بعد أكثر من أربع سنوات من النقاش حول مشكلة تعدّد الجهات الرقابية على مختلف القطاعات الاقتصادية في الأردن، أقرّت الحكومة مشروع قانون جديد يهدف إلى الحد من التداخل والازدواجية في صلاحيات الجهات الرسمية، والتي تعد واحدة من أكثر معوقات الاستثمار في البلاد.
ويستجيب القانون إلى حد كبير لمطالب القطاع الخاص، والذي أكّد ممثلوه أنه جاء بعد سنوات طويلة من الانتظار والمطالبات المتكررة.
وقالت ياسمين خريسات، مديرة التنمية الصناعية في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، إن مشروع القانون الذي أقرّته الحكومة مطلع أبريل/نيسان الجاري: "يأتي كجزء من برنامج إصلاحي متكامل، ويهدف إلى تعديل عدد من صلاحيات الجهات الرقابية وإعادة رسم أدوارها المحددة".
وأضافت خريسات في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه بموجب القانون سيتم تشكيل لجنة عليا كمظلة وطنية، لوضع سياسات التفتيش والرقابة على الأعمال والإشراف على التنسيق بين الجهات الرقابية.
وتضمّنت مسودة القانون تحديد الجهات المرجعية التنظيمية لكل مجال رقابي وتقليل عدد الجهات الرقابية مقارنة بالوضع الحالي.
ويبلغ عدد الجهات الرقابية التي تزور المؤسسة الواحدة نحو 7 جهات، فيما يبلغ معدل عدد الموظفين خلال زيارة التفتيش 8 موظفين للمؤسسة الواحدة، وفق البيانات الرسمية.
وقالت خريسات إن الدراسات القانونية والمؤسسية الشاملة التي أجرتها مؤسسة التمول الدولية، بيّنت وجود مشاكل قانونية في صلاحيات جهات التفتيش، وأن آليات الرقابة وإجراءاتها غير منظّمة.
وأشارت إلى أن القطاع الخاص يشكو من التداخل في أعمال التفتيش، والتي تقوم بها الجهات الرقابية المختلفة والتضارب في الصلاحيات بينها، ما يؤثر على البيئة الاستثمارية.
ويشمل القانون الجديد مجالات التفتيش التالية: السلامة العامة، حقوق العمال، الصحة والسلامة المهنية، الصحة العامة والغذاء والدواء، المياه والبيئة.
وقالت مديرة التنمية الصناعية في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، إن القانون سيشتمل على بنود التفتيش التي توجد في 14 قانوناً مطبقاً حالياً، بحيث تندرج في تشريع واحد.
وأكدت أن اتباع المنهجيات الجديدة سيؤدي إلى تحقيق وفرة مالية، من حيث تقليل الجهد المبذول وتقليل عدد الزيارات الميدانية، ما سيدعم النشاط الاقتصادي والتنموي، إذ إن الكلفة السنوية لهذه الزيارات تبلغ نحو 22 مليون دولار.
وبحسب بيانات رسمية يقدّر عدد المنشآت الصناعية في الأردن بنحو 18 ألف منشأة بين صناعية وحرفية، فيما يتجاوز عدد المنشآت التجارية أكثر من 100 ألف منشأة بين نشاط تجاري وخدمي.
ووفقاً للبيانات التي حصلت عليها "العربي الجديد" فإن مجموع زيارات التفتيش الكلي للمنشأة الواحدة يبلغ نحو 31 زيارة في السنة، ومعدل الوقت المستغرق لزيارات التفتيش الكلية يبلغ نحو 25.3 ساعة للمنشأة في السنة.
وبحسب وزارة الصناعة والتجارة فإن المستثمر سيلاحظ الفرق في التعامل اليومي مع الجهات المرجعية، الأمر الذي سيسهم في رفع مستوى الثقة.
في المقابل، قال عدنان أبو الراغب، رئيس غرفة صناعة الأردن لـ"العربي الجديد"، إن القطاع الخاص يعاني منذ سنوات طويلة من تعدد الجهات الرقابية وازدواجية الصلاحيات، ما تسبّب في أضرار كبيرة لمختلف القطاعات الاقتصادية.
وأضاف أن كثرة زيارة التفتيش وتعدد الجهات الرقابية يؤديان إلى إرباك العمل وتأخير عمليات الإنتاج من دون مبرر، إذ يضطر المصنع وأي منشأة للتوقف عن العمل لبعض الوقت إلى حين الانتهاء من جولات التفتيش.
وتابع أن القطاع الصناعي يتفق تماماً على أهمية عمليات التفتيش وإدامتها، لكن لا بد من إزالة التعددية والازدواجية التي تؤثر على بيئة الأعمال.
وقال إن إقرار مشروع قانون التفتيش من شأنه تعزيز بيئة الاستثمار، ويحسّن مرتبة الأردن على مؤشرات الاستثمار العالمية، مشيراً إلى أن تعدّد الجهات الرقابية كان يشكّل عائقاً أمام حركة الاستثمار ويزعج المستثمرين.
وكان أصحاب منشآت صناعية وتجارية قد حذّروا من استخدام بعض العاملين في الجهات الرقابية سلطتهم لتحقيق مكاسب خاصة، من خلال ابتزاز أصحاب المنشآت، إذ إن القانون يفرض عقوبات مالية مرتفعة عل المخالفين.
وقال رائد حمادة، ممثل قطاع تجار المواد الغذائية في غرفة تجارة الأردن، لـ"العربي الجديد" إن القطاع التجاري من أكثر الأنشطة الاقتصادية التي تعاني من تعدّد الجهات الرقابية وزيارات التفتيش وتداخل الاختصاصات، نظراً لحساسية عمل التجارة، خاصة في قطاع المطاعم.
وأضاف أن هناك أضراراً نفسية تقع أحياناً على أصحاب المنشآت الاقتصادية، خاصة التجارية منها عند تكرار عمليات التفتيش وكذلك الإساءة إلى سمعة المؤسسات وتراجع ثقة المواطنين فيها، مؤكداً أهمية الإسراع في استكمال الحلقات الدستورية اللازمة لنفاذ القانون من خلال مناقشته وإقراره من قبل البرلمان.
من جانبه، قال أكرم كرمول رئيس جمعية حماية المستثمر، إن الاقتصاد الأردني يحتاج إلى تعزيز تنافسيته من خلال إزالة معيقات الاستثمار وتحفيز المشاريع القائمة على التوسع، ما يقتضي توحيد جهات الرقابة ومنع التداخل في الصلاحيات بين المؤسسات الحكومية.