خلال الأيام القليلة الماضية صدرت إشارات وتصريحات عدة عن مسؤولين خليجيين بارزين تصب كلها في اتجاه واحد هو ضرورة ترشيد الإنفاق العام داخل دول مجلس التعاون والبحث عن موارد إضافية في إطار خطة للتعامل مع مشكلة تهاوي أسعار النفط وفقدانها نحو 53% من قيمتها منذ يونيو/حزيران 2014.
التصريحات المتقاربة لم تكن الوحيدة اللافتة للأنظار، فما لفت الأنظار أيضاً هو خروج ثلاثة أخبار أمس من منطقة الخليج تقول في وقت واحد إن الخليج بدأ مشوار الاقتراض الخارجي والبحث عن موارد مالية لتغطية العجز في موازنة العام الحالي 2015، وربما عجز العام القادم إذا لم تتحسن أسعار النفط، وظل سعر برميل النفط عند مستوياته الحالية التي تتأرجح حول 50 دولاراً ولم يتحرك نحو 70 إلى 80 دولاراً للبرميل.
الخبر الأول خرج من الرياض، فقد قالت مصادر في القطاع المصرفي إن حكومة المملكة ستبدأ من العام القادم الاقتراض الخارجي عبر بيع سندات في السوق العالمية لمستثمرين دوليين كالبنوك وصناديق الاستثمار وغيرها، وإن الخطوة تأتي في إطار مساعيها لسد عجز الميزانية الناجم عن تراجع أسعار النفط، علما أن هذا العجز يقدر بنحو 150 مليار دولار عن عام 2015 وحده.
الخبر الثاني خرج من الدوحة، إذ نقلت وكالة رويترز عن مصرفيين قولهم إن قطر تجري محادثات مع بنوك للحصول على قرض قيمته 10 مليارات دولار في الوقت الذي تسعى فيه الدولة الخليجية لتعزيز سيولتها التي تقلصت بسبب هبوط أسعار النفط.
الخبر الثالث خرج من سلطنة عمان حيث ستحصل السلطنة على قرض مجمع بقيمة مليار دولار في غضون يومين.
بالطبع البعض يستغرب خطوة إقدام دول الخليج الثرية العائمة على نفط وغاز على الاقتراض الخارجي، في ظل امتلاكها سيولة بالنقد الأجنبي مستثمرة في الخارج، وتقدر بمئات المليارات من الدولارات، وامتلاكها أيضا صناديق ثروة سيادية تتجاوز قيمتها 2066 مليار دولار، منها 856 مليار دولار لصندوق الإمارات و681 مليار دولار للسعودية و386 مليارا للكويت و115 مليار دولار لقطر، و14 ملياراً للبحرين ومثلها لسلطنة عمان.
وبالتالي يطرح هؤلاء سؤالاً منطقياً هو: إذا كانت دول الخليج تمتلك كل هذه المليارات من الدولارات، فلماذا تقترض من البنوك الدولية وتلجأ إلى الآخرين لتغطية عجز الموازنة العامة؟ وإذا كانت السعودية تمتلك سيولة نقدية تزيد عن 680 مليار دولار فلماذا تقترض من البنوك العالمية، وكذا الحال بالنسبة لقطر التي تمتلك أموالاً تزيد قيمتها عن 160 مليار دولار ومع ذلك تقترض 10 مليارات دولار؟
هناك بالطبع تفسير منطقي لهذا الأمر، وهو أن الأموال الخليجية بالخارج مستثمرة في أصول طويلة الأجل كالسندات والودائع والعقارات والعملات والسلع، وبالتالي فإن تسييلها وبيعها والتخلص منها حالياً قد يحقق خسائر لدول الخليج أو على الأقل لا تحقق هذه الأموال أرباحا رأسمالية متوقعة، وقد تكون تكلفة الاقتراض الخارجي أقل من العائد الذي تحققه هذه الأصول على المدى البعيد، ومن هنا تلجأ دول الخليج للاقتراض الرخيص مقابل الاحتفاظ بأصول ستدر عائدا أعلى مستقبلا، أي أن دول الخليج تفاضل بين تكلفة الفرص البديلة.
في كل الأحوال الاقتراض ليس عيباً في الأعراف الدولية، ما دام هناك مصادر بالنقد الأجنبي لدى الدولة المقترضة تغطي أقساط وأعباء الديون الخارجية، ولا تسبب لها حرجاً في حال التعثر في السداد.
ويصبح الأمر خطرا في حال التوسع في الاقتراض مع عدم وجود مصادر للسداد، هنا ستتكرر تجربة اليونان وغيرها من دول العالم التي تعثرت في سداد الديون المستحقة عليها لعدم توفر موارد بالنقد الأجنبي لديها.
اقرأ أيضا: 3 دول خليجية تتجه إلى سوق السندات الدولية