أربكت الضربة المزدوجة التي تلقاها الاقتصاد الكويتي بفعل تداعيات انتشار فيروس كورونا الجديد وتهاوي أسعار النفط، الحسابات المالية للدولة لتقفز توقعات العجز المالي للسنة الحالية إلى ما يقارب ضعف التقديرات التي وضعت على أساسها الموازنة، ما يدفع الحكومة إلى محاولة تمرير مشروع قانون يسمح بالاقتراض، إلا أن هذه الخطوة تصطدم باعتراض حاد داخل البرلمان.
وتتوقع الحكومة أن يصل العجز في موازنة العام المالي 2020ـ2021 التي بدأت بحلول إبريل/نيسان الجاري إلى 55 مليار دولار، بينما كانت التقديرات السابقة لدى الإعلان عن الموازنة في يناير/كانون الثاني الماضي، تشير إلى بلوغ العجز نحو 29 مليار دولار.
وقال مسؤول حكومي رفيع المستوى لـ"العربي الجديد" إنه تجرى حاليا دراسة تمويل مختلط لسد عجز الموازنة، يعتمد السحب من الاحتياطي العام للدولة، والاقتراض الخارجي، خاصة في ظل قوة المركز المالي للكويت، وبالتالي سهولة الحصول على تمويل يسير في ظل الفائدة المنخفضة وبالتالي ستكون تكلفة تمويل العجز متدنية".
ووفقا للبيانات الرسمية، يتجاوز الاحتياطي العام للكويت نحو 600 مليار دولار، لكن الدولة دأبت على تجنب السحب منه إلى حد كبير خلال السنوات الماضية، لدعم الأجيال القادمة.
وأضاف المسؤول: "التمويل المختلط هو الحل الأمثل حالياً، خاصة في ظل التوتر السياسي الحالي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وسيتم البدء في السحب من الاحتياطي كمرحلة أولى حتى يتم التوافق بين السلطتين على الاقتراض الخارجي، وذلك منعا للوقوع في أزمة مالية قد يترتب عليها عدم القدرة على سداد الالتزامات الداخلية للدولة، مثل الرواتب الحكومية، خاصة في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا وامتداد العطلة الرسمية لجميع العاملين".
ويقول: "سيتم أيضا تطبيق العديد من الإجراءات الإصلاحية السريعة، بهدف معالجة الاختلالات الهيكلية للاقتصاد، تشمل فرض ضرائب على الشركات وتحريك أسعار الخدمات وتقليص الدعم وإقرار ضريبة القيمة المضافة وإعادة النظر في الإنفاق على المشروعات وتوسيع مشاركة القطاع الخاص".
وكانت وزارة المالية قد قدرت العجز سابقا على أساس سعر 55 دولاراً لبرميل النفط، لكن الأسعار هوت إلى ما دون 23 دولاراً للبرميل في مارس/آذار الماضي، قبل أن تصعد قليلا في نطاق 31 دولاراً للبرميل بعد الاتفاق الأخير بين منظمة أوبك وحلفائها على رأسهم روسيا لخفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يوميا من أجل دعم الأسعار وعدم انزلاقها للهاوية.
وتضاف خسائر النفط إلى ما يتكبده الاقتصاد جراء ارتفاع فاتورة ثمن مواجهة تفشي فيروس كورونا محليا ودوليا. ويعرب المسؤول الحكومي عن قلقه من استمرار الأزمة الراهنة وتراجع الإيرادات النفطية التي تساهم بأكثر من 90 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للدولة.
ويقول: "سيكون من الصعب على الحكومة دفع رواتب العاملين في مؤسسات الدولة بعد ثلاثة أشهر"، لافتا إلى أن بندي الرواتب والدعم يشكلان أكثر من 50 في المائة من ميزانية السنة المالية الحالية، بما يعادل نحو 51 مليار دولار.
وفي وقت سابق، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني العالمية، التصنيف السيادي للكويت بمقدار درجة واحدة، على خلفية تراجع أسعار النفط.
ويلقي الخبير الاقتصادي، محمد الهاجري، بالمسؤولية على الحكومة ومجلس الأمة (البرلمان) معاً، عن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الدولة، مشيرا إلى أن ما يحدث هو نتاج تأخر الإصلاحات.
ويقول الهاجري: "أزمة العجز الكبير في الميزانية ليست وليدة اليوم، بل نتيجة السياسات الاقتصادية منذ سنوات، والتي سعت الحكومة خلالها إلى إرضاء أعضاء مجلس الأمة بعدم تمرير إصلاحات حقيقية قد تلقى اعتراضات البعض".
ويضيف: "هناك من أعضاء البرلمان من يتبنون خطابات شعبوية لدغدغة مشاعر المواطنين وإرضاء ناخبيهم، وسط تجاهل الحلول الواقعية لمعالجة مشاكل الاقتصاد".
وعلى ضوء العجز المالي وكيفية إيجاد مخرج لسده، تصاعدت حدة التوتر في الأيام الأخيرة بين أعضاء مجلس الأمة، والحكومة التي حاولت تمرير "قانون الدين العام"، الذي يسمح برفع سقف الاقتراض من نحو 32.8 إلى 65.7 مليار دولار، خلال فترة 10 سنوات.
ووفق النائبة صفاء الهاشم، فإنها طلبت استجواب وزير المالية براك الشيتان، بعد أن رفض الوزير حضور اجتماعات اللجان البرلمانية، فيما وصف رئيس المجلس مرزوق الغانم، قانون الدين العام، بأنه "معيب في موضوعه وتوقيته"، داعيا الحكومة إلى سحبه لأن فرصة تمريره "تكاد تكون معدومة".
ويقول النائب في البرلمان عبدالله الكندري، إن تقديم الحكومة قانونا للدين العام يجب أن تتبعه خطوات أخرى للإجابة على التساؤلات المطروحة المتعلقة بتحديد أوجه الصرف وأسلوب سداد الدين.
وتصاعدت الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل أزمة العجز المالي، حيث دعا مغردون الحكومة إلى البدء في إجراءات "شجاعة من أجل إصلاح ومعالجة الاختلالات الهيكلية للاقتصاد".
وفي السياق، يقول عبدالله الشمري، الخبير في أسواق المال، إن الاقتراض أو السحب من الاحتياطي ليس الحل الوحيد، فهذا الإجراء قد يساعد الحكومة لمدة عامين لا أكثر، مشيرا إلى ضرورة تبني خطة إصلاحية شاملة تتضمن ترشيد الإنفاق ووقف التوظيف العشوائي في الجهات الحكومية.