بدأت وزارة التموين المصرية تطبيق منظومة "جديدة" لإنتاج الخبز البلدي المُدعم في الأول من أغسطس الجاري والتي تقوم على مبدأ تحرير سعر القمح وبيعه لأصحاب المطاحن بالسعر الحر بواقع 4000 جنيهً للطن، حوالي 225 دولارا أميركيا، وكذلك تحرير سعر الدقيق وبيعه لأصحاب المخابز بالسعر الحر بواقع 4700 جنيهً للطن، حوالي 265 دولارا أميركيا، وكذلك تحرير سعر السولار المستخدم في المخابز.
وتنص المنظومة على أن يتقاضى صاحب المخبز من الدولة مبلغ 14.4 قرشا مقابل كل رغيف يبيعه ثمنًا لعملية الخَبز، بواقع 180 جنيها للجوال زنة 100 كيلوغرام، مع الاستمرار في بيع رغيف الخبز المدعم بسعر 5 قروش بمعدل 5 أرغفة لكل مواطن وحظر بيع الخبز بالسعر الحر على أن تدفع الدولة مرة أخرى لأصحاب المخابز 57 قرشا عن كل رغيف يبيعه صاحب المخبز للمواطن، شاملًا ثمن الدقيق وتكلفة الخَبز بعد خصم ثمن بيع رغيف الخبز للمواطن وهو 5 قروش عن كل رغيف.
طبقًا للمنظومة "الجديدة" تُلزم الوزارة أصحاب المخابز بسداد ثمن حصة الدقيق لمدة 3 أيام مقدمًا، وهو ما يلزم صاحب المخبز بدفع مبلغ 15 ألف جنيه، 790 دولارا، مقدمًا للاشتراك في المنظومة، وللاستمرار في إنتاج الخبز المدعم وهو مبلغ كبير يعجز كثير من أصحاب المخابز الصغيرة عن توفيره.
منظومة باسم عودة
وزير التموين الحالي علي المصيلحي يعتبر تحرير سعر القمح والدقيق "منظومة جديدة" تطبق في مصر لأول مرة وعبر عن ذلك في مؤتمر صحفي السبت 29/7 بقوله "مبروك لمصر ولنا جميعاً، استطعنا وضع منظومة قابلة للإدارة والرقابة" وهو ما ينفي الحقيقة، إذ إن المنظومة التي يدعيها الوزير ليست إلا المنظومة التي طبقها الدكتور باسم عودة وزير التموين في حكومة الدكتور هشام قنديل لأول مرة في النصف الأول من عام 2013، باستثناء الشروط المجحفة التي استحدثها الوزير الحالي ويعترض عليها أصحاب المخابز حاليًا.
ومن هنا فإن المنظومة ليست "جديدة" كما يدعي وزير التموين، وليس له أن يبارك لقيادات وزارته منظومة وضعها سلفه قبل أربع سنوات كاملة ثم يسطو عليها دون أن ينسب الفضل لأهله أو يلحق الحق بصاحبه بالرغم من تصريحه بأن "جميع الحقوق محفوظة"
منظومة "باسم عودة" وإن كانت معروفة لكل وزراء التموين السابقين، بمن فيهم الوزير الحالي، لكن أحدًا منهم لم يجرؤ على تطبيقها خوفًا من غضبة أصحاب المخابز، وبدأ باسم عودة بتطبيقها في عهد الرئيس محمد مرسي قبل الانقلاب عليه.
أصحاب المخابز يتآمرون
في مارس 2013، وبعد أيام من بدء تطبيق المنظومة الجديدة، تجمهر أصحاب المخابز وقطعوا شارع القصر العيني أمام وزارة التموين في غيبة الأمن بجوار مجلس الشعب وقريبًا من مقر مجلس الوزراء واقتحموا الوزارة وأضرموا فيها النار بتحريض من الشعبة العامة للمخابز البلدية بالاتحاد العام للغرف التجارية اعتراضًا منهم على منظومة تحرير الدقيق التي أقرها الوزير.
أصحاب المخابز رددوا هتافات ضد الوزير ومرسي ومنها "باسم عودة فاشل فاشل" و"يا باسم قول لمرسي الرغيف قبل الكرسي" و"يسقط محمد مرسي، يسقط باسم عودة". وأصر "عودة" على تطبيق المنظومة، وفي شهر يوينو/حزيران 2013 وصلت نسبة المخابز المشتركة في المنظومة الجديدة إلى 90% من إجمالي المخابز البلدية وعددها قريبا من 24 ألف مخبز في عموم مصر.
النظام يكافئ المتآمرين
بعد أيام من الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، ألغى النظام منظومة "عودة" وقرر العودة إلى منظومة المخلوع مبارك وغض الطرف عن تسريب الدقيق للسوق السوداء مكافأة منه لأصحاب المخابز الذين عرقلوا سياسة "عودة" طوال ستة شهور قضاها وزيرًا للتموين.
وعادت طوابير الخبز من جديد مع تزايد كميات الدقيق المتسربة من المخابز علانية في الشوارع، واستورد النظام 2.5 مليون طن من القمح في أول شهرين بعد الانقلاب فقط.
الانقلاب على أصحاب المخابز
أصحاب المخابز يعتبرون المنظومة "ظلما وخراباً" بحسب وصف أحدهم، وتعجيزية خاصة في شرط الدفع مقدمًا الذي لم يكن موجودًا في منظومة الوزير "عودة" وكذلك بسبب انخفاض تكلفة الخَبز التي قدرها النظام بدون التشاور معهم في ظل تضاعف أسعار العمالة والسولار والكهرباء والمياه وتكاليف نقل الدقيق والإيجار وصيانة معدات المخبز، ومازال الغضب سائدًا بين أصحاب المخابز بعد عدة أيام من تطبيقها.
ومع إصرار النظام على تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي للحصول على القسط الثالث من القرض البالغ 12 مليار دولار، وتخفيض فاتورة دعم الخبز من 85 مليار جنيه إلى 44 مليارا في موازنة 2017/2018، وبعد فشله في تخفيض مقررات المواطن من الخبز بعد انتفاضة الجماهير في 8 مارس/آذار الماضي، قرر النظام العودة لمنظومة "باسم عودة" وتخفيض الدعم على حساب مكاسب أصحاب المخابز الذين انقلب عليهم لينالوا جزاء سمنار بعد أن حرضهم على الوزير الناجح باسم عودة.