وبحسب خبراء عسكريين واقتصاديين دوليين، فإن الدافع المادي يُشكل السبب الرئيسي وراء انخراط ملايين الشباب حول العالم في هذه الشركات. فالراتب الذي يتم تقديمه للمرتزقة، يفوق بعشرات الأضعاف معدل الأجر الرسمي المعمول به في دول عدة.
وبحسب شهادة أدلى بها في إحدى المحاكم الأميركية مرتزقٌ سابق، يدعى غوستافو مارشيلو، وكان يعمل سابقاً في القوات البحرية الأميركية، فإن "الراتب الشهري المرتفع، البدلات، التدريبات، تشجع الناس على الانخراط في مثل هذه الأعمال".
انعدام الفرص
يؤكد خبراء دوليون أن انعدام الفرص الوظيفية، وارتفاع حدة الفقر في دول أميركا الجنوبية، أفريقيا، وغيرها، يشكل الدافع الرئيسي للمرتزقة للقيام بالمهام الموكلة إليهم، خصوصاً أن معدل الأجور التي يتلقونها يراوح ما بين 500 وألف دولار يومياً، ويمكن أن يرتفع بحسب طبيعة الأعمال.
ووفق تقرير منشور في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، هناك عوامل عدة تساعد في تحديد الأجر، منها طبيعة العمل أو المهمة الموكلة، إذ تتنوع المهام بين لوجستية، تنفيذية، مراقبة وحراسة، وخوض معارك وحروب.
وعلى سبيل المثال، تدفع شركة "بلاك ووتر"، التي تم تغيير اسمها إلى "أكاديمي"، ما بين 300 إلى 600 دولار يومياً للمهام العادية، وترتفع الأجور للمدراء التنفيذيين، وفئات النخبة من المحاربين إلى 1500 دولار يومياً، كما تختلف الأجور بحسب طبيعة المكان أو البيئة التي يتواجد فيها المرتزقة.
اختيار المرتزقة
من خلال البحث في عدد من مواقع الشركات الأمنية العالمية، يتبين أن هناك نوعين من العقود تعرضها؛ عقودٌ عسكرية، توقع سنوياً، وعقود للأعمال الفنية والإدارية وما شابهها، وهي عقود تتجدد كل ستة أشهر تقريباً.
وبحسب تقرير نشر العام الماضي في موقع "ديلتا كويست ميديا"، بعنوان "المرتزقة، ماذا يفعلون وكيف تصبح منهم؟"، فإن المؤهلات التي تطلبها هذه الشركات لتجنيد المقاتلين المأجورين، تتطلب "مهارات جسدية، كالطول، والبنية القوية، بالإضافة إلى خبرات في الأعمال العسكرية"؛ ولذا يجد الكثير من الجنرالات المتقاعدين في الجيوش النظامية، أو الجنود الذين يبحثون عن موارد مالية أكبر، فرصة لهم للالتحاق بمثل هذه الشركات، التي تنخرط في الحروب والمهام الأمنية، بموجب عقود مع الدول، تحصل لقاءها على مليارات الدولارات.
ولا تكتفي هذه الشركات بإغراء أولئك القادرين على القتال أو القيام بمهام أمنية بالمال، وإنما تقوم بتدريبهم في معسكرات خاصة قبل استلام مهامهم.
يذكر التقرير نفسه أنّ "هذه الخبرات تؤهل العنصر لكي يصبح مرتزقاً يتقاضى راتباً بين 500 وألف دولار يومياً. وفي حال كان المرتزق يمتلك قدرات ومؤهلات عالية، كإتقان لغات مثل العربية، الإنكليزية، الإسبانية، أو الصومالية، أو لديه خبرات عالية في الأعمال العسكرية، كمشاركته في حروب سابقة، أو أنه من العناصر الأمنية النظامية، فإن الأجر يرتفع. يتقدم طالب العمل إلى المواقع الإلكترونية الخاصة بالشركات الأمنية، ويتم تحديد موعد لمقابلته". وهكذا، من خلال إجراءات واضحة وعلنية منشورة على مواقع هذه الشركات، يتم تجنيد فقراء من حول العالم، بدون أن تتدخل دولهم المعنية لمنع استغلال مواطنيهم لزجّهم في الحروب. أما ذوو الخبرة القتالية، ممن خدموا في الجيوش النظامية للدول الكبرى برتب عالية، فإنهم يتولون مراكز قيادية ويعملون كمدربين في هذه الشركات. وعادة ما تشجّع دول رأسمالية كبرى، كالولايات المتحدة، على تجنيد هؤلاء في شركات القتال والأمن الخاصة، كونها تستفيد منهم في مهام داخلية أو خارجية، لتنفيذ أهدافها بعيداً عن البيروقراطية والقيود القانونية التي تفرضها المؤسسة العسكرية الرسمية.
وبحسب التقرير ذاته، هناك طرق أخرى "لاختيار المرتزق المحنك، أو أولئك الذين يتسلمون مواقع حساسة في الشركات الأمنية، إذ إن هذه الشركات ترسل في العادة رسائل إلكترونية إلى ضباط في الجيش الأميركي، وقوات (المارينز) وغيرها، لاستقطابهم، عن طريق دفع أجور ورواتب تفوق ما يتقاضونه في وظائفهم بأكثر من أربعة أو خمسة أضعاف".
هل هذا كل شيء؟
لا. يتقاضى المرتزق أيضاً "مبالغ إضافية وحوافز" على الشكل التالي: يحصل على تذكرة طيران مجانية سنوياً، تأمين صحي، وغيرها!
وفي انقلاب لمفهوم القتال التقليدي في صفوف جماعة ما، في إطار "الحروب" بين الجماعات البشرية، فإن شركات الحرب الخاصة تعرض "حوافز مرتفعة تدفع نظير القيام ببعض الأعمال، فعلى سبيل المثال، تدفع للمرتزق نحو 800 دولار في حال تدميره معدات عسكرية ثقيلة، ونحو 400 دولار في حال قتل أحد المطلوبين، ونحو 300 دولار في حال أسر ضباطاً".
الموت من أجل لقمة العيش
تختلف الرواتب والأجور التي يتقاضاها المرتزقة، بحسب الشركات والمهام.
من بعض النماذج، ما أفاد به تقرير صادر عن وكالة "رويترز" للأنباء بعنوان "الموت من أجل لقمة العيش... المدنيون الروس الذين يقاتلون في سورية".
يقول التقرير إن أكثر من 300 متعاقد خاص قتلوا في سورية في 2017، وهم مواطنون روس انخرطوا في مؤسسات عسكرية وأمنية خاصة، وذلك بسبب غياب فرص العمل في بلادهم، وسعيهم لجني أجور مرتفعة.
ووفق التقرير، فقد لقي فلاديمير كابونين مصرعه في سورية، حيث التحق للعمل كمتعاقد عسكري خاص. وكان كابونين يبحث عن فرصة لتحسين دخله، مقارنة بما يمكن أن يكسبه في مسقط رأسه، في أحد الأقاليم الروسية.
وقال صديق لأسرته إن رجل الشرطة السابق ابتهج لأنه صار قادراً على الإنفاق على زوجته وابنه، فغادر بلدة أورينبورج الواقعة على بعد نحو 1500 كيلومتر جنوب شرقي العاصمة موسكو، لينضم إلى المتمردين الموالين لروسيا الذين يقاتلون قوات الحكومة في شرق أوكرانيا في البداية. وأضاف أنه عندما هدأ القتال هناك، توجه إلى سورية ليعمل مسعفاً ميدانياً، مع قوات تحت قيادة روسية.
وبحسب مصادر مطلعة على عملية نشر المتعاقدين، فإن كابونين (38 عاماً)، هو واحدٌ من مئات تعاقدوا سرّاً مع الحكومة الروسية للقتال في سورية، منذ بدأت موسكو عمليتها العسكرية في هذا البلد في العام 2015.
ويقول أفراد في عائلات المتعاقدين الروس، إنهم كانوا يحصلون في سورية على أجور تصل إلى 6500 دولار شهرياً، وهو ما يزيد على متوسط الأجور في روسيا بأكثر من 12 ضعفاً.
وفي السياق ذاته، قال أسير أفغاني لدى قوات المعارضة السورية، اسمه ساهي مير عبد الله، إنه تلقى 600 دولار شهرياً مقابل مشاركته في القتال ضمن العناصر الإيرانية الداعمة لقوات النظام السوري.
المرتزقة في العراق
شكلت أرض العراق مجالاً خصباً لتعاظم دور المرتزقة، الذين بدأ عملهم في هذا البلد منذ احتلاله من قبل القوات الأميركية في العام 2003، فأوكل إلى شركة "بلاك ووتر" مهام الحراسة والأمن، ومن ثم الانتقال إلى خوض معارك، وغيرها من المهام العسكرية واللوجستية.
وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" في ذلك الوقت، أن معدلات الأجور التي يتم دفعها شهرياً للمرتزقة العاملين في العراق، جذبت مئات الشبان الباحثين عن فرصة أفضل، حيث كانت معدلات الرواتب التي يتم تسديدها شهرياً توازي أضعاف ما يتقاضونه في بلادهم خلال عام.
وبحسب كتاب "المرتزقة: جيوش الظل"، الصادر عام 2008، فإن الضابط الذي يعمل في الشركات الأمنية، يتقاضى راتباً بحدود ألف و1500 دولار يومياً، أما المرتزق العادي أو العنصر، فيتقاضى ما بين 300 إلى 500 دولار، تبعاً للمهام والمكان. ويمكن أن يصل راتب "المرتزق المحنك" إلى 1500 دولار يومياً.
ووفق "نيويورك تايمز"، هناك تمييز عرقي بين المرتزقة، إذ إن بعضهم من الولايات المتحدة، أو جنوب أفريقيا، يحصلون على رواتب تراوح ما بين ثمانية آلاف و16 ألف دولار شهرياً، أي ما بين 266 دولاراً يومياً و533 دولاراً، لتأمين الحماية اللوجستية والأمنية في المنطقة الخضراء، في بغداد.
في المقابل، يتقاضى المرتزق من النيبال على سبيل المثال، نحو ثلاثة آلاف دولار شهرياً، أي نحو 100 دولار يومياً.
كما يشير تقرير صادر عن شبكة "بي بي سي" البريطانية، إلى أن المرتزق الأميركي يتقاضى في العراق 550 دولاراً يومياً، فيما يتقاضى المرتزق من البيرو ألف دولار شهرياً، أي ما يعادل 33 دولاراً يومياً.
إلى ذلك، تختلف الرواتب من شركة إلى أخرى. وبحسب تقرير صادر عن "نيويورك تايمز" أيضاً، فإن شركة تدعى "ريدن تاكتس" تقع في شمال كاليفورنيا، قامت بإرسال رسائل بريدية إلى آلاف الأميركيين، تتضمن عروضاً مغرية للسفر إلى العراق والقتال هناك في العام 2007.
وبحسب معلومات خاصة للصحيفة، فإن الشركة المذكورة استهدفت خبراء أميركيين وقوات خاصة وعسكريين، وعرضت عليهم رواتب مغرية، بحيث يتقاضى كل جندي من المرتزقة مبلغاً يصل إلى 1750 دولاراً يومياً، أي ما يصل إلى حوالي 40 ألف دولار شهرياً.
المرتزقة في ليبيا
في ليبيا، انتشر عمل المرتزقة إبان الثورة، حيث استعان معمر القذافي بمرتزقةٍ من كل من غينيا، مالي والنيجر، لتأمين الحماية لنظامه قبل أن يسقط.
وبحسب التقارير، فإن نظام القذافي دفع نحو 2000 دولار لكل مقاتل يومياً، وهذا ما شجع الكثير من المرتزقة من هذه الدول على الانخراط بالأعمال الحربية، إذ إن الرواتب المرتفعة التي دفعها القذافي للمرتزقة مقارنة مع دخلهم في بلادهم، والذي لا يتعدى بضع دولارات، كان كفيلاً بحملهم إلى ليبيا، بحسب ما جاء في تقرير صادر عن مؤسسة Consultancy African Intelligence's.
مرتزقة في الإمارات
تشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن مؤسس "بلاك ووتر"، إيريك برنس، وقع عقداً مع حكومة أبوظبي، للدفع بنحو 800 عنصر من المرتزقة إلى البلاد، لتأمين خطوط الغاز والنفط، وحماية ناطحات السحاب.
وبحسب الصحيفة، فإن "بلاك ووتر" أرسلت 800 عنصر من الجنسية الكولومبية، يندرجون في إطار نخبة المحاربين. ومن جهة أخرى، أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في أحد تقاريرها، إلى أن الإمارات جندت نحو 450 مرتزقاً من كولومبيا، بنما، السلفادور، وأرسلتهم إلى اليمن، بعد توقيع عقد مع شركة "بلاك ووتر".
عناصر أمنية خاصة تفوق النظامية
مع خصخصة الأمن العسكري، بات وجود عناصر أمنية خاصة أمراً طبيعياً في العديد من المناطق، لكن توسع أعداد العناصر الخاصة بشكل يفوق عدد عناصر الجيش النظامي يعتبر، بحسب الخبراء، مؤشراً خطراً على تنامي قوة هذه المجموعات، خاصة أن تقارير أشارت إلى أنه من المتوقع أن يرتفع حجم الإنفاق على الأمن الخاص من 180 مليار دولار إلى نحو 220 مليار دولار في العام 2020.
20 مليون جندي مأجور
ويصل عدد عناصر الأمن الخاص أو المرتزقة المجندين حول العالم إلى أكثر من 20 مليون عنصر، ما يوازي جيوش عدد كبير من الدول.
وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة statista، فإن أعداد عناصر الأمن الخاصة فاقت أعداد قوات الأمن النظامية في دول عديدة.
* في الصين مثلاً، يصل عدد عناصر الأمن الخاصة إلى خمسة ملايين عنصر، فيما يصل عدد قوات الأمن النظامية إلى 2.7 مليون عنصر.
* في الهند، يصل عدد قوات الأمن الخاصة إلى سبعة ملايين عنصر، فيما عدد القوات النظامية لا يتخطى 1.4 مليون عنصر.
* أما في الولايات المتحدة، فيصل عدد القوات الخاصة إلى 1.1 مليون عنصر، فيما لا يتعدى عدد القوات النظامية حاجز الـ800 ألف عنصر.
* في البرازيل، يصل عدد القوات الخاصة إلى 1.7 مليون، فيما عدد القوات النظامية لا يتعدى 687 ألف عنصر.
* في روسيا، عدد القوات الخاصة يصل إلى 800 ألف، فيما عدد القوات النظامية لا يتخطى المليون عنصر.
* في اليابان، عدد القوات الخاصة يصل إلى 459 ألف عنصر، أما عدد القوات العامة فيصل إلى 246 ألفاً.
* في ألمانيا، يكاد يكون عدد القوات الخاصة موازياً للقوات العامة، حيث يصل عدد عناصر الأمن الخاص إلى 257 ألفاً، فيما يصل عدد قوات الأمن النظامي إلى 245 ألفاً.
* في المملكة المتحدة، يصل عدد قوات الأمن الخاصة إلى 232 ألفاً، أما القوات النظامية فيصل عددها إلى 151 ألف عنصر.
* في أستراليا، يصل عدد قوات الأمن الخاصة إلى 114 ألف عنصر، أما النظامية فيصل عددها إلى 52 ألف عنصر. وفي جنوب أفريقيا، يصل عدد قوات الأمن الخاصة إلى 487 ألف عنصر، فيما عدد القوات النظامية لا يتخطى حاجز 194 ألف عنصر.