مشكلةٌ تواجهها مهرجانات سينمائية مختلفة، بعضها يُقام في مدنٍ عربية: تقديم كلّ فيلمٍ قبيل عرضه بثوانٍ قليلة، والمخرج ـ المخرجة (أو أحد العاملين ـ العاملات فيه أحياناً) يُشارك في ذلك، بانتظار انتهاء العرض، وبدء نقاشٍ، يندر أنْ يكون مُفيداً، وإنْ يكن مُفيداً فالدقائق الممنوحة للنقاش أقلّ بكثير من منحه مساحةً يستحقّها.
أنْ يُقدَّم فيلمٌ إلى جمهورٍ، يختار مشاهدته بناء على معلومات أو استماعٍ إلى تعليقات أو قراءتها، مهنةٌ تتطلّب جهداً كبيراً في اختصار وتكثيف، إذْ ما الفائدة من ثرثرةٍ تُسيء إلى الفيلم ونصّه البصري، وتستبق المُشَاهَدة التي، وحدها، كفيلةٌ بإيجاد علاقةٍ بين المُشاهِد والمُشاهَد. الأسوأ يظهر في "تبريراتٍ" يسوقها صانع ـ صانعة الفيلم، قبل عرضه: مشاكل إنتاجية، صعوبات في التصوير، "انتبهوا" فالميزانية قليلة وهذا يؤثّر على الإنجاز كلّه، وغيرها من تبريرات تتحوّل سريعاً إلى حاجزٍ خفيّ، لكنّه يُشعِر المُشاهِد/المُشاهِدة بصرامته في منع كلّ تفاعلٍ عفوي ومباشر وحسّي بين المُشاهِد/ المُشاهِدة والمُشاهَد.
كما أنّ كثرة الكلام، الذي يسبق عرض الفيلم، مزعجة بمعانيها وتفاصيلها كلّها. إذْ ما الداعي إلى قولٍ يخرج على تقديمٍ مكثّف وسريع ومُختَصر للغاية، قبل المُشاهَدة؟ ألن تكون المُشاهَدة معبراً مباشراً إلى النصّ، الدرامي والفني والجمالي والثقافي والتأمّلي والفكري والاجتماعي، وغيرها؟ ألن يحقّ للمُشاهِد/المُشاهِدة امتلاك حرية التواصل والتفاعل والتأثّر بفيلمٍ، يختاره لأسبابٍ عدّة، بدلاً من "خضوع" يُفرض عليه أمام تبريرات وتفسيرات، وإنْ يكن بعضها عامّاً، فهذا البعض سيئ ونافر؟
المشكلة الإضافية أنّ بعض من يُقدِّم فيلماً في مهرجانٍ "ينسى" أنّ وظيفته، التي يُفضَّل اختزالها بمعلومات عامة وسريعة (ربما يعرفها المُشاهدون والمُشاهدات أصلاً، لكنْ لا بأس بتقديمٍ عام)، محصورة بتعريفٍ بالفيلم وصانعه ـ صانعته، ولاحقاً (بعد العرض) بإدارة نقاشٍ، يُقطَع غالباً بسبب "ضيق الوقت". إنْ يكن الوقت "ضيقاً"، فلماذا تُصرّ إدارات مهرجانات سينمائية على "تنظيم" نقاشٍ يُبتَر في منتصفه، والبتر مُزعج، خاصةً إنْ يكن النقاش حيوياً وعميقاً، والأسئلة حيوية وعميقة أيضاً؟
اللاحق على العرض مختلفٌ تماماً، كما يُفترض به أنْ يكون أصلاً. فاللاحق مساحةٌ تتيح فرصةً، ولو صغيرة، لنقاشٍ، يريده مشاهدون ومشاهدات، لديهم تساؤلات وتعليقات، تتماهى عادة مع المُشَاهَد، أو تتأثّر به سلباً أو إيجاباً (وإن يكن هذا نادراً، معظم الأحيان). لكنْ، يقع المحظور غالباً، إذْ أنّ موعد العرض التالي قريبٌ للغاية، وإنْ يشأ البعض إكمال النقاش، فليكن هذا خارج الصالة. أمّا المأزق الفعلي، فيكمن في أنّ هناك أسئلةً مُسطّحة، وتعليقات ترتكز على أخلاقيات منبثقة من تربية وسلوك اجتماعيين، يُفرضان على الفيلم وصانعه ـ صانعته، غالباً.
هذا دافعٌ إلى تأهيلٍ مطلوبٍ لمن يُقدِّم فيلماً، ويُدير نقاشاً، والأفضل أنْ تكتفي إدارات المهرجانات بتقديمٍ عام، ومن يرغب في نقاشٍ وتساؤلات فليلتقي صانع الفيلم وصانعته خارج الصالة.