يعتبر مواطنو شمال أفريقيا، لا سيَّما أولئك الذين وصل بهم اليأس مداه، الهجرة إلى العالم المتقدِّم وسيلة مهمّة لتعزيز وضعهم الاجتماعي وتحسين ظروفهم المعيشية، وبدون أدنى شك، أصبحت الهجرة من شمال أفريقيا إلى الضفّة الأخرى الخضراء من القارّة العجوز رمزاً واضحاً يبيِّن بشكل جليّ مدى معاناة سكان شمال أفريقيا الذين يهاجرون بدون انقطاع هرباً من الفقر وعدم المساواة، سواء من حيث الدخل أو فرص العمل ورداءة الخدمات العامة.
وأدّت هذه المشاكل المزمنة إلى تدهور الأوضاع المعيشية لأولئك المواطنين، كما لعبت دور العوامل الطاردة في دول شمال أفريقيا، وأكبر مشكلة في هذه الدول أنّ ثمار النمو لا تصل بشكل كافٍ للطبقات الفقيرة والمتوسطة، لهذا ينظر معظم سكان هذه المنطقة إلى الهجرة على أنّها الملاذ الأخير والسبيل الوحيد لتحقيق التطلُّعات والحصول على المزيد من الفرص.
وكشفت بيانات إدارة اﻟﺸﺆون الاﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ والاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة لعام 2017 عن أرقام مُهوِّلة للجموع الزاحفة من دول شمال أفريقيا إلى دول أوروبا الغربية، حيث بلغ عدد المهاجرين من الجزائر إلى تلك الدول 1.5 مليون شخص، ووصل الرقم إلى 1.34 مليون مهاجر من المغرب، و461.1 ألفا من تونس، و93.4 ألفا من مصر، وسيزداد الفزع عند رؤية أعداد المهاجرين من شمال أفريقيا نحو دول أوروبية أخرى وأميركا الشمالية.
كان بإمكان عدد كبير من المهاجرين البقاء في أوطانهم لو تمتّعوا بحقوق أكبر وحازوا على فرص أكثر، وحصلوا على خدمات ذات نوعية أفضل، لكنهم فضّلوا الذهاب إلى الدول الأوروبية المتقدمة التي تتمتّع بمؤسسات عادلة وتسود فيها ممارسات الحكم الرشيد التي لها دور قوي في التأثير على الطريقة التي يتمّ فيها توزيع الثروة والدخل والسلطة السياسية والفرص والموارد العامة لمصلحة المواطن قبل كل شيء.
اقــرأ أيضاً
عدم المساواة مُحدِّد مهمّ للهجرة
أدّى عدم المساواة الهائلة في الفرص والمداخيل إلى حدوث خلل اجتماعي كبير في دول شمال أفريقيا، وجعل من المستحيل على الفقراء الوصول إلى فرص العمل، الرعاية الصحية والتعليم، الأمر الذي زاد من حدّة الفقر ومارس ضغطا لا يطاق على الطبقات الاجتماعية الدنيا.
فالاضطراب السياسي الذي يهدِّد بإغراق المنطقة بأكملها لم يأت من فراغ وإنّما تشكَّل بسبب ارتفاع مستويات عدم المساواة والفساد، وهذا ما هو إلّا نتاج عقود متواصلة من عدم اكتراث صناع القرار بالمنطقة، وكل هذا كان كافياً لاستمرار سيل المهاجرين المُتدفِّق على أوروبا، وإن كان لضعف الأداء الاقتصادي لدول شمال أفريقيا يد في استفحال ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻼﻣﺴﺎﻭﺍﺓ، فلتفشِّي الفساد ألف يدٍ في ذلك، فالفساد هو مسؤول لا يُستهانُ به عن استمرار حكومات هذه الدول في القيام بإصلاحات مجهضة وانتهاج سياسات متجاهلة لخفض عدم المساواة وغير مكترثة تماماً لإسعاد المواطنين.
ولا يجب أن نغفل أيضاً عن دور اللامساواة الكبير في تقرير من يجب أن يهاجر، فليس كل فقراء دول شمال أفريقيا يملكون القدرة على الهجرة، وحتى أولئك الفقراء الذين يهاجرون بصورة غير شرعية يتحمَّلون ظروفاً معيشية قاسية في بلد المهجر ويواجهون صعوبات جمّة في الحصول على وظائف، بينما على العكس من ذلك، لا يتمتَّع الأشخاص ذوو المهارات العالية والمتعلمون بفرص الهجرة القانونية فحسب، بل يتمكَّنون أيضاً من الهجرة إلى الدول الأوروبية التي تعرض فرص عمل أفضل ورعاية أكثر سخاءً.
وحسب استطلاعات الرأي التي تنشرها معظم التقارير العالمية، فقد تزايد عدم رضا شعوب هذه المنطقة بسبب اتِّساع الهُوَّة بين الأغنياء والفقراء، حيث وصل الحدّ إلى توصيف هذه المنطقة بأنّها من بين أسوأ المناطق في العالم من حيث عدم عدالة التوزيع.
الهجرة والبحث عن السعادة
يُلخِّص الشعور بالسعادة كلّ ما يأمل المهاجرون في الحصول عليه من مكاسب اقتصادية وتحسين الوضع الاجتماعي وعدم الشعور بالتمييز في نهاية المطاف من تجربة الهجرة. فقد أشار تقرير السعادة العالمي لعام 2018 الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، إلى أنّ المهاجرين في جميع أنحاء العالم يشعرون بسعادة أكبر بعد قيامهم بالهجرة لأنّهم يحقِّقون المزيد من الرضا في الحياة ويتأقلمون في البيئات الجديدة وتتحوَّل طموحاتهم إلى واقع حقيقيّ، وهذا بالضبط ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب سعادتهم. وجاءت هذه الخلاصة نتيجة لاستطلاعات قامت بها تلك الشبكة لآراء حوالي 36 ألف مهاجر من أكثر من 150 دولة في العالم.
وكالعادة تتربَّع الدول الأوروبية على رأس قائمة أسعد البلدان في العالم، حيث احتلَّت فنلندا المركز الأوّل وتلتها النرويج، الدنمارك وأيسلندا، بالإضافة إلى العديد من دول أوروبا الغربية التي يكثر الطلب على الهجرة إليها.
وبالنسبة للدول العربية، فقد تمكَّنت أيضاً دول الخليج من احتلال مراكز مهمّة ضمن أسعد 50 بلداً في العالم، وجاءت في المقدمة الإمارات وتلتها قطر، وذلك نتيجة لتمتُّعها بناتج محلي إجمالي مرتفع، دعم اجتماعي قويّ، قلّة الفساد، بالإضافة إلى ارتفاع ثقة المواطنين في الحكومة.
بينما جاءت الجزائر في المرتبة 84 عالميا، والمغرب 85، وتونس 111، ومصر 122، وهذا الترتيب المُتدنّي ما هو إلا نتيجة للسياسات الاقتصادية غير الفعّالة والنسيج المؤسساتي الضعيف الذي سمح بتغلغل الفساد في كافة الميادين.
كما يعكس هذا الترتيب مدى تعاسة شعوب دول شمال أفريقيا ويفسِّر رغبتهم بالهجرة إلى دول لا توفِّر لهم فحسب سعادة أكبر وإنّما أيضاً لأسرهم التي بقيت بانتظارهم في أرض الوطن من خلال التحويلات المالية التي تلعب دوراً جوهرياً في تحسين أحوال معيشتهم والارتقاء بهم إلى مستوى اجتماعي أفضل، وخاصّة أنّ العديد من المهاجرين يتَّخذون قرار الهجرة لبناء مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
خلاصة القول إنّ الحال الذي وصلت إليه دول شمال أفريقيا يرجع إلى ما تمّ تبنِّيه من سياسات مالية مُتحيِّزة تفتقر للانسجام ما بين الإنفاق الحكومي والضرائب، وكذا سياسات متعلقة بالتعليم والصحة والبنى التحتية غير مراعية لعدالة التوزيع.
لذلك ينبغي على هذه الدول توفير عدالة توزيعية أكثر لمواطنيها وذلك من أجل وضع حدّ لاستنزاف طاقاتها البشرية للخارج، فالسياسات الاقتصادية الحكيمة تبتعد كل البعد عن منطق العصا والجزرة وتعتمد بدلاً من ذلك على التخطيط الجيّد الذي يعتمد بدوره على ﺍﻟﺤﻜﻡ ﺍﻟﺭﺍﺸﺩ، ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ، ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ وﺍﻟﻤﺴﺎﺀﻟﺔ، هي سلسلة طويلة من الحلقات المترابطة ما زالت هذه الدول تفتقد إلى حلقتها الأولى والبالغة الأهمية.
اقــرأ أيضاً
كما يجب على تلك الحكومات تحقيق تقدُّم أكبر على صعيد الإصلاحات السياسية، لأنّها بمثابة مربط الفرس نحو الحصول على رضا الشعوب وثقتها، خاصّة بعدما قطعت تلك الحكومات شوطاً كبيراً في إرساء الأمن.
وأدّت هذه المشاكل المزمنة إلى تدهور الأوضاع المعيشية لأولئك المواطنين، كما لعبت دور العوامل الطاردة في دول شمال أفريقيا، وأكبر مشكلة في هذه الدول أنّ ثمار النمو لا تصل بشكل كافٍ للطبقات الفقيرة والمتوسطة، لهذا ينظر معظم سكان هذه المنطقة إلى الهجرة على أنّها الملاذ الأخير والسبيل الوحيد لتحقيق التطلُّعات والحصول على المزيد من الفرص.
وكشفت بيانات إدارة اﻟﺸﺆون الاﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ والاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة لعام 2017 عن أرقام مُهوِّلة للجموع الزاحفة من دول شمال أفريقيا إلى دول أوروبا الغربية، حيث بلغ عدد المهاجرين من الجزائر إلى تلك الدول 1.5 مليون شخص، ووصل الرقم إلى 1.34 مليون مهاجر من المغرب، و461.1 ألفا من تونس، و93.4 ألفا من مصر، وسيزداد الفزع عند رؤية أعداد المهاجرين من شمال أفريقيا نحو دول أوروبية أخرى وأميركا الشمالية.
كان بإمكان عدد كبير من المهاجرين البقاء في أوطانهم لو تمتّعوا بحقوق أكبر وحازوا على فرص أكثر، وحصلوا على خدمات ذات نوعية أفضل، لكنهم فضّلوا الذهاب إلى الدول الأوروبية المتقدمة التي تتمتّع بمؤسسات عادلة وتسود فيها ممارسات الحكم الرشيد التي لها دور قوي في التأثير على الطريقة التي يتمّ فيها توزيع الثروة والدخل والسلطة السياسية والفرص والموارد العامة لمصلحة المواطن قبل كل شيء.
عدم المساواة مُحدِّد مهمّ للهجرة
أدّى عدم المساواة الهائلة في الفرص والمداخيل إلى حدوث خلل اجتماعي كبير في دول شمال أفريقيا، وجعل من المستحيل على الفقراء الوصول إلى فرص العمل، الرعاية الصحية والتعليم، الأمر الذي زاد من حدّة الفقر ومارس ضغطا لا يطاق على الطبقات الاجتماعية الدنيا.
فالاضطراب السياسي الذي يهدِّد بإغراق المنطقة بأكملها لم يأت من فراغ وإنّما تشكَّل بسبب ارتفاع مستويات عدم المساواة والفساد، وهذا ما هو إلّا نتاج عقود متواصلة من عدم اكتراث صناع القرار بالمنطقة، وكل هذا كان كافياً لاستمرار سيل المهاجرين المُتدفِّق على أوروبا، وإن كان لضعف الأداء الاقتصادي لدول شمال أفريقيا يد في استفحال ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻼﻣﺴﺎﻭﺍﺓ، فلتفشِّي الفساد ألف يدٍ في ذلك، فالفساد هو مسؤول لا يُستهانُ به عن استمرار حكومات هذه الدول في القيام بإصلاحات مجهضة وانتهاج سياسات متجاهلة لخفض عدم المساواة وغير مكترثة تماماً لإسعاد المواطنين.
ولا يجب أن نغفل أيضاً عن دور اللامساواة الكبير في تقرير من يجب أن يهاجر، فليس كل فقراء دول شمال أفريقيا يملكون القدرة على الهجرة، وحتى أولئك الفقراء الذين يهاجرون بصورة غير شرعية يتحمَّلون ظروفاً معيشية قاسية في بلد المهجر ويواجهون صعوبات جمّة في الحصول على وظائف، بينما على العكس من ذلك، لا يتمتَّع الأشخاص ذوو المهارات العالية والمتعلمون بفرص الهجرة القانونية فحسب، بل يتمكَّنون أيضاً من الهجرة إلى الدول الأوروبية التي تعرض فرص عمل أفضل ورعاية أكثر سخاءً.
وحسب استطلاعات الرأي التي تنشرها معظم التقارير العالمية، فقد تزايد عدم رضا شعوب هذه المنطقة بسبب اتِّساع الهُوَّة بين الأغنياء والفقراء، حيث وصل الحدّ إلى توصيف هذه المنطقة بأنّها من بين أسوأ المناطق في العالم من حيث عدم عدالة التوزيع.
الهجرة والبحث عن السعادة
يُلخِّص الشعور بالسعادة كلّ ما يأمل المهاجرون في الحصول عليه من مكاسب اقتصادية وتحسين الوضع الاجتماعي وعدم الشعور بالتمييز في نهاية المطاف من تجربة الهجرة. فقد أشار تقرير السعادة العالمي لعام 2018 الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، إلى أنّ المهاجرين في جميع أنحاء العالم يشعرون بسعادة أكبر بعد قيامهم بالهجرة لأنّهم يحقِّقون المزيد من الرضا في الحياة ويتأقلمون في البيئات الجديدة وتتحوَّل طموحاتهم إلى واقع حقيقيّ، وهذا بالضبط ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب سعادتهم. وجاءت هذه الخلاصة نتيجة لاستطلاعات قامت بها تلك الشبكة لآراء حوالي 36 ألف مهاجر من أكثر من 150 دولة في العالم.
وكالعادة تتربَّع الدول الأوروبية على رأس قائمة أسعد البلدان في العالم، حيث احتلَّت فنلندا المركز الأوّل وتلتها النرويج، الدنمارك وأيسلندا، بالإضافة إلى العديد من دول أوروبا الغربية التي يكثر الطلب على الهجرة إليها.
وبالنسبة للدول العربية، فقد تمكَّنت أيضاً دول الخليج من احتلال مراكز مهمّة ضمن أسعد 50 بلداً في العالم، وجاءت في المقدمة الإمارات وتلتها قطر، وذلك نتيجة لتمتُّعها بناتج محلي إجمالي مرتفع، دعم اجتماعي قويّ، قلّة الفساد، بالإضافة إلى ارتفاع ثقة المواطنين في الحكومة.
بينما جاءت الجزائر في المرتبة 84 عالميا، والمغرب 85، وتونس 111، ومصر 122، وهذا الترتيب المُتدنّي ما هو إلا نتيجة للسياسات الاقتصادية غير الفعّالة والنسيج المؤسساتي الضعيف الذي سمح بتغلغل الفساد في كافة الميادين.
كما يعكس هذا الترتيب مدى تعاسة شعوب دول شمال أفريقيا ويفسِّر رغبتهم بالهجرة إلى دول لا توفِّر لهم فحسب سعادة أكبر وإنّما أيضاً لأسرهم التي بقيت بانتظارهم في أرض الوطن من خلال التحويلات المالية التي تلعب دوراً جوهرياً في تحسين أحوال معيشتهم والارتقاء بهم إلى مستوى اجتماعي أفضل، وخاصّة أنّ العديد من المهاجرين يتَّخذون قرار الهجرة لبناء مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
خلاصة القول إنّ الحال الذي وصلت إليه دول شمال أفريقيا يرجع إلى ما تمّ تبنِّيه من سياسات مالية مُتحيِّزة تفتقر للانسجام ما بين الإنفاق الحكومي والضرائب، وكذا سياسات متعلقة بالتعليم والصحة والبنى التحتية غير مراعية لعدالة التوزيع.
لذلك ينبغي على هذه الدول توفير عدالة توزيعية أكثر لمواطنيها وذلك من أجل وضع حدّ لاستنزاف طاقاتها البشرية للخارج، فالسياسات الاقتصادية الحكيمة تبتعد كل البعد عن منطق العصا والجزرة وتعتمد بدلاً من ذلك على التخطيط الجيّد الذي يعتمد بدوره على ﺍﻟﺤﻜﻡ ﺍﻟﺭﺍﺸﺩ، ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ، ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ وﺍﻟﻤﺴﺎﺀﻟﺔ، هي سلسلة طويلة من الحلقات المترابطة ما زالت هذه الدول تفتقد إلى حلقتها الأولى والبالغة الأهمية.
كما يجب على تلك الحكومات تحقيق تقدُّم أكبر على صعيد الإصلاحات السياسية، لأنّها بمثابة مربط الفرس نحو الحصول على رضا الشعوب وثقتها، خاصّة بعدما قطعت تلك الحكومات شوطاً كبيراً في إرساء الأمن.