الفيلم الثامن للمخرج الأميركي، كوينتن تارنتينو، يقف منذ عنوانه في تصادم مع عنوان آخر شهير في تاريخ السينما الأمريكية، وهو “The Magnificent Seven”، المقتبَس بدوره عن الياباني “The Seven Samurai”. وفي هذا التصادم، يتشكَّل جانبٌ من الرؤية الفكرية والاتجاه الذي يأخذه تارنتينو. إذْ لا يوجد في أفلامه أبطال أو عظماء، هم دائماً حفنة من الأوغاد، قد يكون بعضهم أفضل من بعض، وقد تتعاطف كمشاهد مع شخصيَّة "العروس" أكثر من شخصيَّة "بيل" في فيلم “Kill Bill”، أو مع "مستر وايت”، أكثر من "مستر بلوندي" في “Reservoir Dogs”، على سبيل المثال. ولكن الجميع في النهاية أوغاد.
رجال غرباء مكروهون
ولذلك، فإن الفيلم يحمل منذ عنوانه، نفياً لصفة البطولة بأي شكل عن أبطاله. هم مكروهون يستحق كلُّ واحدٍ منهم القتل. هكذا يراهم تارنتينو، وهكذا يرى العالم. يبدأ الفيلم بمشاهد لعاصفة ثلجية، نعرف من الملابس أننا في عصر "الغرب الأميركي الحديث"، ثم من الحوار، أنَّ الزمن هو زمن ما بعد الحرب الأهليَّة الأميركيَّة. صائد جوائز أسود (لقب يُطْلَق على الذين كانوا يقبضون على الخارجين عن القانون في الغرب القديم، ويسلمونهم لحاكم البلد)، يدعى "وارين"، يوقِفُ عربة خيول عابرة لتقله مع 3 جثث لخارجين عن القانون، وليكتشِف أنَّ من يركبها هو "جون روث". صائد جوائز آخر قديم، يفضِّلُ الاحتفاظ بالمقبوض عليهم أحياء كي يُشْنَقوا، وهو في رحلته تلك يُقل "ديزي دومرجيو" إلى بلدة "ريد روك"، بعدها يُقابِل ثلاثتهم في الطريق، "كريس مانيكس"، الذي يدَّعى أنه "شريف ريد روك"، ويطلب الركوب معهم. وتصل رحلتهم الرباعيَّة في النهاية إلى محل يدعى، "ميني"، حيث سيضطرون للبقاء يومين لحين انتهاء العاصفة. وفي المحل الصغير لن يجدوا "ميني" بل سيجدون 4 رجال غرباء الأطوار ليكتمل عقد الـ"Hateful Eight”، وتبدأ أحداث مجنونة في الوقوع، ستشكل خطراً جسيماً على حياة الجميع.
وقت مهدور
هناك مشكلة واحدة وكبيرة، مع الأسف، في هذا الفيلم تمنعه من أن ينضمَّ لكلاسيكيات تارنتينو الأهم، وهو أنَّه يهدر وقتاً طويلاً من مدته البالغة 3 ساعات دون أن يبدأ الحدث الرئيسي، أيَّ أنَّ هنالك وقتاً كثيراً في الفيلم ضائعاً ويشعر المشاهد فيه بالملل، خصوصاً أن الفيلم أصلاً طويل. تارنتينو يستَغْرِق أوَّل ساعة ونصف تقريباً من أجل التمهيد للشخصيَّات سينمائيًا.
ويعتمد على الحوار الطويل، كالعادة في جميع أفلامه، بين "وارين" و"روث" و"ديزي ثم "مانكيس"، ليصنع خلفيَّة عن أبطاله، ولكنَّ ذكاءه في الكتابة خانه هذه المرة لأكثر من سبب. أوَّلاً، كل شيء يريده لنا أن نعرفه عن الشخصيات سنعرفه لاحقاً دون ضرورة استغراق نصف مدة الفيلم في شرح الشخصيات والتركيز عليها. ثانياً، الحوار نفسه ورغم ذكائه، ليس بنفس استرسال وخفة حواراته القديمة في أفلامه السابقة، إذ يبدو مثقلاً بالمعلومات النظرية أحياناً، ويفتقد أرضية الثقافة الشعبية، والعمق الأهلي أحياناً، وعلاقة الشخصيات بعالمنا الواقعي كمشاهدين أحياناً أخرى. وبسبب هاتين النقطتين، نستطيع القول إنه كان يمكن اختصار الحوار لمدّة النصف على الأقل.
إقرأ أيضاً:الفيلم الفلسطيني"السلام عليك يا مريم" ينافس على الأوسكار
بداية الفيلم من المنتصف
في النصف الثاني من الأحداث، والذي يبدأ فعلياً في الفصل المسمى "سر درمرجيو"، وهو الفصل الرابع ضمن 6 فصول تشكل العمل، تنفجرُ الأحداث فعليَّاً، وكأنَّ الفيلم قد بدأ لتوّه. وكلُّ إمكانيَّاته قد بدأت تستخدم الآن: صراع الشخصيَّات المتنافرة، موسيقى إنيو موريكوني، استخدام تصوير روبرت ريتشاردسون على خام 70 مللي وبأبعاد شاشة عريضة للغاية، الحبكة والحوار والسر الذي تحمله درمرجيو والشخصان اللذان يموتان بسببه، واللغز الذي يبدو وكأنه إعادة تكرار عظيمة للغز فيلمه السابق Reservoir Dogs، ألا وهو: شخصيات داخل مكان مغلق تبحث عن الخائن بينها.
تلك المرحلة من الفيلم عظيمة فعلاً، لا يتوقف العمل ثانية واحدة، التشويق مستمر ومتصل، ولا يُسْمَح للمشاهد حتى بالتقاط الأنفاس، ورغم أنَّ بعض التفاصيل تبدو متوقَّعة، بالنسبة لمحبي سينما تارنتينو أو المعجبين بها، إلا أنَّ ذلك لا يقلل من تدفق الفيلم. تارنتينو يستفيدُ فعلاً من اختلاف شخصيَّاته الثمانية. ومن أنهم كلُّهم أشخاص كريهون وبغيضون ولديهم حيلهم، ومن الاتفاقات التي تحدث بين اثنين من الأعداء فقط، لأنه هنالك على الطاولة الأخرى عدوٌ أكبر. يتحول محل "ميني" الصغير لرقعة شطرنج كبيرة، وكلُّ خطوةٍ محسوبة لأنَّها قد تكلّف شخصاً حياته. وبسبب كلّ هذا، يتحوَّل نصف الفيلم الثاني لواحد من أكثر الأوقات السينمائيَّة تميُّزاً وتشويقاً في عام 2015.
تأثير غياب سالي منيك
الفيلم يحتاج لإعادة مونتاج فقط، وقد يصبح حينها عملاً عظيماً ومؤثراً، وربما من الضروري الإشارة هنا، إلى أنَّ تارنتينو فقد عام 2010، صديقته والمونتيرة التي عملت على جميع أفلامه السابقة، سالي مينك، بسبب وفاتها. وفي الفيلمين التاليين Django Unchained عام 2012، ثم Hateful Eight هذا العام، عمل مع المونتير فريد راسكين. وعانى الفيلمان من مشاكل في الإيقاع وتطويل في بعض الأحيان. لو كانت مينك لاتزال موجودة، على الأغلب، كانت منعت الضياع الهائل في وقت الفيلم منذ البداية، ومنعت أن يستغرق التمهيد حوالى الـ 90 دقيقة. وبالتأكيد، كان الفيلم سينال مديحاً وجوائز أكثر مما نال الآن.
إقرأ أيضاً: الجزائر تستعد لإقامة الدورة السادسة للأيام السينمائية
رجال غرباء مكروهون
ولذلك، فإن الفيلم يحمل منذ عنوانه، نفياً لصفة البطولة بأي شكل عن أبطاله. هم مكروهون يستحق كلُّ واحدٍ منهم القتل. هكذا يراهم تارنتينو، وهكذا يرى العالم. يبدأ الفيلم بمشاهد لعاصفة ثلجية، نعرف من الملابس أننا في عصر "الغرب الأميركي الحديث"، ثم من الحوار، أنَّ الزمن هو زمن ما بعد الحرب الأهليَّة الأميركيَّة. صائد جوائز أسود (لقب يُطْلَق على الذين كانوا يقبضون على الخارجين عن القانون في الغرب القديم، ويسلمونهم لحاكم البلد)، يدعى "وارين"، يوقِفُ عربة خيول عابرة لتقله مع 3 جثث لخارجين عن القانون، وليكتشِف أنَّ من يركبها هو "جون روث". صائد جوائز آخر قديم، يفضِّلُ الاحتفاظ بالمقبوض عليهم أحياء كي يُشْنَقوا، وهو في رحلته تلك يُقل "ديزي دومرجيو" إلى بلدة "ريد روك"، بعدها يُقابِل ثلاثتهم في الطريق، "كريس مانيكس"، الذي يدَّعى أنه "شريف ريد روك"، ويطلب الركوب معهم. وتصل رحلتهم الرباعيَّة في النهاية إلى محل يدعى، "ميني"، حيث سيضطرون للبقاء يومين لحين انتهاء العاصفة. وفي المحل الصغير لن يجدوا "ميني" بل سيجدون 4 رجال غرباء الأطوار ليكتمل عقد الـ"Hateful Eight”، وتبدأ أحداث مجنونة في الوقوع، ستشكل خطراً جسيماً على حياة الجميع.
وقت مهدور
هناك مشكلة واحدة وكبيرة، مع الأسف، في هذا الفيلم تمنعه من أن ينضمَّ لكلاسيكيات تارنتينو الأهم، وهو أنَّه يهدر وقتاً طويلاً من مدته البالغة 3 ساعات دون أن يبدأ الحدث الرئيسي، أيَّ أنَّ هنالك وقتاً كثيراً في الفيلم ضائعاً ويشعر المشاهد فيه بالملل، خصوصاً أن الفيلم أصلاً طويل. تارنتينو يستَغْرِق أوَّل ساعة ونصف تقريباً من أجل التمهيد للشخصيَّات سينمائيًا.
ويعتمد على الحوار الطويل، كالعادة في جميع أفلامه، بين "وارين" و"روث" و"ديزي ثم "مانكيس"، ليصنع خلفيَّة عن أبطاله، ولكنَّ ذكاءه في الكتابة خانه هذه المرة لأكثر من سبب. أوَّلاً، كل شيء يريده لنا أن نعرفه عن الشخصيات سنعرفه لاحقاً دون ضرورة استغراق نصف مدة الفيلم في شرح الشخصيات والتركيز عليها. ثانياً، الحوار نفسه ورغم ذكائه، ليس بنفس استرسال وخفة حواراته القديمة في أفلامه السابقة، إذ يبدو مثقلاً بالمعلومات النظرية أحياناً، ويفتقد أرضية الثقافة الشعبية، والعمق الأهلي أحياناً، وعلاقة الشخصيات بعالمنا الواقعي كمشاهدين أحياناً أخرى. وبسبب هاتين النقطتين، نستطيع القول إنه كان يمكن اختصار الحوار لمدّة النصف على الأقل.
إقرأ أيضاً:الفيلم الفلسطيني"السلام عليك يا مريم" ينافس على الأوسكار
بداية الفيلم من المنتصف
في النصف الثاني من الأحداث، والذي يبدأ فعلياً في الفصل المسمى "سر درمرجيو"، وهو الفصل الرابع ضمن 6 فصول تشكل العمل، تنفجرُ الأحداث فعليَّاً، وكأنَّ الفيلم قد بدأ لتوّه. وكلُّ إمكانيَّاته قد بدأت تستخدم الآن: صراع الشخصيَّات المتنافرة، موسيقى إنيو موريكوني، استخدام تصوير روبرت ريتشاردسون على خام 70 مللي وبأبعاد شاشة عريضة للغاية، الحبكة والحوار والسر الذي تحمله درمرجيو والشخصان اللذان يموتان بسببه، واللغز الذي يبدو وكأنه إعادة تكرار عظيمة للغز فيلمه السابق Reservoir Dogs، ألا وهو: شخصيات داخل مكان مغلق تبحث عن الخائن بينها.
تلك المرحلة من الفيلم عظيمة فعلاً، لا يتوقف العمل ثانية واحدة، التشويق مستمر ومتصل، ولا يُسْمَح للمشاهد حتى بالتقاط الأنفاس، ورغم أنَّ بعض التفاصيل تبدو متوقَّعة، بالنسبة لمحبي سينما تارنتينو أو المعجبين بها، إلا أنَّ ذلك لا يقلل من تدفق الفيلم. تارنتينو يستفيدُ فعلاً من اختلاف شخصيَّاته الثمانية. ومن أنهم كلُّهم أشخاص كريهون وبغيضون ولديهم حيلهم، ومن الاتفاقات التي تحدث بين اثنين من الأعداء فقط، لأنه هنالك على الطاولة الأخرى عدوٌ أكبر. يتحول محل "ميني" الصغير لرقعة شطرنج كبيرة، وكلُّ خطوةٍ محسوبة لأنَّها قد تكلّف شخصاً حياته. وبسبب كلّ هذا، يتحوَّل نصف الفيلم الثاني لواحد من أكثر الأوقات السينمائيَّة تميُّزاً وتشويقاً في عام 2015.
تأثير غياب سالي منيك
الفيلم يحتاج لإعادة مونتاج فقط، وقد يصبح حينها عملاً عظيماً ومؤثراً، وربما من الضروري الإشارة هنا، إلى أنَّ تارنتينو فقد عام 2010، صديقته والمونتيرة التي عملت على جميع أفلامه السابقة، سالي مينك، بسبب وفاتها. وفي الفيلمين التاليين Django Unchained عام 2012، ثم Hateful Eight هذا العام، عمل مع المونتير فريد راسكين. وعانى الفيلمان من مشاكل في الإيقاع وتطويل في بعض الأحيان. لو كانت مينك لاتزال موجودة، على الأغلب، كانت منعت الضياع الهائل في وقت الفيلم منذ البداية، ومنعت أن يستغرق التمهيد حوالى الـ 90 دقيقة. وبالتأكيد، كان الفيلم سينال مديحاً وجوائز أكثر مما نال الآن.
إقرأ أيضاً: الجزائر تستعد لإقامة الدورة السادسة للأيام السينمائية