تم اليوم الثلاثاء ترميم الحكومة المصرية برئاسة شريف إسماعيل عن طريق حقنها بوزراء جدد، وإعادة تفكيك ودمج بعض الوزارات مثل دمج التجارة بالتموين وتعيين وزير تموين مبارك على المصيلحي مسؤولا عن الوزارتين، ودمج وزارة الاستثمار في وزارة التعاون الدولي لتتسع صلاحيات وزيرة القروض سحر نصر، كما تم جلب هشام شريف مدير مكتب أحمد نظيف ليشغل منصب وزير التنمية المحلية.
هناك من يراهن على الحكومة المصرية الجديدة في إنقاذ الاقتصاد المتردي، ووقف نزيف أسعار السلع المتواصل، خاصة الغذائية والمعيشية منها، ووقف موجة التضخم العنيفة التي تعد الأعلى منذ 31 عاماً أو على الأقل تجميدها، وإعادة تشغيل مئات المصانع المغلقة منذ سنوات، ووضع حل عملي لأزمات عميقة ومتجذرة مثل البطالة والفقر والفساد والبيروقراطية.
وهناك من يراهن على هذه الحكومة في إعادة الاستثمارات المحلية والأجنبية الهاربة خارج البلاد بسبب المضايقات التي تعرضت لها ومنها اضطرابات سعر الصرف ونقص الدولار والوقود وزيادة تكلفة الإنتاج وارتفاع منسوب الفساد وبطء التراخيص.
وهناك من يرى أن هناك أولويات أهم للحكومة الجديدة تتمثل في إعادة الهيبة للجنيه المصري، ووقف نزيف العملة، وتآكل المدخرات المحلية، والتصدي لكارثة تفاقم الدين العام سواء المحلي أو الدولي، والتوسع المفرط في الاقتراض الخارجي حيث تجاوزت ديون البلاد 75 مليار دولار في شهر يناير الماضي.
وهناك من يرى أن أولوية الحكومة هي تنفيذ برامج وخطط محددة لمساندة الأسر الفقيرة ومحدودي الدخل وسكان العشوائيات والمقابر، وكذا معالجة التداعيات الخطيرة الناجمة عن قرارات تعويم العملة المحلية بداية نوفمبر الماضي وزيادة أسعار الوقود بكل أنواعه من بنزين وسولار وغاز وغيره ورفع أسعار الكهرباء والمياه .
بل إن البعض يذهب إلى حد الرهان على حكومة شريف إسماعيل الجديدة في تنفيذ خطة كاملة لإعادة الحياة لقطاعات اقتصادية حيوية تعرضت لانتكاسة قوية خلال السنوات الأخيرة ومنها السياحة والصادرات غير البترولية والاستثمارات المباشرة.
لكن تظل هذه الرهانات خاسرة وصعبة التحقق من وجهة نظري، فالحكومة الجديدة، بعد إعادة ترميمها، لن تستطيع إنجاز ملف واحد من الملفات السابقة، فلا هي تملك رؤية أو أدوات، ولا هي صاحبة قرار، بل ستكون مجرد سكرتارية تنفذ ما يملى عليها من تعليمات، بل إن الحكومة الحالية هي طرف أصيل في معظم الكوارث التي يمر بها الاقتصاد والمواطن، حيث أخفقت في وقف نزيف الأسعار وتهاوي العملة رغم وعودها المتكررة، والأهم هنا أن وزراء فشلوا في أيام مبارك وتسببت سياساتهم في قيام ثورة لا يمكن أن ينجحوا في 2017.
ببساطة مصر تدور في حلقة مفرغة، الكل يعرف أن البلاد تمر بمأزق حقيقي ناتج عن استمرار حالة الاحتقان السياسي وما أفرزه من خلافات حادة ومناكفات شديدة بين كل فئات المجتمع، وبالتالي فإن حل كل المشاكل التي تعاني منها مصر يجب من علاج هذه الحالة الخطيرة.
كما أن حل المشكلة الاقتصادية والمالية لمصر ينطلق من حلول سياسية بالدرجة الأولى، فالاستقرار الاقتصادي لا بد أن يسبقه استقرار سياسي حقيقي، لا استقرار مفتعل أو مفروض بقوة القهر والظلم والاعتقالات وفي بعض الأوقات الرصاص، والاستقرار السياسي بحاجة لاتخاذ قرارات من شأنها الإفراج عن الاف المعتقلين السياسيين، وتبريد المجتمع ولملمة خلافاته عبر مصالحة حقيقية، وتوقف السلطات عن سياسة استهداف المعارضين السلميين، وإعلاء سيادة القانون والمواطنة، والسماح بحرية التعبير وغيرها.
ببساطة، ما لم تحدث مصالحة حقيقية داخل المجتمع المصري، فلا ننتظر أية نجاحات لأي حكومة مصرية حتى ولو كان أعضائها قادمون من أعرق جامعات ومؤسسات العالم المالية.