يسقط كلّ يوم جزءٌ جديدٌ من مسرح الهلال الأثري في نهاية شارع الرشيد، وسط العاصمة العراقية بغداد، بسبب الإهمال، ممّا دفع المحال التجارية القريبة منه إلى الإغلاق، على الرغم من أنّها من أهم محال بيع المقتنيات والتحف القديمة والتراثية والنادرة، والتي يعود تاريخ افتتاحها إلى أكثر من 120 عاماً.
وفي جولة لـ"العربي الجديد" في منطقة خان المدلل، بدا مسرح الهلال، الذي كان أهم مسارح بغداد وأقدمها، متهالكاً وشبه منهار، ممّا يشكّل تهديداً لسكان المنطقة والمارة، وذلك على الرغم من تاريخه الاستثنائي، لا سيما وأنه مقترن بالمطربة المصرية أم كلثوم، التي أحيت أولى حفلاتها على خشبته عام 1932، ويعتز به البغداديون كونه يمثل إرثاً وذاكرة لا تشبه غيرها من المعالم.
ويظهر انهيار المسرح، الذي تأسس عام 1918 في الجزء الأمامي منه، وتحديداً جزء من الشرفة المطلة على الشارع العام في ساحة الميدان القديمة، مع تهالك معظم أجزائه، وسقوط كامل لأركانه، في صورة بالغة الوضوح عن إهمال الجهات المسؤولة.
ويطالب القريبون من المسرح، إضافة إلى نشطاء ومدونين، بترميمه، وعدم تركه في مواجهة العوامل البيئية والاندثار، إلا أن الجهات المسؤولة في بغداد اكتفت بوضع الكتل الخرسانية لمنع السيارات من المرور بالقرب منه.
ورغم تداول صور ومقاطع مصورة للمسرح وهو في منهار، إلا أن المسؤولين في العاصمة بغداد لم يدلوا بأيّ تعليق حول إعادة ترميمه أو إجراء إصلاحات فيه، مع العلم أن جهات حكومية، بما فيها "أمانة بغداد"، كانت قد أعلنت في وقتٍ سابق عن عزمها تطوير بغداد القديمة، وبرغم أن المسرح يقع ضمن محور إعادة إعمار المنطقة القديمة إلا أنه لم يُشمل بالتأهيل.
وتواصل "العربي الجديد" مع مسؤول في أمانة بغداد، الذي قال إنّ "إعمار المسرح يقع ضمن مهام وزارة الثقافة، وتحديداً دائرة السينما والمسرح، وهي المسؤولة إدارياً عن رعاية المسرح، والوزارة لم تقم بالتنسيق معنا في سبيل إعادة إعماره"، مبيناً أن "مسرح الهلال كان ضمن مشروع إعادة تأهيل قصر الحكومة القديم، إضافة إلى شارع الرشيد وساحة الميدان وساحة الرصافي، لكن لا نعرف ما السبب الذي منع شموله بالتأهيل".
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أنّ "المسرح منهار بشكلٍ شبه كامل، ومن الصعب إجراء إصلاحات عليه، كون أجزاء كثيرة منه مبنية من الطين والخشب، بالتالي فإن إجراء إصلاحات حقيقية وواضحة عليه يعني هدمه، وهو ما لا يقبله البغداديون"، مستكملاً حديثه أن "هدم مسرح الهلال سيؤدي إلى تضرر المحال التجارية القريبة منه، وتحديداً تلك التي تقع ضمن بناية المسرح ذاته".
من جانبه، أشار شاكر محمود (63 عاماً)، الذي يسكن في منطقة ساحة الميدان منذ ولادته، إلى أنّه "سمع قصصاً كثيرة عن المسرح"، مضيفاً: "في طفولتنا شاهدنا كيف كان يستضيف الملحنين والمطربين، وعلى خشبته أقيمت أهم الحفلات وأندرها، ولعل حفلات أم كلثوم أشهرها، كما استضاف ناظم الغزالي وسليمة مراد وعفيفة إسكندر، وفرقة صالح وداود الكويتي، والمطربات المصريات نادرة أمين ومنيرة المهدية".
وأضاف محمود، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المسرح قد يسقط بشكلٍ كامل على الناس والمارة، وهو حالياً يمثل حالة قلق لكل الأهالي في بغداد القديمة، فإلى جانب إغلاق المحال التجارية القريبة منه، فإن سقوطه قد يجر معه سقوط بنايات قريبة، لا سيما وأن بعض الأبنية مترابطة"، موضحاً أن "الحكومات العراقية لا تهتم بالتاريخ والآثار والأماكن التي تمثل الذاكرة العراقية، وهي مشغولة بالمشاكل السياسية ونهب الأموال من العراقيين".
أما الناشط في مجال التراث والبيئية، أحمد علي، فلفت إلى أن "جميع الحملات الإعلامية التي قادها ناشطون عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لم تأت بنتيجة، وأن الحكومة والسلطات والجهات المسؤولة عن المسرح والمناطق التراثية تتعمد تجاهل مسرح الهلال، لأسباب لا أحد يعرفها"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "قيمة مسرح الهلال تأتي من الفنانين الذين أحيوا حفلاتهم فيه".
ويحتضن شارع الرشيد في بغداد عدداً من المسارح والمقاهي، لكن جميعها باتت آيلة للسقوط جرّاء الإهمال، إلى جانب عدد من الأبنية التراثية القائمة إلى غاية الآن، بعضها مهجور وبعضها الآخر تحوَّل إلى مخازن للبضائع، وسبق أن أزيل الكثير منها وشُيدت بدلاً منها أبنية سكنيّة وتجاريّة.