ماذا لو حدث الانقلاب العسكري في تركيا منتصف الأسبوع، أو في أي يوم من أيام العمل بدلا من مساء يوم الجمعة وصباح السبت؟ هل كانت النتيجة النهائية للانقلاب ستختلف؟
بالطبع، النتيجة لن تختلف كثيراً من حيث رد فعل الأتراك العنيف على المحاولة الانقلابية الفاشلة، بل ربما سيكون رد الفعل أكثر عنفا وقوة لو وقع الانقلاب في يوم عمل تفتح فيه البنوك والبورصات وأسواق المال أبوابها، بعد أن يروا بأعينهم كيف أن عملتهم تتهاوى أمام الدولار بسبب الانقلاب وذلك بعد سنوات من الاستقرار النسبي، وكيف أن البورصة وأسواق المال تنهار مع تولي العسكر المغتصبين للسلطة الحكم ومعها قد تضيع أموالهم ومدخراتهم واستثماراتهم.
كما يرون كيف أن مؤشرات الاقتصاد، الذي يتفاخر الأتراك بقوته على مدى السنوات العشر الماضية وبات ضمن مجموعة العشرين، يسقط مع إعلان العسكر عن تطبيق الأحكام العرفية وحظر التجوال، وأن مؤسسات التقييم العالمية تخفض التصنيف الائتماني للبلاد في حال هروب الاستثمارات الخارجية بسبب زيادة المخاطر السياسية والاقتصادية، وأن تركيا الدائنة حالياً لصندوق النقد الدولي ستتحول لدولة مقترضة، كما كان الحال عليه قبل قدوم حكومة حزب العدالة والتنمية وتوليها إدارة شؤون البلاد.
الانقلابات التي تصاحبها عادة قلاقل سياسية وحالة من عدم الاستقرار الأمني تنعكس سريعا على الدول، اقتصادها وأسواقها وبورصاتها وعملاتها وتصنيفها الائتماني ومعدلات النمو الاقتصادي بها وجاذبيتها للاستثمار الأجنبي، حيث يمكن أن يؤدي مجرد الإعلان عن وقوع انقلاب في بلد ما إلى انهيار العملات وأسواق المال وحدوث ارتفاعات قياسية في الأسعار، وبالتالي يكون رد فعل رجل الشارع أكثر عنفا تجاه الانقلابات خاصة إذا مست مكتسباته الاقتصادية والمالية وصاحبها عمليات فساد وأدت إلى تدني أحواله المعيشية.
لا أحد ينكر أن هناك عوامل كثيرة لعبت الدور الأكبر في إفشال الانقلاب بتركيا منها رفض الأتراك للحكم العسكري، وخروجهم ثأراً لكرامتهم وحفاظا على حرياتهم وتجربتهم الديمقراطية، ونضج الأحزاب السياسية، ووطنية أجهزة الدولة، ومساندة أجهزة الشرطة والمخابرات للشرعية.
لكن تظل ورقة الاقتصاد مهمة في إفشال المحاولة الانقلابية، فتركيا التي تحولت من الإفلاس إلى الانتعاش ومن الفقر إلى الغنى في عهد رجب طيب أردوغان ستواجه بقوة أي انقلاب على الرجل وهو ما حدث يوم الجمعة 15 يوليو.
وعندما تم الإعلان عن محاولة الانقلاب عاد للأتراك شريط من الذكريات المريرة التي عاصروها مع الحكم العسكري، حيث صاحب 4 انقلابات عسكرية، معدلات عالية للفقر والبطالة، وارتفاعات قياسية في الأسعار، وتضخم في الأسواق قد يتجاوز 50% في الشهر الواحد، وعمليات فساد واسعة، واختفاء سلع ضرورية، وخدمات صحية وتعليمية متدنية أو غير موجودة، وديون خارجية ضخمة مع عدم قدرة البلاد على السداد، وفساد منتشر في كل أجهزة الدولة، وتسول من صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية، وضغوط حياتية، وأزمة سكن خانقة، وهروب للاستثمارات الأجنبية.
الأتراك ثأروا لكرامتهم بإفشال انقلاب 15 يوليو، وفي نفس الوقت حافظوا على مكاسبهم الاقتصادية التي حققوها خلال السنوات العشر الماضية.