تعيش مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية في قطاع غزة أزمات مالية خانقة باتت تهدد وجودها، مع استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض للعام الثالث عشر على التوالي، إلى جانب تداعيات الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس المستمر منذ عام 2007.
وانعكس تقليص الكثير من المانحين والممولين مدفوعاتهم سلباً على عمل هذه المؤسسات، إذ اضطر بعضها إلى إغلاق أبوابه كلياً وتسريح الموظفين. في الوقت الذي لجأ البعض الآخر إلى خفض النفقات والرواتب ووقف تنفيذ بعض البرامج الأساسية التي كانت تقدمها.
ويمر القطاع حالياً بأسوأ فتراته، في ظل ارتفاع معدلات الفقر لأكثر من 80 في المائة، وانعدام الأمن الغذائي، إلى جانب تراجع متوسط دخل الفرد اليومي إلى أقل من دولارين أميركيين، عدا عن وصول البطالة إلى مستويات غير مسبوقة تتجاوز 52 في المائة.
ويقول مدير جمعية أطفالنا للصم في غزة، نعيم كباجة، إن تراجع التمويل والأزمة المالية دفعت بهم نحو تقليص رواتب الموظفين بنسبة 30 في المائة، إلى جانب محاولة توفير مصادر تمويل ذاتية اعتماداً على بعض البرامج الحرفية التي تنفّذها المؤسسة.
ويضيف كباجة، لـ "العربي الجديد"، أن مؤسسته سعت للحفاظ على استمرارية البرامج التي تنفذها والتي تستهدف الأشخاص ذوي الإعاقة على حساب الرواتب التي تدفعها للموظفين، في ظل تراجع التمويل الخارجي المقدم من قبل المانحين.
ومنذ عام 2016، تتزايد نسبة العجز، وهو ما دفع بالجمعية نحو الاعتماد على مبالغ مكافآت نهاية الخدمة الخاصة بالموظفين من أجل استمرار تنفيذ البرامج وتغطية النفقات إذ جرى اعتماد سياسة تقشف لمراعاة الأزمة، وفقاً لمدير جمعية أطفالنا للصم.
وبحسب كباجة، فإن الأوضاع السياسية والمناكفات التي تسبب فيها الانقسام السياسي انعكست بالسلب على المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب عدم بقاء غزة منطقة ذات أولوية للمانحين بفعل الأوضاع التي تشهدها المنطقة.
ويوضح أن إحدى أكبر المشاكل الأخرى هي تحوّل المانحين والممولين إلى منفذين، من خلال وقف التمويل عن المؤسسات والجمعيات الأهلية والتحول نحو تنفيذ البرامج بتكلفة قد تفوق التكلفة التي كانت تدفع لصالح المؤسسات المحلية في غزة.
ويوجد في قطاع غزة أكثر من 900 منظمة وجمعية أهلية تقدم خدماتها لصالح أكثر من مليوني مواطن غزي يعيشون في القطاع الذي لا تزيد مساحته عن 365 كيلومترا مربعا ويرزح تحت حصار إسرائيلي مشدد منذ عام 2006.
من ناحيته، يؤكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، أن مؤسسات المجتمع المدني تعيش أسوأ ظروفها، في ظل حملة التحريض الإسرائيلي غير المسبوقة عليها، واستمرار حالة الانقسام السياسي، وما يمارس من إجراءات في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويقول الشوا، لـ "العربي الجديد"، إن من بين هذه السياسات المتبعة تجميد حسابات عشرات المنظمات والجمعيات الأهلية، وهو الأمر الذي ينعكس بالسلب على عملها وعلى الخدمات التي تقدمها لصالح المستفيدين منها.
ويشير رئيس شبكة المنظمات الأهلية إلى التراجع غير المسبوق في حجم التمويل المقدم لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات المختلفة وحالة العجز القائم والتي تجاوزت 60 في المائة، في ظل ازدياد الحاجة لتنفيذ الخدمات والمشاريع للسكان.
ويوضح الشوا أنّ هناك أزمة وجودية باتت تهدد المؤسسات الأهلية في ضوء الأزمات الخانقة التي تعصف بها، وعلى رأسها نقص التمويل، وهو أمر يتطلب تحركاً عاجلاً، محذراً من استمرار هذه الأزمة، نظراً لانعكاساتها على سكان القطاع.
وأدى نقص التمويل إلى إغلاق بعض الجمعيات والمؤسسات أبوابها بشكلٍ كلي، فيما أوقف بعضها برامج كانت تعتبر رئيسية. فعلى سبيل المثال، هناك نقص في الأدوات المقدمة لذوي الإعاقة بنسبة 80 في المائة، وهناك عجز 50 في المائة في الأدوية التي تقدمها المنظمات الأهلية الصحية، إلى جانب وجود مؤسسات غير قادرة على دفع نفقاتها التشغيلية الرئيسية، وفق الشوا.
أما الباحث في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل فيشير إلى أن غالبية مؤسسات المجتمع المدني كانت تستفيد من الدعم الأميركي المخصص للفلسطينيين والذي كان يصل لأكثر من 300 مليون دولار كان للمنظمات الأهلية الحصة الأكبر منه.
ويوضح نوفل لـ "العربي الجديد" أن التوجه الأوروبي حالياً منصب على أماكن صراع أخرى كاليمن وسورية، مع تراجع للعمل في الأراضي الفلسطينية في الوقت الذي اتجه فيه الدعم العربي المالي نحو السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.
وبحسب الباحث في الشأن الاقتصادي فإن إجمالي الدعم الخارجي الذي قدم للفلسطينيين منذ عام 1995 وحتى 2018 كان 30 مليار دولار كان للسلطة الفلسطينية منها 18 مليار دولار في حين حصلت منظمات المجتمع المدني على 12 مليار دولار.