغة الذي سيكشف عن نفسه ما بين طيات المسلسل.
فنيًا، هناك اقتباس يبحث عن روح العمل الروائي الأصلي، ولكن في تفريغه استنساخ لأفلام الحركة والتشويق الأميركية التقليدية، وعلى رأسها أفلام "مهمة مستحيلة"؛ السلسلة الشهيرة لتوم كروز.
بطل ميتم عاش فترة مراهقته في مدرسة للأثرياء التي دفع ثمنها والده مقابل إذعانه للتهم الموجهة إليه كصفقة رضائية بينه وبين عائلة بيليغريني، يصبح بين ليلة وضحاها لصّا محترفا، ولكن كجاسوس هو أمر غير مقنع، يشوبه التضليل ويفتقر لمقدمات تمهيدية وتطويرية في بناء الشخصية المعتاد دراميًا، تمنح له، تلقائيًا، صفات الدهاء والمعرفة. تكتيكيًا، ينسل الغرض السياسي والاجتماعي للعمل من بين مشاهده. فهي توجيه ينفر من بين ثناياها نزيفًا أخلاقيًا متعمدًا يستقطب الرأي العام ويستحوذ على اهتمامه ويستجر عاطفته من خلال اللعب على عصب العنصرية والتهميش الاجتماعي اللذين يتعرض لهما العرق الأسود والمهاجرون في فرنسا، فيكسب العمل سمعته جماهيريًا بقيادة عمر سي الذي بدا غارقًا في دوامة هذا العمل المبتذل.
إن نجح المسلسل محليًا وعالميًا واحتل صدارة الأعمال الأكثر مشاهدة على منصة نتفليكس، فإنما نعزو ذلك، للعناصر الذكية التي تم استغلالها في بنية العمل
وإن نجح المسلسل محليًا وعالميًا واحتل صدارة الأعمال الأكثر مشاهدة على منصة نتفليكس بما يزيد عن 70 مليون مشاهدة منذ إطلاقه، فإنما نعزو ذلك، بجانب الأسباب الآنفة الذكر، للعناصر الذكية التي تم استغلالها في بنية العمل التي تفرز خيارات على المستوى البصري والتمثيلي مستوحاة من روح الأعمال الأميركية، فضلًا عن شهرة الرواية الاصلية.
لكن إذا ما فصلنا النجاح الجماهيري عن قالب العمل، يبقى لنا، من الناحية النقدية، عملًا يناحر حقًا في مهمة مستحيلة لتوقيع منتج متماسك فنيًا.