بدت تغريدة لمسؤول سعودي سابق أعرب فيها عن تعازيه بعد وفاة ناشط أمرا عاديا، لكن اختفاءه في ظروف غامضة بعد ذلك بوقت قصير يسلط الضوء على ما يصفه حقوقيون بأنه "سلطوية رقمية" تمارسها الدولة. واختفى عبد العزيز الدخيل في نيسان/إبريل هذا العام، بالإضافة إلى شخصيتين معروفتين يعتقد أنهما في السجن بسبب ما اعتبر انتقادات للدولة.
وتحدثت معلومات منفصلة عن خرق للبيانات قام به سعوديون في 2015 أدى إلى موجة من "الاختفاءات القسرية" لمنتقدي النظام، بينهم أشخاص يملكون حسابات مجهولة على المنصة. وتظهر هذه القضايا كيف سعت السعودية التي تضم أكبر عدد من مستخدمي تويتر في العالم العربي، إلى استخدام قوة المنصة للترويج لخطة إصلاحاتها الطموحة بالتزامن مع مسعاها لكبح حرية التعبير.
كان الدخيل يشغل منصب نائب وزير للمالية، وهو من بين ثلاث شخصيات عامة يعتقد أنهم محتجزون لدى الدولة. وبحسب منظمات حقوقية، اختفى هؤلاء في نيسان/إبريل الماضي "بسبب تعازيهم في وفاة (...) عبدالله الحامد". وكان الحامد، وهو ناشط معروف، توفي بعد تعرّضه لجلطة دماغية في السجن بينما كان يقضي حكما بالسجن لـ11 عاماً، ما أثار انتقادات من منظمات دولية.
وقال ابنه عبد الحكيم الدخيل إن مكان والده غير معروف، ولم تكشف السلطات عن أي اتهامات رسمية. وأضاف ابنه الموجود في باريس "لماذا تم أخذه؟ ماذا كانت جريمته؟"، متسائلاً "هل هو في السجن لمجرد تغريدة؟". ولم تردّ السلطات السعودية على أسئلة فرانس برس التي اتصلت بها للحصول على التعليق.
يأتي احتجاز هؤلاء بينما تشن السلطات السعودية حملة استهدفت ناشطين ومدونين وحتى أمراء في العائلة المالكة تم اعتقالهم في السنوات الأخيرة، مع سعي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز قبضته. وقامت المملكة بالاعتقالات بموجب قانون للجرائم الإلكترونية ترى منظمات حقوقية من بينها منظمة العفو الدولية أنه يقوم بتجريم انتقاد الحكومة على الإنترنت.
تغريدة بسيطة يمكنها أن تودي بك إلى السجن في السعودية
وقالت مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، لين معلوف، إن "تغريدة بسيطة يمكنها أن تودي بك إلى السجن في السعودية من دون الوصول إلى محام لأشهر أو حتى سنوات". وفي عام 2015، أدى خرق للبيانات في تويتر عبر سعوديين إلى الكشف عن منتقدين مجهولين للحكومة على المنصة، واعتقالهم بحسب عائلات وقضيتين ضد الشركة.
وقامت وزارة العدل الأميركية باتهام موظفين سابقين بالتجسس لصالح الحكومة السعودية، مع وصولهم إلى بيانات أكثر من ستة آلاف حساب بحثا عن مستخدمين "منتقدين للنظام". وبحسب الوزارة، فإن "المعلومات الشخصية للمستخدمين تضمنت البريد الإلكتروني وأرقام هواتفهم وعنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بهم وتواريخ ميلادهم"، محذرة من إمكانية استخدام هذه البيانات لتحديد موقع المستخدمين.
وأحد هؤلاء كان عبد الرحمن السدحان (36 عاماً) الذي يعمل في الهلال الأحمر وعبّر عن آرائه في قضايا حقوق الإنسان وقضايا اجتماعية أخرى عبر حسابه المجهول على تويتر، بحسب عائلته. وذكرت شقيقته أريج التي تقيم في سان فرانسيسكو أنه قبض عليه في مكتبه في الرياض من قبل الأمن السعودي في آذار/مارس 2018. وبعد عامين على اختفائه، سمح له بإجراء مكالمة هاتفية مع عائلته وقال إنه محتجز في سجن الحائر قرب الرياض. وأكدت شقيقته "كانت مكالمته الأولى والوحيدة، واستمرت لأقل من دقيقة واحدة"، موضحة "قال شخص له انتهت الدقيقة. ولم يكن هناك وداع أو سأتحدث معك لاحقا".
وقال معارضان سعوديان في شمال أميركا في دعويين قضائيتين منفصلتين ضد تويتر إنه تم استهداف حساباتهما في الخرق، ما يعرّض حياة المقربين منهم في السعودية للخطر. وأحد المدعين هو علي آل أحمد، مؤسس المعهد الخليجي في واشنطن والذي قدم شكوى معدلة في آب/أغسطس الماضي ضد تويتر بسبب "فشله الذريع" في حماية حسابه.
واطلعت "فرانس برس" من محامي أحمد على لائحة تضم أسماء ثمانية سعوديين كانوا على تواصل معه عبر حسابات مجهولة على تويتر، يقول فيها إنهم سجنوا أو أصبحوا في عداد المفقودين أو ماتوا بعد الخرق. ولم يردّ تويتر على طلب التعليق.
وفي السنوات الأخيرة، قام تويتر بحذف آلاف من الحسابات السعودية "المدعومة من الدولة"، مشيرا إلى خرق سياسات منصة التراسل.
يبلغ عدد مستخدمي تويتر في السعودية نحو 12 مليوناً
وبحسب شركة ستاتيكا لأبحاث السوق، يبلغ عدد مستخدمي تويتر في السعودية نحو 12 مليوناً. وتنكب الجيوش الإلكترونية (تعرف باسم "الذباب الإلكتروني") على الدفاع عن سياسة المملكة ومهاجمة المنتقدين. وظهرت هذه الجيوش في إطار سياسة قادها المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني.
ويرى مارك أوين جونز الذي ألف كتابا عن "السلطوية الرقمية في الشرق الأوسط" أن "السلطوية الرقمية السعودية.. أمر فاضح في جرأته". ويقول جونز إنه "على مدى السنوات القليلة الماضية، استخدمت كيانات مرتبطة بالسعودية بنجاح تويتر وتمكنت من اختراقه، لدرجة أن تويتر بنفسه أصبح سلاحا لحكم سلطوي".
(فرانس برس)