بغض النظر عن النفي "الروتيني" والمتوقع من كبار المسؤولين المصريين لخبر يتعلق ببدء تفاوض البلاد لاقتراض 6 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، فإننا أمام حقائق ملموسة على الأرض تقول إن مصر بدأت بالفعل مفاوضات جادة مع الصندوق لاقتراض مبلغ "محترم" يقدر بالمليارات.
كما تؤكد أن هذه المفاوضات وصلت لمراحل متقدمة، حيث يحتمل أن يكون قد تم الاتفاق بين مصر والصندوق على قيمة القرض، وكيفية سداده وسعر الفائدة المستحق عليه، وكذلك الاتفاق على شروط الصندوق المعروفة والتي يتم إلزام الدول المدينة بها ومنها خفض قيمة العملة المحلية، وفرض مزيد من الرسوم والضرائب على المواطنين بغض النظر عن الأوضاع المعيشية التي يمرون بها، وخفض الدعم المقدم للسلع الأساسية، وزيادة الأسعار.
النفي الرسمي لإجراء مفاوضات مع الصندوق تكذبه في المقابل قرارات وإجراءات وتحركات وتلميحات ورسائل بعث بها أعضاء بالحكومة في الأيام الأخيرة وتصب كلها على التأكيد على أن المفاوضات على أشدها، وأن القاهرة ستستقبل خلال أيام وفداً من الصندوق لاستكمال المفاوضات، وأن الحكومة تلبي معظم إن لم يكن كل شروط الصندوق السامة.
أولى الرسائل تلميح البنك المركزي المصري القوي بإجراء خفض جديد في قيمة العملة المحلية وهو بند ثابت في روشتة الصندوق السامة، فقبل أيام أعطى محافظ البنك طارق عامر تلميحاً قوياً بأنه سيتحرك لخفض سعر صرف الجنيه، حيث قال حرفياً "لن أفرح باستقرار سعر
الصرف والمصانع متوقفة.. انخفاض الجنيه له إيجابيات لتنمية الصادرات.. البنك المركزي حصل على 22.5 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، ضاع أغلبها على استهداف سعر الصرف وكان يجب استخدامها في إصلاح السياسة النقدية ومنظومة النقد الأجنبي".
التحرك الثاني يأتي عبر زيادة مرتقبة في أسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز وغيره، مع خفض الدعم المقدم للطاقة في موازنة العام المالي الجديد 2016-2017، وهذا الكلام جاء في بيان وزارة المالية المالي، كما كرره أعضاء بالحكومة المصرية.
أما التحرك الثالث فجاء في شكل إقرار الحكومة قانون القيمة المضافة التي أجلت تطبيقها منذ عام 2010، بسبب الخوف من رد فعل رجل الشارع العنيف، حيث إن تطبيق الضريبة يصاحبه ارتفاع في الأسعار، حيث يخضع كل السلع والخدمات للضرائب، وتحويل القانون لمجلس النواب لتمريره.
ومع هذه التحركات والرسائل تكون مصر قد أوفت بالجزء الأكبر من بنود روشتة صندوق النقد من خفض لقيمة العملة وخفض دعم الوقود وزيادة الضرائب والجمارك وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.
وبالتالي من حقها الحصول على قرض صندوق النقد لتحقيق عدة أهداف، منها سد جزء من عجز الموازنة العامة البالغ 319 مليار جنيه (نحو 35.9 مليار دولار) في العام المالي الجديد، وتعويض البلاد عن النزيف المستمر للقطاعات المولدة للنقد الأجنبي وفي مقدمتها السياحة والصادرات، إضافة لتخفيف وطأة تراجع الإيرادات الدولارية للقطاعات التقليدية مثل تحويلات العاملين بالخارج وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية.
السؤال: هل الحكومة قادرة على تطبيق الروشتة السامة مرة واحدة وبالحديد والنار، وبالتالي من يعترض عليها فإن الرصاص والمعتقلات في انتظاره، أم تراوغ وتنفذها على عدة مراحل؟
الأيام القادمة ستجيب عن السؤال وغيره من الأسئلة خاصة المتعلقة بشروط الإذعان التي ستقبلها الحكومة مقابل انتزاع القرض الذي ربما يكون الأهم في تاريخ مصر.