غابور ريز (2/ 2): "أفضل كيمياء أنْ تمزج المكتوب بالارتجال"

18 أكتوبر 2024
غابور ريز في "مهرجان فينيسيا 80" (كريستي سْبارو/FilmMagic)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "تفسيرٌ لكلّ شيء" فيلم للمخرج غابور ريز يعكس المجتمع المجري من خلال قصة امتحان بكالوريا يتحول لضجة إعلامية تغذي اليمين المتطرف، ونال جائزة أفضل فيلم في مهرجان فينيسيا.
- يعتمد ريز على ميزانية منخفضة وأسلوب فريد في التدريب والارتجال مع الممثلين، مفضلاً التصوير في مواقع متاحة مثل منازل الأصدقاء، مما يخلق كيمياء طبيعية ويقلل من التكاليف.
- أثار الفيلم نقاشات واسعة في المجر وحقق نجاحاً في شباك التذاكر لعام 2023، رغم الانتقادات من الأطياف السياسية المختلفة.

 

"تفسيرٌ لكلّ شيء"، ثالث فيلم روائي طويل للمجري غابور ريز (1980). فيلمٌ مستقلّ كبير، يُنجز بفضل سرد فصلي وكورالي. صورة إشعاعية للمجتمع المجري، وكيف يغدو سوء تفاهم بسيط حول لباس طالب، في امتحان البكالوريا، مطيّة لضجّة إعلامية كبرى، تُغذّي أيديولوجيا اليمين المتطرّف.

نال "تفسيرٌ لكلّ شيء" جائزة أفضل فيلم في "آفاق" الدورة 80 (30 أغسطس/آب ـ 9 سبتمبر/أيلول 2023) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، قبل اختياره لـ"عروض خاصة" في الدورة 20 (24 نوفمبر/تشرين الثاني ـ 2 ديسمبر/كانون الأول 2023) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمراكش". كذلك عُرض في الدورة 30 (14 فبراير/شباط ـ 1 مارس/آذار 2024) لـ"أسابيع الفيلم الأوروبي في المغرب".

في هذه المناسبة، حاورت "العربي الجديد" ريز، في مسائل سينمائية وسياسية واجتماعية متفرّقة، تحصل في بلده، علماً أنّ الحلقة الأولى منه منشورة في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

 

(*) مشهد الجدل المُطوّل بين ياكاب وجورجي لافتٌ للنظر بكثافته وجمله الحوارية الملتهبة. كيف تدير الممثّلين؟ هل تتدرّبون طويلاً قبل بدء التصوير؟

نعم. أجري تدريبات كثيرة. ولأنّه لم يكن هناك مال كثير، أو قليل بالأحرى، كنتُ مُجبراً على ذلك. كنتُ أعلم أنّ هناك 20 يوماً للتصوير فقط، وهذه مدّة قصيرة جداً مقارنةً بفيلمٍ كهذا. إذاً، ماذا يُمكن أنْ نفعله لتحسين الخيارات؟ قرّرتُ أوّلاً ألّا أستخدم الإضاءة الاصطناعية، وأنْ يتألّف فريق التصوير من 17 شخصاً. لم ندفع نقوداً مقابل مواقع التصوير. صوّرنا في منزل والديّ، ومنازل أصدقائي. لم أنتهج الاستكشاف واختيار أفضل المواقع المُمكنة لتصوير كلّ مشهد. عندما يتوفّر منزل صديق، نصوّر فيه، فقط لأننا نستطيع ذلك.

أؤمن حقاً أنّ أفضل كيمياء عندما تتمكن من مزج ما تكتبه في السيناريو مع الارتجال. عادة، أبدأ الارتجال الحرّ تماماً، بعد إعلام الممثلين بالوضع الأساسي للمشهد، وببدايته ونهايته. يدوم الارتجال 20 محاولة تقريباً، أو ما يعادل نصف ساعة. أحرص على تسجيله بالكاميرا. هذا يساعد مدير التصوير كثيراً، لأنّه يبدأ في تعلّم المشاهد وطريقة التقاطها. أمّا أنا، فأشاهد ما صوّرته بعد مضيّ يوم، لحاجتي إلى مسافة معه، أو لنسيانه قليلاً. عندما أشاهده، أبدأ اتّخاذ قرارات: هذا جيّد، هذا ليس جيّداً. أبدأ عادة في دفع الأشياء باتّجاه ما كتبته في السيناريو، وفي الوقت نفسه أغيّر جملاً وكلمات كثيرة، توافقاً مع ما استعمله الممثّلون، فهذا مُريح أكثر لهم. بعد ذلك، أجري ثلاث أو أربع بروفات فقط قبل بدء التصوير الفعلي.

إنّها الطريقة الفضلى، فمع بروفات كثيرة قبل بدء التصوير، لن يضطر الممثّلون إلى حفظ الجُمَل، بل يؤدّونها فقط، لمعرفتهم كلّ شيء عن الشخصيات وتوجيهات الأداء والتفاصيل الأخرى. بدأت استعمال هذه الطريقة منذ الفيلم الأول، وطوّرتها مع توالي الأعمال.

أعتقد أنّ أهمّ وأصعب شيء، عند صنع أفلام، أنْ تُفرّق بين الوقت الذي تستنزفه في أشياء غير مجدية، وهذا وقت ضائع تماماً، والوقت المُستَثْمر في أشياء مُفيدة للفيلم. هذه الطريقة تُساعد كثيراً، ففي التصوير، تذهب إلى الموقع وتُصوّر مباشرة، ولا تحتاج إلى إضاعة الوقت في إجراء 100 بروفة بحضور الفريق كلّه، مع ما يرافق ذلك من ضغط على الميزانية.

 

 

(*) الفيلم مُستقلّ وسياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة. مصنوع بموازنة منخفضة جداً. هذا ذو مغزى كبير لنا في المغرب، لأنّنا نتوفّر على صندوق دعم لإنتاج الأفلام، لكنّنا لا نزال نفتقر إلى أفلامٍ سياسية مستقلّة، تنتقد التمفصلات الحسّاسة بين السلطة والمجتمع. كيف اهتديت إلى هذا النوع من الأفلام؟ أهناك مخرجون يسيرون على نهجك في المجر؟

هناك ضغط كبير علينا بسبب تأثير السياسة في بلدنا. كلّ ما تريد صنعه في الثقافة يرتبط بطريقة ما بالحكومة. مثلاً: إذا أردتَ تأليف كتاب، فالناشر مرتبط بالحكومة. إذا رغبتَ في صنع فيلم، صندوق الفيلم الهنغاري مرتبط بالحكومة. هذه حالنا اليوم، وهذا ينسحب على كلّ ما يرتبط بالشأن الثقافي، لكنّه ينطبق خاصة على الثقافة السينمائية. عام 1999، عندما تغيّر النظام بعد الشيوعية، مرّت الديمقراطية المجرية في مراحل عدّة. أدرك الحزب اليميني الرئيسي بعدها أنّه لا يحتاج إلى ترويج أعمال فنية نقدية لا تُشجّع على إعادة انتخابه. هذا فظيعٌ، لأنّ النقد مهمّ جداً إذا كنتَ ترغب في التطوّر.

شيءٌ لا يُعقل. أهناك عمل سينمائي أو درامي حقيقي لا يحتوي على نقد أوضاع؟ حتى لو اخترت الكوميديا مثلاً، أو ما شابَه، باستثناء ربما التيار السائد في السرد، فإنّه يحتوي بالضّرورة على نقد. حتى كشخص، أنا لا أكفّ عن انتقاد نفسي، فكيف لي ألّا أنتقد الحكومة. أنتقد كلّ شيء، ولا أتخيّل وضعاً أرضى فيه عن كلّ ما يحدث. قرّرت التحدّث عن كل هذا في أفلامي، فكلّما أحجمنا عن الخوض في السياسيين أو في الأمور السياسية، تستفحل الأوضاع. الجميع في المجر يتحدّثون بالسياسة في الحياة اليومية، ويخوضون في فيكتور أوربان وأحزاب المعارضة، والمواجهة بينهما. لكنْ لا شيء من هذا يوجد في أفلامنا. لماذا؟ هذا غير حقيقي. يزعجني ذلك، ويضعني في مزاج قريب من الغضب، لأن السؤال الأساسي في الحياة، خاصة بالنسبة إلى صانع أفلام: "كيف يمكن خلق حياة حقيقية في أعماله؟".

 

(*) كيف استُقبل الفيلم؟ هل عُرض في المجر؟ كيف استقبله الجناح اليميني خاصة؟

نعم، عُرض في المجر. الأمر مُثير. الجميع أحبّوه، والجميع كرهوه بطريقة ما. أثار نقاشات كثيرة، وأنا سعيدٌ بذلك. لا يمكن صنع فيلمٍ يحبّه الجميع، لأننا مختلفون. العرض الأول في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023، شاهده أكثر من 75 ألف مُشاهد. إنّه الفيلم المجري الرئيسي في شباك التذاكر لعام 2023.

لم يتأثر استقباله دائماً بالجانب الإيديولوجي، لأنّه حدث أنْ احتجّ عليّ يساريون: "ليس جيّداً أنْ تتمثّلنا هكذا. هذا ليس صحيحاً". بعضهم كرهه. طبعاً، أثار حفيظة اليمينيين. مثلاً: قبل لقائنا هذا، قرأت في فيسبوك تعليقاً لأحدهم يقول إنّ الطريقة التي تخيّلنا بها الصحافية الترانسلفانية (متحدّرة من منطقة تنتمي إلى هنغاريا، لكن أصولها رومانية ـ المحرّر) ليست عادلة، لأنّ الهنغاريين المتحدّرين من ترانسلفانيا يعانون، لأنّهم أقلية. إنّهم لا يعانون حقاً هناك بسبب الاضطهاد، بل لأن العيش هناك أصعب قليلاً. هذه مسألة حسّاسة قليلاً بالنسبة إلى المجريين.

لم أقدم تلك الشخصية على أنّها سيئة، لكنّهم أرادوا مشاهدتها هكذا: "إنّها سيئة في فيلمك، وتباً لك لأنّ الترانسلفانيين ليسوا سيئين أبداً".

كما ترى، هذا نوع من ردود فعل يثيره "تفسيرٌ لكلّ شيء" أحياناً في الأوساط اليمينية من المجتمع. لكنّ هنغاريّين كثيرين أحبّوه وتأثّروا به. شاركتُ في نقاشات كثيرة بعد العروض، وكنت أُدهش دائماً من غنى كلّ ما يولده الفيلم من نقاش.

المساهمون