شيئا فشيئا يظهر للمتابعين أن الاقتصاد الأميركي ليس بالقوة التي يتصورها البعض، رغم ضخامته وتعدد أنشطته وهيمنته على التجارة الدولية وسوق العملات والبورصات والمال والمعادن، وأن التحديات التي يواجهها هذا الاقتصاد قد تفوق كثيراً الفرص التي يتمتع بها والدعاية التي يحظى بها.
وأحدث دليل على ذلك ما قاله المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، حينما وصف الاقتصاد الأميركي بالزائف جداَ، واعتبر أن مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) يبقي أسعار الفائدة على الدولار عند مستويات متدنية لتفادي التباطؤ الاقتصادي، وأنه يجب تغيير سعر الفائدة على الدولار.
كلام ترامب ليس الأول من نوعه، ففي وقت سابق تعامل المرشح الرئاسي مع الاقتصاد الأميركي على أنه شركة متعثرة تشبه شركاته الخاسرة التي أعاد هيكلتها باعتباره رجل أعمال، ولذا أقترح خطة علاج في حال انهيار هذا الاقتصاد تقضي بخصم جزء من ديون المؤسسات والأفراد المستحقة على الحكومة من خلال خفض عوائد الدائنين على قروض الخزانة العامة.
تصريحات ترامب الأخيرة جاءت لتزيل بعضا من الغموض حول الأسباب الحقيقية التي دفعت البنك المركزي الأميركي للتأجيل المتواصل لقرار رفع أسعار الفائدة على الدولار، وتكشف جزءاً من سر تردد البنك في رفع الفائدة على العملة الأميركية كل هذه الفترة من الزمن.
ولماذا يواصل البنك سياسة تثبيت سعر الفائدة لسنوات قرب مستوى الصفر في المائة، ودور هذا التثبيت في معالجة مشاكل الاقتصاد الأميركي عبر خفض تكلفة الأموال داخل المجتمع وإتاحة أموال رخيصة للمستثمرين، وهو ما يساعد على إيجاد فرص عمل وزيادة معدلات التشغيل وخفض معدل التضخم وزيادة معدل النمو.
البنك المركزي الأميركي لمّح مرات عديدة إلى قرب إجراء رفع لأسعار الفائدة على الدولار، واستند في توقعاته لحدوث تحسن في الأرقام الاقتصادية خاصة تلك التي تتعلق بالتضخم ونسب النمو والتشغيل والبطالة، لكن الرفع لم يحدث، بل إن صانع السياسة النقدية الأميركية يقدم قدماً ويؤخر أخرى في قضية رفع الفائدة.
والسبب عدم تأكده من خروج الاقتصاد الأميركي من المشاكل التي تعرض لها عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية والتعافي من تأثير الانهيارات التي طاولت قطاعات مهمة كالبنوك وشركات التأمين والتمويل العقاري.
هذا التردد انعكس أيضاً على توقعات المؤسسات المالية الدولية التي حدث بينها انقسام شديد حول احتمالات رفع الفائدة الأميركية، وأحدث مثال على ذلك الانقسام الذي جرى أمس بين بنكي غولدمان ساكس ومورغان ستانلي وهما أكبر بنكين استثماريين في العالم.
فمحللو غولدمان ساكس يتوقعون رفع الفائدة في اجتماع البنك المركزي الأميركي يومي 20 و21 سبتمبر/ أيلول الجاري مستندين لإضافة الاقتصاد الأميركي 151 ألف وظيفة خلال أغسطس، بينما يقول المحللون لدى "مورغان ستانلي" إن استمرار التراجع في سوق العمل الأميركي وغياب الضغوط التضخمية سيعيق قرار الرفع.
قضية زيادة الفائدة على الدولار لا تتعلق فقط بالاقتصاد الأميركي كما يتصور البعض، بل تتعلق بالاقتصاد العالمي، وبرجل الشارع في المنطقة العربية، ففي حال إجراء مثل هذه الزيادة فإن تطورات كثيرة ستحدث في الأسواق العالمية.
تطورات في حركة الأموال واتجاهات الاستثمار حول العالم، تغيرات في أولويات صناديق الاستثمار العملاقة وأسواق الذهب والنفط والعملات وغيرها، وكذا في اهتمامات الشركات العابرة للقارات.
ولذا فإن العالم يتلقف أي إشارات تتعلق باتجاهات أسعار الفائدة الأميركية، لأن الزيادة تعني مكاسب بمليارات الدولارات للبعض وخسائر بنفس القيمة لآخرين.