بثت منصة نتفليكس أخيراً مسلسل "ثلاثي التجارب الناقصة" The Imperfects الذي نتعرف فيه إلى شاب وفتاتين (خوان وآبي وتيلدا)، وجدوا أنفسهم ضحية تجربة علميّة أكسبتهم قوى خارقة لا يريدونها، كونها تمنعهم من ممارسة حياتهم العادية. ولتجاوز ذلك، يقومون بزيارات دورية للطبيب الذي أجرى التجارب عليهم للحصول على الحبوب التي تمنعهم من استخدام قواهم الخارقة.
يختفي الطبيب من دون أن يترك لهم أي حبة تساعدهم على كبح قواهم، ما يجعل قدرات الثلاثة تخرج عن السيطرة، ليبدأوا بعدها رحلة البحث عن الطبيب، في سبيل تطوير دواء لحالتهم. هكذا، يكتشفون شباناً وشابات غيرهم خضعوا إلى التجربة نفسها. نكتشف أن هذه التجربة ليست قانونية، يقوم بها الطبيب وحده. وما يثير الاهتمام في The Imperfects أن صورة العالم المجنون تتجاوز الشكل التقليدي؛ إذ يهدف الطبيب إلى خلق بشر أشد تطوراً وقدرة على تجاوز التغيرات المناخية ونقص الغذاء، وغيرها من الكوارث التي تحل على كوكب الأرض. الهدف، إذن، ابتكار إنسان قادر على النجاة، كوننا كبشر، وبشكلنا الحالي، محكومون بالفناء بسبب ما يطرأ على الأرض من تغيرات طبيعية تسبّب بها البشر أنفسهم.
يتصارع، ضمن المسلسل، عدد من القوى. هناك الشبان بوصفهم نتاج التدخل العلمي، والقراصنة الحيويون ذوو الأطماع التطورية والمالية. وهناك العالم المجنون ذو الرسالة الرومانسية. والأهم، هناك السلطة الرسمية التي تريد احتواء ما يحصل، حتى لو عنى ذلك قتل كل من خضعوا إلى التجربة. لكن لن تقتل السلطة العلماء الذين لا بد من تجنيدهم من أجلها؛ فالعلم ونتائجه التي قد تغير البشرية، لا بد أن يكون محصوراً بيد السلطة، وليس بيد الهواة وأصحاب الأحلام.
اللافت أن التجربة العلميّة هذه المرة، لم تنجز من قبل حكومة شريرة أو "فلول النازية"، وليس عن طريق شركة عسكريّة، بل عالم يشتغل في الجامعة، ويمتلك أحلاماً عن مستقبل البشريّة. والمفارقة أن الشبان الثلاثة لا يريدون التحول إلى أبطال، بل الحفاظ على حياتهم كما هي، وكأنهم نسخة أقل تشوهاً من فرانكشتاين، وأقل براغماتية من "ذا هالك" The Hulk اللذين يمثلان تجارب علمية فاشلة، كحالة أبطال المسلسل. لكن الاختلاف بالنسبة إليهم أن هناك أمل، ولا داعي لتحول الواحد منهم إلى بطل يحاول إنقاذ العالم وتخليصه من شروره.
هذا هو اللافت في العمل، إذ نبدو كأننا أمام صورة للجيل الجديد، جيل ما بعد الألفية الثانية، ذاك الذي يرى في كل ما أنجز قبل عام 2000 مجرد مبالغة ومحاولات لتدمير الكوكب والبيئة. بالتالي، لا بد من كسر الصور التي يؤمن بها، ومن أبرزها صورة التجربة العلمية ونتائجها، وصورة البطل الخارق الذي يجد نفسه فجأة مسؤولاً عن أمن العالم. أبطال هذا المسلسل ساخرون، لا أخلاق عليا تحركهم، ولا رغبة بخير البشرية، فقط التخلص مما هم فيه، والعودة إلى حياتهم الطبيعية، كبشر عاديين قد يفنون مع فناء أقرانهم.
لا يمكن القول إننا أمام مسلسل متميز أو يغير كيفية نظرنا إلى الأبطال الخارقين المراهقين. صحيح أنه مفرط في دمويته، لكنه لا يحاول التأسيس لعالم جديد، كحالة فيلم The New Mutants، بل هو أقرب إلى عمل درامي مُسلّ، مشابه لموجة المسلسلات التي تتحدث عن السحر والمراهقين. لكن، هذه المرة، عوضاً عن السحر، نحن أمام قوى خارقة، ويمكن تفسير ذلك بأن منتجي المسلسل هم ذاتهم منتجو مسلسل The Order. الأخير عمل عن السحر، وكان قد ألغي من "نتفليكس" بعد موسمين بسبب عدم مشاهدته بالحجم المتوقع. وهذا ما يفسر الانتقادات السلبية التي تعرض لها المسلسل، وشبهه بسابقه، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالإطالة والحشو والثرثرة المجانيّة، إذ يمكن مشاهدته بينما نقرأ، أو حتى نشاهد شيئاً آخر، من دون أن يهدد ذلك الحكاية.