يتميز سارقو الساعات الفاخرة الجدد في باريس عن أسلافهم بأنهم من سكان العاصمة الفرنسية نفسها، وبأن بينهم نسبة كبيرة من القاصرين، ويغلب الطابع العنفي على عمليات السطو التي ينفذونها.
برز هذا الجيل الجديد من اللصوص خصوصاً في العاصمة منذ صيف 2019، وتفاقمت الظاهرة مطلع عام 2021، حتى وصولها إلى الضواحي القريبة.
ففي باريس، سجل المحققون 617 سرقة ساعات عام 2020، و668 عام 2019، و644 عام 2018، مع ارتفاع معدل التحقيقات التي توصلت إلى معرفة الفاعلين. وأوضح قائد الأمن الإقليمي في باريس جيل إيربو أن "لا زيادة في الظاهرة، بل هناك تطور في طريقة العمل".
أما قائدة الأمن الإقليمي في منطقة أو دو سين غرب باريس، فانيلي رافرو، فشرحت أن اللصوص "يرصدون الضحية في باريس، ثم يتعقبونها بوسيلة نقل عام أو على دراجة سكوتر إلى منزلها، وعندما تدخل ردهة المبنى الذي تقيم فيه، يعمدون إلى خنقها".
ولاحظ محقق متمرس من فال دو مارن جنوب العاصمة أن "المدهش أنهم يتصرفون بعنف شديد، وأنهم قاصرون أو بالغون شباب".
وأفاد جوليان إيربو بأنهم عموماً باريسيون في العشرينيات من العمر، تبلغ نسبة القاصرين منهم 44 في المائة. وكّلف نحو 30 محققاً في باريس متابعة هذه الظاهرة. أما أهداف اللصوص فهي "الجميع. فما يهمهم هو الساعة لا الشخص".
إلا أن إيربو قال إن خبرة هذا الجيل الجديد في الساعات "محدودة"، مشيراً إلى أن المجموعات الصغيرة المكونة من ثلاثة أو أربعة أشخاص تمكنت من الحصول فقط على "ساعتين أو ثلاث" من طراز "رولكس"، يعيدون بيعها على الشبكات الاجتماعية، من دون شبكة إخفاء منظمة.
وفي نانتير المجاورة للعاصمة، أدت هذه الظاهرة إلى فتح تحقيقات قضائية عدة عام 2021. ووُضِع معظم الشبان المعنيين، وهم في كثير من الأحيان من القاصرين، رهن الحبس الاحتياطي.
وكان الصحافي ألكسندر ماير، المقيم في الدائرة 15 في باريس، ضحية لسرقة من هذا النوع الأسبوع الماضي.
وروى ماير الذي لا يزال "مصدوماً" وعجز عن مزاولة عمله ليومين أنه كان يفتح صندوق بريده في ردهة المبنى الذي يقيم فيه عندما قفز عليه رجل وطوّق عنقه كما لو كان سيخنقه. وأضاف "حاول شابان آخران رشيقان جداً انتزاع ساعتي من يدي، وضرباني على وجهي، لأنني كنت أقاوم".
وتمكن ماير في نهاية المطاف من إخافة مهاجميه، فلاذوا بالفرار، من دون أن يتمكنوا من تحقيق مبتغاهم.
وبالإضافة إلى المكاسب السهلة التي يحققها هؤلاء الشبان من سرقة الساعات، فهي تشكّل أيضاً نوعاً من "طقوس المرور" لهم، إذ يفاخرون بما حققوه، مما يرفع مكانتهم في أوساط الجريمة، على ما شرحت فانيلي رافرو.
وأقرّ المحامي الباريسي آلان فاجبيمي الذي تولى الدفاع عن عدد من هؤلاء الشبان هذه السنة بأنهم "عنيفون جداً أثناء السرقة، ويحاولون إظهار قوتهم، لكن عندما أراهم وحدهم خلال توقيفهم يجهشون بالبكاء".
وذكّر جوليان إيربو بأن سرقات الساعات الفاخرة كانت سابقاً حكراً على مجموعات أكثر تنظيماً. ففي عام 2013، كان ينشط في هذا المجال شبان عشرينيون تُطلق عليهم تسمية "الجزائريون"، في المثلث الذهبي الباريسي (الدوائر 8 و16 و17)، وكانوا يستهدفون السياح.
وكان هؤلاء الذين تبلغ أعمارهم نحو 25 عاماً يخضعون للتدريب في قراهم في الجزائر، وينتشرون في عواصم أوروبية عدة. ولكن على عكس الجيل الجديد، كانوا يرتكبون سرقاتهم من دون عنف، في الشوارع، وكانوا يختارون أغلى موديلات الساعات. وكان لديهم شبكة إخفاء في الخارج.
حلت مجموعات "النابوليتانيين" مكان"الجزائريين"، وما زالت محل اهتمام المحققين.
ودرج "النابوليتانيون" على رصد أشخاص يقودون سياراتهم، فيتبعونهم على دراجتي سكوتر. وتتولى مجموعة السكوتر الأولى نزع مرآة الرؤية الخلفية الجانبية، وما إن يخرج السائق ذراعه لإعادة مرآته إلى مكانها حتى تنقض عليه مجموعة السكوتر الثانية، وتنتزع ساعته.
وكان هؤلاء اللصوص خبراء أيضاً، يسطون على ساعات عالية القيمة، وينطلقون بها عائدين بسرعة إلى إيطاليا.
وألقي القبض، في أكتوبر/تشرين الأول، على إحدى هذه المجموعات في باريس، بعد سرقة ساعة تقدر قيمتها بنحو مائتي ألف يورو من سائح ألماني.
(فرانس برس)