حتى الآن لم يتضح بعد حجم الدمار الذي سيسببه تراجع اليوان وأزمة سوق المال الصيني بالنسبة للاقتصاد المحلي في الصين، أو بالنسبة لأسواق العالم الأخرى المرتبطة لدرجة كبيرة بتوجهات نمو الصين، التي أصبحت المؤثر الأكبر في الطلب العالمي على السلع.
ولكن ما اتضح حتى الآن أن هزات الاقتصاد الصيني واحتمالات تباطؤ النمو زرعت الرعب في العديد من أسواق العالم، بدليل أن الشركات المتاجرة في السلع خسرت مئات مليارات الدولارات خلال الشهر الحالي.
وخسرت البورصة الأميركية ما يقارب 3% من قيمتها كما خسر المستثمرون في بورصة لندن حوالى 81 مليار جنيه إسترليني، وتدهورت أسعار النفط إلى مستويات لم تشهدها منذ سبع سنوات. وانخفض خام برنت إلى حوالى 46 دولاراً لدى إغلاق أسواق المال أمس.
وبالتالي، ومن هذا المنطلق، يمكن النظر إلى حجم الكارثة التي ستحل بالعالم، خاصة عالمنا العربي الذي يعتمد على سلعة النفط في حال تفاعل أزمة الصين الاقتصادية خلال الفترة المقبلة. فالاقتصاد الصيني يعد الماكينة الرئيسية في تحريك الطلب على السلع الأولية، ويكفي القول إنه اقتصاد يصل حجمه إلى 10 ترليونات دولار ويستورد قرابة مليار برميل نفط سنوياً من الدول العربية.
على صعيد تأثير التباطؤ الصيني على المنطقة العربية، يمكن القول إنه في حال اقتصار الأزمة على انخفاض سعر صرف اليوان، فإن تأثير ذلك على اقتصادات الدول العربية سيكون إيجابياً لأنه سيقلل فاتورة واردات البضائع الصينية من جهة، ويقلل من معدلات التضخم. ولكن التأثير السلبي على إقتصادات العرب سيتضاعف، إذا حصل تباطؤاً حاداً في نمو الإقتصاد الصيني وأنعكس ذلك على الطلب النفطي وأسعاره.
ومعروف أن حجم تجارة دول المنطقة، بما في ذلك إيران وتركيا، مع الصين تقدر بحوالى 225 مليار دولار. فيما بلغ حجم التجارة البينية مع الدول العربية خلال العام الماضي 2014 حوالي 140 مليار دولار.
وبالتالي، فإن ما حدث من خفض قيمة اليوان بنسبة إ2.0% لن يكون سلبياً للعرب، هذا في حال تمكنت الصين من السيطرة على التدهور الطارئ على أسواق المال ولم تحدث تداعيات سلبية على معدل النمو الصيني، بل سيكون إيجابياً بالنسبة لاقتصاديات المنطقة العربية، لأنه سيزيد من الصادرات الصينية وسيرفع بالتالي من معدلات الطلب على السلع الأولية، خاصة النفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات التي تحتاجها الصين بشدة في تصنيع المنتجات البلاستيكية والاليكترونيات والآليات.
ويبقى الجانب السلبي الوحيد من خفض قيمة سعر صرف اليوان، هو المخاوف من انعكاسات اليوان المنخفض على إغراق السوق العربي بالبضائع الصينية الرخيصة، وتأثير ذلك على قطاع الصناعة العربية الناشئة. وفي هذا الصدد ربما تتضرر الصناعات في مصر وإلى حد ما في تونس والمغرب. عدا ذلك فإن انخفاض اليوان يصب في صالح الاقتصادات العربية التي أصبحت في الآونة الأخيرة مرتبطة كثيراً بالسوق الصيني أكثر من ارتباطها بالسوق الأوروبي والأميركي.
التاجر العربي مستفيد
على صعيد الإيجابيات، سيبدأ التجار العرب بحصد ثمار رخص البضائع الصينية التي يشترونها باليوان ويدفعون ثمنها بعملات ذات سعر صرف مرتفع مثل الريال والدرهم، وهي عملات قوية لأنها مرتبطة بالدولار.
وبذلك فالتاجر العربي سيكسب نسبة 2.0%، أي النسبة التي خفضت بها الصين سعر اليوان مقابل الدولار. وهذه الفوائد التي يجنيها التجار تأتي رغم مخاوف أصحاب الصناعات، التي ستتعرض لمنافسة أكبر من البضائع الصينية الرخيصة.
مخاطر رئيسية
لكن المخاوف الرئيسية بالنسبة لتداعيات الاقتصاد الصيني على الإقتصادات العربية تأتي من احتمالات حدوث تباطؤ كبير على النمو الاقتصادي في الصين، وتداعياته على سوق النفط العالمي.
ويلاحظ أنه حتى الآن ظهرت آثار انخفاض اليوان واضطرابات سوق المال الصيني في المنطقة العربية، في انخفاض أسعار النفط الذي يترجم عملياً في انخفاض إيرادات الدول النفطية من مبيعات الخامات البترولية، وسينعكس سلباً على تزايد عجز الميزانيات الخليجية. وعادة ما تزرع إحتمالات إنهيار النفط حالة من عدم الثقة بين المستثمرين في الدول الخليجية، تتبدى آثارها في الإنهيار الحاد في البورصات الخليجية وهروب المستثمرين من أسواق المال. وهو ما نشاهده حالياً.
اقرأ أيضاً: طوفان الصين العظيم يقلق أسواق العالم
ولكن احتمالات تباطؤ الاقتصاد الصيني لن يقتصر فقط على إحتمالات إنهيار أسعار النفط ولكنه يؤثر كذلك على العديد من الأنشطة التجارية والصناعية بالمنطقة العربية، وإلى جانب انخفاض الطلب الصيني على النفط، من المتوقع أن يؤثر التباطؤ الصيني على مبيعات صناعة البتروكيماويات التى توسعت فيها السعودية ودول الخليج في الفترة الأخيرة، وربما يصل أثرها السلبي إلى المشتقات المكررة ومناشط التبادل التجارى بين العرب والصين.
عين بكين على المنطقة العربية
يلاحظ أن الصين ومنذ أزمة المال العالمية في عام 2008، وما تلاها من أزمة اليورو، التي لا تزال تتفاعل في أسواق الدول الأوروبية، بدأت تركز أنظارها على أسواق المنطقة العربية كسوق جديد لبضائعها ومصدر للطاقة لإدارة ماكينتها الصناعية الضخمة.
ولكن ثورة الربيع العربي وما تلاها من فوضى سياسية وحروب أهلية وتطرف وصراعات، أعاق خطط الصين الخاصة بالتوسع التجاري في المنطقة. وتركزت خطط الصين التجارية في السنوات الأخيرة على دول مجلس التعاون.
وتسعى الصين إلى زيادة حجم التبادل التجاري السنوي مع الدول العربية ليفوق 200 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، حسب التصريحات الرسمية التي صدرت في بكين.
وهذا الحجم الضخم من التبادل التجاري المتوقع خلال الأعوام المقبلة سيتأثر سلباً وإيجاباً بمستويات سعر صرف اليوان، واحتمالات تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، خاصة وأن الشريك التجاري الأوروبي للمنطقة يعاني من انكماش اقتصادي وتقل وارداته من المواد البتروكيماوية والنفط.
وفي أبريل/نيسان من العام الماضي، افتتحت قطر أول بنك عربي لتسوية الصفقات في بكين، لتصبح بهذه الخطوة أول دولة عربية تتخذ خطوة عملية لتسهيل التسويات الحسابية في الصفقات التجارية بين البلدين. كما أن هنالك العديد من الصفقات التبادلية الخاصة بمقاصة اليوان مع الإمارات ودول عربية أخرى.
ويلاحظ أن احتمالات التباطؤ الصيني لا تقف انعكاساتها على الصين فقط، ولكن على مجمل اقتصادات دول جنوب شرقي آسيا. وأصبحت آسيا في السنوات الأخيرة أهم شريك تجاري لدول مجلس التعاون، حيث أصبحت تحظى بحوالى 60% من إجمالي حجم التبادل التجاري الخارجي لدول المنطقة.
وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن تجارة الطاقة بين دول آسيا ومنطقة الخليج ستنمو بمعدلات سريعة خلال السنوات المقبلة، وربما ترتفع صادرات النفط العربية إلى الصين ودول جنوب شرق آسيا إلى 90% من إجمالي الصادرات النفطية العربية.
وتوقعت، في هذا الصدد، إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تنخفض واردات أميركا من النفط العربي تدريجياً ليبلغ خلال الأعوام المقبلة حوالى نصف مليون برميل يومياً بحلول عام 2040، وذلك على أساس أن أميركا ستدمج إنتاج النفط الكندي والمكسيكي ضمن استراتيجية أمن الطاقة الأميركي.
ويشير خبراء إلى ثلاثة عوامل رئيسية ستقلل من استيراد أميركا للنفط العربي. أهم هذه العوامل زيادة إنتاج النفط الأميركي إلى أكثر من 10 ملايين برميل يومياً مقارنة بمعدل الإنتاج الحالي والبالغ 9.3 ملايين برميل يومياً.
أما العامل الثاني، فهو احتمال تطوير تقنيات تقلل كثيراً تكاليف استخراج النفط الزيتي الثقيل في كندا. أما العامل الثالث فهو اللوبي الصهيوني الذي يعمل على تقليل ارتباط أمن الطاقة الأميركي بالمنطقة العربية، ويحث الإدارة الأميركية على بدائل أخرى للنفط العربي.
السعودية أكبر شريك
تعد السعودية أكبر شريك تجاري للصين في المنطقة العربية، حيث بلغ حجم التبادل بين البلدين، حسب الإحصائيات الصينية الرسمية 72.2 مليار دولار خلال عام 2013. ويميل الميزان التجاري لصالح السعودية، حيث بلغت صادرات السعودية للصين 53.46 مليار دولار، مقابل صادرات الصين للسعودية البالغة 18.74.
وتأتي الإمارات في المرتبة الثانية، حيث تملك الصين أكبر مجمع تجاري في دبي. وتستخدم الإمارات، خاصة دبي، البضائع الصينية في إعادة التصدير وكذلك في تقوية مركزها التجاري بالنسبة لدول المنطقة العربية والأفريقية التي يتسوق تجارها منها.
وبالتالي، فإن إمارة دبي ستستفيد من انخفاض قيمة اليوان في تحقيق أرباح أعلى من المنتجات الصينية التي ستصبح رخيصة بعد خفض اليوان. ولكن في المقابل فإن إمارة أبوظبي التي تعتمد على مبيعات النفط ستتأثر مداخيلها إذا حدث تباطؤ حاد في النمو الصيني.
وحسب عبدالله بن أحمد آل صالح، وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية والصناعة في الإمارات، في التصريحات التي أدلى بها في مايو/أيار الماضي، فإن حجم التجارة بين البلدين وصل إلى 54.8 مليار دولار (168 مليار درهم) خلال عام 2014.
وتشهد المبادلات التجارية بين الصين والإمارات معدلات ارتفاع كبيرة وصلت إلى 16% سنوياً.
في دولة الإمارات أكثر من 4200 شركة صينية و356 وكالة تجارية صينية، وأكثر من 2500 علامة تجارية صينية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد.
اقرأ أيضاً: تباطؤ اقتصاد الصين يهدد العالم بأزمة مالية جديدة